الاثنين، 22 أبريل 2024

عيد الفصح: هل سيشهد اجتياحًا لرفح؟

عيد الفصح: هل سيشهد اجتياحًا لرفح؟

د. عطية عدلان
مدير مركز (محكمات) للبحوث والدراسات – اسطنبول- أستاذ الفقه الإسلامي



إن صحَّ ما أذيع في بعض وسائل الإعلام مِن إعطاءِ أمريكا الضوء الأخضر لنتنياهو لاجتياح رفح، شريطة ألا يتوسع في مواجهة إيران، أو حتى شريطة ألا يُوغِل في قتل المدنيين، وثبتَ ما تردد في مواقع إعلامية عديدة من قيام مصر بتهيئة منطقة الحزام الحدودي المتاخم لرفح الفلسطينية، وتأكَّدَ ما أعلنته بعض الجهات من زيارة “ماجد فرج” مدير مخابرات “عباس” لهذه المنطقة واستدعائه لكوكبة من الجنود التابعين للسلطة الفلسطينية للتدريب هناك، ثمّ تبيَّن صحة عثور المتطرفين الصهاينة بمعاونة بعض صهاينة البروتستانت على خمس بقرات حمراء؛ فقد اكتملت أركان صفقة القرن بنسبة كبيرة، وصرنا على مقربة من تخوم “المسيَّا” اليهودية التي تتكئ على النبوءة التوراتية، ولا التفات بعد ذلك إلى عنترية يتظاهر بها الخطاب الرسمي المصري، أو تخوفات مُدَّعاة تبديها أمريكا، أو محاولات لتشتيت الانتباه يقوم بها الكيان الصهيونيّ قولا أو فعلا؛ لكن: ما علاقة ذلك بالاجتياح المتوقع لرفح؟ ثم ما علاقة ذلك بعيد الفصح؟

صفقة القرن والمرحلة الأخيرة من المشروع الصهيونيّ

فأمّا صفقة القرن فهي صفعة على وجه الأمة ذات أبعاد ثلاثة، الأول: مصر تؤوي الفلسطينيين لقاء مبلغ هائل، قد تكون المساومة عليه جارية الآن، وقد تكون هذه المساومة هي الوجه الخفيّ للتأبي السياسي الظاهر، وبعض بلاد العرب العائمة على بحار البترول تدفع الفاتورة الباهظة، وإسرائيل تحصد النتائج التي ستكون بمثابة التمهيد والتوطيد للمرحلة الثالثة من مراجل المشروع الصهيونيّ، وهي مرحلة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، استعدادًا لاستقبال “المسيّا” أو المخلص، الذي ينتظره اليهود.

وإذا كانت الصهيونية السياسية قد نجحت في إقامة دولة إسرائيل في 1948م فإنّه قد آن الأوان للصهيونية الدينية أن تكمل الطريق في ظلّ حكومة يمينية متطرفة، تتخذ من النبوءات التوراتية منطلقًا لإشباع نهمها للقتل والإبادة.
وقد صار هذا الاتجاه هو الأقوى في المجتمع الصهيونيّ، ولاسيما بعد اتفاقية أوسلو التي – رغم ظلمها للفلسطينيين- يعدها هؤلاء المتطرفون تنازلا عن المشروع الصهيونيّ وبيعًا للقضية بأبخس الأثمان، ومن يومها راحوا يبحثون عن مخارج دينية تسوغ لهم اقتحام الأقصى قبل التطهير الكبير، وقد تقدمت لجنة حاخامات “يشا” من اليهود الأرثوذكس بفتوى مؤداها جواز دخول اليهود هضبة موريا أو جبل الهيكل الذي هو موضع المسجد الأقصى، وقد وجدت حكومة اليمين ضالتها في هذه الفتوى، وعولت عليها، على الرغم من مخالفتها الصريحة للتعاليم اليهودية التي تحظر دخول هذه المناطق على الشعب اليهوديّ قبل أن يتطهر، بأن يجد البقرة الحمراء التي لا شية فيها حسب الشروط التوراتية، ويحرقها ويتطهر برمادها، بحسب ما تفتي به الحاخامية الكبرى التي تعد السلطة التشريعية العليا في الكيان الصهيونيّ، وكذلك المركز العالمي لدراسات الدينية (حاراف)، وانطلقت حكومة نتنياهو من فتوى اليشا -التي تعترض عليها هاتان الجهتان الكبيرتان ومعهم يهود الحريديم – إلى الاقتحامات، وتريد من بعد الاقتحامات أن تحقق مخطط التقسيم الزماني والمكاني؛ تمهيدًا لمخطط هدم الأقصى.

الفصح ورفح وأحلام نتنياهو

يُعَدُّ عيد الفصح من أهم أعياد اليهود، وهم في هذا العيد يحيون ذكرى خروجهم مع نبيّ الله موسى عليه السلام من مصر، وخلاصهم من قهر فرعون، وعبورهم من العبودية إلى الأمن والحرية، وهو يبدأ هذا العام يوم 23 إبريل/نيسان، أي غدا الثلاثاء، أو بشكل أدق يبدأ مساء اليوم 22 إبريل، ويستمر ثمانية أيام لينتهي يوم الاثنين 29 إبريل، وفي ظل هذه الحرب، ومع طموح نتنياهو لتحقيق نصرٍ مَا يحفظ به ماء وجهه، وينجو به من السجن، وربما يكون مسوغًا لاستمراره وحكومته، ومع توافر الإرهاصات التي أشرنا إليها في صدر المقال؛ يمكن أن يجدها نتنياهو وحكومته فرصة مواتية لاجتياح رفح؛ أملًا في بلوغ غايته عن طريق التهجير القسري الاضطراري لحوالي مليون ونصف المليون من أهل غزة، وعندئذٍ يكون الفصح فرصة لإلهاب مشاعر المجتمع اليمينيّ الذي يُعَدُّ الظهير الشعبيّ والحاضنة الدينية لنتنياهو وحكومته المتطرفة، وقد يمتدّ طموحه ليبلغ غايةٍ طالما تمناها وتغيّاها، وهو كسر عنق حماس بهذا التهجير القسري، أو بالإبادة الجماعية، وهو أسلوب في الحرب القذرة المعاصرة استخدمته القوى العظمى لإرغام الخصم على التسليم والنزول على شروطه، مثلما فعلت أمريكا مع اليابان في هيروشيما ونجازاكي، ومثلما فعل الحلفاء مع ألمانيا في الحربين الأولى والثانية.

المبررات والمعوقات

وعلى الرغم من اطلاع الخلق جميعًا على نيّة نتنياهو التي يحاول أن يخفيها فلا يستطيع، فإنّه كثيرًا ما يتذرع بإصرار حماس على شروط غير موضوعية، وعزّز تلك الذريعة ببعث هاجس التهديد الوجودي لإسرائيل مع بقاء المقاومة واستمرار حماس في حكم غزة، وهذه المبررات من وجهة النظر الغالبة في المجتمع الصهيونيّ كافية للاستمرار في الحرب، ولا يقلل من أهميتها تلك المظاهرات التي تطالب بتحرير الأسرى أو بانتخابات مبكرة؛ فهذان مساران مختلفان في الواقع.

لكنّ التحديات أيضًا ليست هينة؛ 

أولها: أن اجتياح رفح سيترتب عليه حتمًا مجازر أشد هولًا من كل ما مضى، وهذا سيعرضه لضغوط أمريكية وراءها ضغوط شعبية تهدد مصير بايدن في الانتخابات الوشيكة، 

ثانيها: أنّ المقاومة لم تزل تمتلك القدرة على إيقاع المزيد من الخسائر في الجسد العسكريّ الصهيونيّ، ولاسيما بعدما تبين أنّ هناك أربع كتائب للمقاومة لم تشارك في الحرب بعد، وأنّ المقاومة صارت الآن تصنع أسلحتها داخليًّا؛ فإذا أقدمت إسرائيل على المجزرة الأخيرة وكانت مجزرة كبيرة لم تبق للمقاومة ما تخشى عليه؛ فيزداد سعير المقاومة ويزداد معه احتراق الأوراق لدى نتنياهو، ومع تعادل الكفتين بين المحفزات والتحديات يغلب على الظن أن الاجتياح سيقع في الأيام القادمة؛ لسبب واحد، وهو أنّ التطرف لا عقل له، ونسأل الله السلامة لأهل رفح ولأهل غزة جميعًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق