ما الذي فعلته نعمت شفيق؟
ما الذي يحدُث في أروقة جامعة كولومبيا الأميركية وساحاتها هذه الأيام؟... كما هي عادة الطلاب الأحرار في كلّ زمان ومكان، ينتفض طلابُ هذه الجامعة العريقة للتضامن مع غزّة في محنتها الراهنة، والمستمرة منذ "7 أكتوبر" (2023)، تنديداً بالعدوان الإسرائيلي وتبعاته القاسية. ورغم أنّ حراك طلاب جامعة كولومبيا سلمي مُعتاد في معناه، يدعو فيه الطلبة إدارة الجامعة إلى عدم التعامل مع "إسرائيل" مالياً وأكاديمياً، وفي إطار الحرّيات التي توفّرها الولايات المتحدة لرعاياها في كلّ مكان، فإنّه لم يُعجب رئيسة الجامعة، نعمت شفيق، التي لم تحتمل ما يحدُث، فحاولت غير مرّة إيقاف الحراك بوسائل غير معتادة وغير مشروعة، ما جعلها عرضة لانتقادات الطلبة والأساتذة على حد سواء، خصوصاً أّنها فعلت في السابق ما لم يجرؤ على فعله رئيس أي جامعة أميركية.
لم تكتفِ نعمت شفيق، رئيسة الجامعة المرموقة، بمحاولة قمع طلبة الجامعة الثائرين من أجل غزّة ، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، فسخّرت كلّ جهودها لخيانة القيم الأخلاقية المتعارف عليها في الصروح العلمية، إذ فصلت طلبة من الجامعة عقاباً لهم على قيادتهم التظاهرات، واستدعت الشرطة لتفريق باقي الطلبة المُحتجّين، المنتفضين ضدّ ما يفعله الصهاينة في فلسطين من جرائم غير مسبوقة، ما أدّى إلى توقيف أكثر من مائة طالب بتهمة معاداة السامية، وهي التهمة التي لفظها حتى الغرب، بعد أن اتضح أنّها مُجرّد أداة من أدوات الصهيونية للتغطية على جرائمها التاريخية المستمرة.
ويبدو أنّ نعمت شفيق، ذات الأصول العربية والثقافة الأميركية، لم تجد سوى أن تكون مَلَكيّة أكثر من الملك، وصهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم، ربما لظنّها أنّ ما تفعله سيحمي منصبها المُهم، أو لأنّها أرادت أن تنقل التجارب العربية التقليدية، على هذا الصعيد، إلى الفضاء الأميركي العام، فخرقت كلّ ما هو متعارف عليه في سياسات التعليم الأميركي الجامعي، الذي يوفّر للطلبة حرية بلا سقف في سبيل تهيئتهم للانخراط في النظام السياسي العام، القائم على الفكرة الديمقراطية.
لا أحد يدري أين ذهب عقل هذه الأكاديمية المرموقة علمياً، التي تتحدّث أربع لغات، وتحمل ما تحمل من شهادات، عندما قرّرت أن تكون أول رئيسة جامعة في أميركا تستدعي الشرطة لتعتقل طلبة الجامعة، بتهمة الاحتجاج السلمي على الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال الصهيوني في غزّة منذ أكثر من ستّة أشهر، خاصة أنّ ما فعلته لم يخدم فكرتها، بل من الواضح أنّ الاحتجاج الطلابي قد اتسعت رقعته منذ قرّرت قمعه، وبدأت العدوى تنتقل إلى جامعات أخرى، وبشكل يذكّر بالتظاهرات الطلابية الأميركية إبّان الحرب الأميركية الفيتنامية، قبل أكثر من خمسين عاماً. وهذا يعني أنّ شفيق خسرت أولاً، معركتها في وقف التظاهرات، ثمّ خسرت سمعتها الأكاديمية، التي تبخّرت فجأة، بعد أن أصبحت خائنة لكلّ قيم الحرية؛ المادة الخام التي تَصنع منها الجامعات أهميتها الأكاديمية، على صعيد البحث والتعبير عن الرأي. وأخيراً خسرت تاريخها الشخصي أوّل امرأة عربية تتبوّأ هذه المكانة الأكاديمية المرموقة، على رأس واحدة من أهم الجامعات في العالم. ولا أظن بعد ذلك أنّها ستحظى حتى بتقدير الصهاينة أنّفسهم، خصوصاً بعد أن جعلت، من حيث لا تريد ولا تقصد، قضيّة غزّة قضيّة معظم الطلبة في جامعات الولايات المتحدة.
ومن يدري؟... ربما تكون الشرارة التي أشعلتها هذه السيدة بداية سلسلة من النيران، ستشتعل في أماكن أخرى بالولايات المتحدة، والعالم أيضاً، في سبيل وقف العدوان الصهيوني على غزّة. ومعظم النار من مستصغر الشرر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق