بيني وبينك …. لا شيءَ يَدُوم!
كلّ شيءٍ يتغيّر، كلّ شيءٍ إلى زوال، «كلّ شيءٍ هالكٌ إلاّ وجهه».
لن يدومَ شرٌّ إلى الأبد ولا خيرٌ كذلك، تلك سُنّة الله، وذلك ما فَطَر الكونَ عليه، وإنّ الكثير في هذه الدُّنيا كالقليل، والقليل كالكثير في كلّ شيءٍ، في المال والصّحّة والعمر والحياة، ذلك لأنّه سينتهي، فالنّهايات لا تجعل للطّول فضيلة، ولا للقصر رذيلة، ولقد قال المتنبّي من قبلُ:
كثيرُ حياةِ المرءِ مثلُ قليلِها
يزولُ، وباقِي عُمرِهِ مثلُ ذاهبِ
إنّ هذا الألم الّذي تراكمتْ طبقاته في غزّة حتّى تخثّر على القلوب سينتهي، ألمْ يكنْ ألمٌ من قبلُ في هذه البِلادِ الواسِعة؟! ألم يكنْ ألمٌ يومَ دخل الصّليبيّون ساحة المسجد الأقصى عام 492 ه فاستباحوا حرمة المكان والإنسان وقتلوا في يومٍ واحدٍ كما تقول بعض المصادر التّاريخيّة أكثر من سبعين ألفَ مسلمٍ حتّى خاضتْ خيولهم في الدّماء إلى رُكَبِها. لقد كانتْ غُمّة شديدة، وكُرْبةً عظيمة، ثُمّ ماذا؟ زال الصّليبيّون ولم يبقَ لهم من أثر، وأُخرِجوا من بلادِنا المُقدّسة صاغرين على يدِ مُقاوِمين كان لا يكيلُ بصاعِهم أحدٌ في بداية الأمر، حتّى عَظُمَ شأنُهم وحقّقوا المُستحيل على يد صلاح الدّين الأيّوبيّ.
ثُمّ ألم يدخل التّتار بغداد، وينهبوا كلّ ما فيها، ويُهدِّموا دُورَها على رؤوس ساكنيها عام 656 ه ويحرقوا مزارعها، ومراكز العِلم فيها، ويُتلِفوا في نهر دجلة كُتُبَها ومكتباتِها، حتّى تحوّل ماء النّهر إلى اللّون الأسود لما ساحَ فيه من حبرٍ، فقال قائلهم: «حتّى ماءُ دجلةَ أشكلُ»، ودحرجوا بسيوفهم رؤوس المسلمين وأرهبوهم إلى حَدٍّ يفوق الخيال، فكان التّتريّ -كما رُوِي- يرسم للمسلم دائرةً على الأرض، ثُمّ يقول له: لا تبرح مكانكَ حتّى آتي بالسّيف فأقتلك. ويفعل ذلك حَقًّا؟ فكم قتلوا وأحرقوا ونهبوا وعاثوا فسادًا حتّى أدخلوا الرّعب لا في قلوب المسلمين فحسب، بل في قلوب البشر جميعًا في الأرض كلّها؛ ثُمّ ماذا؟ هُزِموا بعدَ سنتَين فقط على يدِ مملوكٍ جاء من بلادٍ بعيدةٍ، واستطاع تحتَ راية (وا إسلاماه) أنْ يهزمَ أعظمَ جيشٍ في العالَم آنذاك في معركةٍ تُعَدّ من أهمّ معارك التّاريخ وهي معركة (عين جالوت). ثُمّ ماذا أيضًا؟ دخل التّتار الإسلام، فأضافوا إلى قُوّته قُوّةً جديدة.
واليوم في غزّة، نحنُ نعيشُ عصر الصّليبيّين الجُدُد، وعهد التّتار الجُدُد، وإنّهم ليفعلون فِعلَهما؛ يُدمّرون، يسحقون، يعمدون إلى الّذين لا حول لهم ولا قُوّة من الأطفال والنّساء فيذبحونهم، ولقد قتلوا ما قتلوا، وشرّدوا ما شرّدوا… ثُمّ ماذا؟ ستكونُ نهايتهم كما كانتْ نهاية الجبابرة الطُّغاة الّذين سبقوهم بإذن الله.
«سيُهزَم الجمعُ ويُولُّون الدُّبر».
وسوف يكونُ بعدَ الألم أمل، وبعدَ اللّيل نهار، وبعدَ اليأس إيمان: و « إنّه لا ييأسُ من رَوْحِ الله إلاّ القومُ الكافِرون».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق