الحرب على المناصرين لغزة في الجامعات الأمريكية
تشهد الجامعات الأمريكية حربا صهيونية شرسة على حرية التعبير، فالحشود الطلابية التي لا تتوقف عن الاحتجاج منذ بداية العدوان على غزة أصبحت تشكل عائقا أمام إدارة بايدن وأعضاء الكونغرس وصناع القرار المؤيدين للعدوان الإسرائيلي، واستطاع الشباب الفوز في معركة العقول وإفشال حملات اللوبي الصهيوني لشيطنة الفلسطينيين وتبرير الإبادة الجماعية.
في آخر فصول هذه المعركة ما جرى في جامعتي كولومبيا وييل، حيث قامت الشرطة باعتقال عشرات الطلاب المعتصمين في الحرمين الجامعيين، المطالبين بوقف الحرب ومنع الدعم الأمريكي العسكري والسياسي عن الاحتلال؛ مما زاد من الاحتقان إذ لم يعتد الأمريكيون على اقتحام الشرطة للجامعات واعتقال المشاركين في احتجاجات سلمية بهذه الطريقة الفظة كما يحدث في دول العالم الثالث.
كانت البداية في جامعة كولومبيا الأسبوع الماضي بعد استدعاء رئيسة الجامعة المصرية الأصل نعمت شفيق للشرطة لفض اعتصام الطلبة، فاجتاحت قواتها مقر الاعتصام، واعتقلت أكثر من 100 طالب وطالبة، منهم ابنة النائبة الشهيرة إلهان عمر، فتضامن معهم طلاب جامعة ييل فنصبوا خيامًا تضامنًا مع زملائهم في كولومبيا، فاقتحمت الشرطة الجامعة واعتقلت أكثر من أربعين شخصًا.
استفز مشهد الاقتحام الأمني في الجامعتين باقي الطلاب؛ فانخرط المزيد من زملائهم في الاعتصام والتظاهر ولم يبالوا باتهامهم بمعاداة السامية، وهو الاتهام المعلب الجاهز لكل من يرفض الحرب ويطالب بوقف الإبادة الجماعية، ولم يردع التدخل الخشن موجة التأييد لغزة والهتاف بالحرية لفلسطين، بل انضمت إلى الطلاب طبقات متنوعة من الشعب الأمريكي، احتشدوا خارج الجامعتين للتضامن مع الطلاب، وقد أظهرت لقطات الفيديو التصفيق الحار من الحشود عند خروج المقبوض عليهم وأيديهم مقيدة.
ترهيب رؤساء الجامعات
جاء اقتحام الشرطة الأمريكية للجامعات بعد حملة تخويف كبيرة لرؤساء الجامعات والضغط عليهم لمنع الأنشطة المؤيدة لفلسطين، فقد دأب الكونغرس الأمريكي على استدعاء رؤساء الجامعات التي تشهد حركة احتجاج واسعة وإخضاعهم للتحقيق في جلسات لإرهابهم ولتخويف غيرهم، ووسط حملة إعلامية منحازة يوجهون إليهم أسئلة ملغومة لإدانتهم وإثبات تهمتهم بمعاداة اليهود!
في ديسمبر/كانون الثاني الماضي استدعى الكونغرس ثلاثة من أشهر رئيسات الجامعات وهن كلاودين جاي، وهي أول رئيسة سوداء لجامعة هارفارد، وإليزابيث ماجيل رئيسة جامعة بنسلفانيا، وسالي كورنبلوث رئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، ووجهوا لهن تهمة السماح للطلاب بـ”التحريض لإبادة اليهود” و”الدعوة إلى الانتفاضة”، وكان ردهن أن ما يجري هو مظاهرات سلمية ليس فيها أي عنف ولا دعوات إلى التحريض، لكن لم يصدر منهن شجب صريح لموقف الطلاب وما يدعون إليه من وقف الحرب؛ وهو ما أدى إلى هجوم شرس عليهن من الإعلام الأمريكي المؤيد لـ”إسرائيل” والنواب التابعين للوبي الصهيوني.
تحت الضغط والمطالبة بالاستقالة اضطرت كل من كلاودين جاي وإليزابيث ماجيل إلى تقديم استقالتها والتنحي خاصة بعد تهديد المانحين والمتبرعين من الشركات ورجال الأعمال اليهود بقطع التمويل، في حين صمدت سالي كورنبلوث رئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لكونها يهودية، لكنها تعهدت بتعديل سياسة المعهد.
المصرية المتصهينة
نفس الإجراء قام به الكونغرس عندما استدعى المصرية نعمت مينوش شفيق التي فجرت موجة الغضب الأخيرة في جامعة كولومبيا باستدعاء الشرطة، فقد بدت خائفة مرعوبة، وبعد الجلسة عادت إلى الجامعة وفعلت ما لم يفعله رئيس أي جامعة أخرى؛ إذ فصلت عشرات من الطلاب، ونشر الإعلام مقتطفات من أقوالها تحت قبة الكونغرس تشير إلى أنها مجرد موظفة ضعيفة الشخصية، وقد أدانت هيئة التدريس في الجامعة موقفها واعتبرته إساءة إلى الصرح العلمي الذي تعمل به.
رغم ما ينشر عن مؤهلات نعمت شفيق فإنها بدت عديمة الثقافة وكأنها بلا عقل، فعندما قال لها عضو الكونغرس ريك ألن الذي يحقق معها: هل تريدين أن تكون جامعة كولومبيا ملعونة من رب الإنجيل؟
قالت بكل حماس: بالتأكيد لا.
فقال لها: هو ميثاق قطعه الرب مع النبي إبراهيم وهذا الوعد واضح “إذا باركت إسرائيل سأباركك وإذا لعنت إسرائيل سألعنك”، وفي العهد الجديد تم التأكيد على أن “جميع الأمم ستكون مباركة من خلالك”.. “ألم تكوني تعلمين بذلك؟”.
فقالت: سمعته من قبل لكن تم شرحه بشكل أفضل الآن!
وكلام نائب الكونغرس نوع من الهذيان واللغو، ولا يقبله عقل متوسط المعرفة، لأن سيدنا إبراهيم كان قبل التوراة والإنجيل {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا}، {وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ}، لكن يبدو أن الذين يتم دفعهم لتولي المناصب القيادية والسياسيين يعانون من غياب التفكير المنطقي.
وأدانت نعمت شفيق نفسها عند الرد على أسئلة إلهان عمر التي انتزعت منها اعترافات بأن الطلبة الذين استدعت الشرطة لاعتقالهم سلميون ولم يستخدموا العنف، ولم يكونوا فقط من المسلمين بل معهم طلاب يهود وأمريكيون بيض وسود ضد الحرب.
الاحتجاجات ضد الاحتلال وليست ضد اليهود
معاداة السامية ورقة يستخدمها الصهاينة ضد كل من يدافع عن الحق الفلسطيني ويرفض ممارسات الاحتلال، فالذين يتظاهرون في الجامعات الأمريكية وفي الميادين والشوارع الغربية لا يحرضون على إبادة اليهود كما يزعم أنصار “إسرائيل”، وإنما يرفضون الإبادة الجارية في غزة، كما أن الطلاب لا يطالبون بـ”انتفاضة” تؤدي إلى “إبادة اليهود” كما يزعم أعضاء الكونغرس، وإنما يدعون إلى إدخال المساعدات لمواجهة المجاعة التي يفرضها الاحتلال المدعوم أمريكيا بالحصار والقصف وقتل موظفي الإغاثة.
أبلغ رد على اللوبي الصهيوني الذي يحاول عبثا احتواء الغضب في أمريكا وأوروبا أن جماعات يهودية كثيرة في أمريكا وأوروبا تشارك في الاحتجاجات والاعتصامات، بل ينظم يهود أمريكيون فعاليات مهمة ضد الحرب، ويطالبون بالوقف الفوري لإطلاق النار، ويرفعون شعار “أوقفوا الإبادة الجماعية” ويتبنون شعار “ليس باسمنا”، أي لا تقتلوا الفلسطينيين في غزة باسمنا.
هؤلاء اليهود الذين يتضامنون مع غزة يشاركون مع المسلمين والمسيحيين، ومع البيض والسود والملونين، ويؤكدون أن الاحتلال هو الذي يرتكب جريمة الإبادة وليس المتظاهرين من كل الأديان والأعراق الذين لم تقبل ضمائرهم استمرار محرقة العصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق