غزة تقسم الديمقراطيين: كيف تحول دعم بايدن لـ”إسرائيل”
إلى صراع داخلي؟
متظاهرون مؤيدون لفلسطين يعبرون شارع نيوجيرسي بالقرب من مبنى الكابيتول الأمريكي،
خلال احتجاج في واشنطن العاصمة، 17 كانون الأول/ديسمبر 2023.
ترجمة وتحرير: نون بوست
لقد أدى الهجوم الإيراني على “إسرائيل” إلى زيادة الضغوط الشرسة التي تحدد شكل النهج المتضارب للرئيس جو بايدن تجاه الحرب في غزة. كافح بايدن طوال فترة الحملة العسكرية الإسرائيلية للتوفيق بين ميله التاريخي لدعم “إسرائيل” دون تحفظ تقريبًا وبين العداء المتزايد في حزبه تجاه سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الحرب. ومنذ أشهر، ظل بايدن يصعّد انتقاداته لنتنياهو. ولكن بمجرد بدء الهجوم الإيراني، عاد الرئيس إلى دعم “إسرائيل”.
قد يكون لوابل الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها إيران على “إسرائيل” يوم السبت تأثير قصير المدى على إبطاء الزيادة المطردة في مطالبة الديمقراطيين في الكونغرس بايدن بتعليق مبيعات الأسلحة الهجومية لـ”إسرائيل” حتى تغير استراتيجيتها بشكل جذري في غزة. مع ذلك، ما لم تنزلق “إسرائيل” وإيران إلى مواجهة واسعة النطاق، فإنه من غير المرجح أن تؤدي الأعمال العدائية التي اندلعت في نهاية الأسبوع الماضي إلى إنهاء هذه الضغوط، ويرجع هذا بشكل خاص إلى أن بعض الديمقراطيين الذين ينتقدون سلوك “إسرائيل” في غزة يعتقدون أيضًا أن “إسرائيل” كانت مضللة عندما شنت غارة جوية على كبار ضباط الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في سوريا، الأمر الذي عجل بالتبادل الحالي.
إذا أدى التهديد الإيراني إلى عودة بايدن نحو موقفه المعهود في التعامل مع “إسرائيل”، سيؤدي ذلك إلى توسيع الفجوة بينه وبين العدد المتزايد من الديمقراطيين الذين يريدون انقطاعًا أكثر جوهرية في الدعم الأمريكي لحرب غزة.
قبل هجوم يوم السبت، واجه بايدن في حزبه انقسامًا حول طريقة تعامله مع الحرب بين “إسرائيل” وحماس أكثر من أي انقسام واجهه رئيس ديمقراطي آخر بشأن قضية تتعلق بالسياسة الخارجية منذ عقود. فالديمقراطيون الذين سبقوا بايدن في الرئاسة على مدى الخمسين عاما الماضية – جيمي كارتر، وبيل كلينتون، وباراك أوباما – واجهوا جميعا استياءً داخل صفوف الحزب بشأن القرارات الرئيسية المتعلقة بالسياسة الخارجية.
لكن العديد من قدامى الإدارات الديمقراطية السابقة تعتقد أن أيًا من تلك الخلافات لم تولد نفس القدر من الخلاف المستمر الذي يشهده بايدن الآن على ثلاث جبهات مركزية: الانتقادات في الكونغرس، والرفض في استطلاعات الرأي العام، والاحتجاج العام المستمر.
قال بن رودس، الذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية في عهد أوباما: “يكون الأمر قويًا للغاية عندما يفعله الأشخاص الذين لا يشاركون عادة في السياسة الخارجية، لا أتذكر أن ذلك حدث في إدارتي أو في إدارة كلينتون. ولكن أصبح الآن هناك اندماج بين الركائز الأساسية الحقيقية للقاعدة الديمقراطية التي تم تنفيرها تمامًا بسبب ما يحدث وانعدام الضغط على إسرائيل لتغيير مسارها، لا أستطيع حقًا التفكير في أي شيء مثل هذا”.
إن الصراع الحالي لم يُقسّم الديمقراطيين بشكل سيئ مثل حرب العراق الثانية، التي بدأت في سنة 2003؛ وكان تصويت السيناتور السابقة هيلاري كلينتون بالسماح باستخدام القوة ضد العراق أحد الأسباب التي جعلتها تخسر ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة في سنة 2008 أمام أوباما. لكن هذا الصراع الضروس تركز حول كيفية استجابة الديمقراطيين لقرار شن الحرب الذي اتخذه الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش.
اتساع نطاق السخط بين الناس وفي الكونغرس بشأن هذا الصراع لا يمكن مقارنته بحجم المعارضة الحزبية التي تطورت ضد تصعيد الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون لحرب فيتنام في الستينيات. ولكن على الرغم من أن المعارضة الحالية لا تقترب من هذا الارتفاع التاريخي، إلا أنها عرّضت بايدن للصدى البعيد لتهمة تلك السنوات بدعم الحرب غير العادلة.
أعرب مساعدو بايدن في البيت الأبيض وفي حملة إعادة انتخابه بشكل موحّد عن تفاؤلهم بأنه على الرغم من استطلاعات الرأي التي تظهر القلق المتزايد بشأن الحرب بين الديمقراطيين، فإن الصراع لن يكلف الرئيس أصوات الأشخاص الذين يميلون إلى دعمه ضد الرئيس السابق دونالد ترامب، ولا يتفق الجميع في الحزب على أن هذا التفاؤل له ما يبرره، لكن العديد من الديمقراطيين يخشون أنه حتى لو كان فريق بايدن على حق في الوقت الحالي، فإن المخاطر السياسية للرئيس ستزداد كلما طال أمد الحرب.
قال أحد كبار المسؤولين في الإدارة، الذي طلب عدم الكشف عن هويته أثناء مناقشة المداولات الداخلية: “إذا توقف الأمر خلال ثلاثة أشهر، فمن المحتمل أن يكون هناك وقت كافٍ لبايدن للتعافي، ولكن إذا لم يتوقف الأمر خلال ستة أشهر، فسنشعر به حقًا”.
لا يكمن الخوف بين الاستراتيجيين في الحزب في أن الديمقراطيين الساخطين على نهج بايدن في الحرب، وخاصة الشباب، سيصوتون لصالح ترامب، فمن غير المرجح أن يفرض قيوداً على “إسرائيل”. كما هدد كبير مستشاريه لشؤون الهجرة، ستيفن ميلر، علنًا بترحيل المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين. وبدلاً من ذلك، فإن مصدر القلق هو أنه مع غياب حماس العديد من الناخبين الشباب بالفعل تجاه بايدن، فإن تعامله مع الحرب سيوفر لهم سببًا آخر لاختيار مرشح طرف ثالث أو ببساطة عدم التصويت على الإطلاق.
وقال بن تولشين، الذي عمل مسؤولا رئيسيا عن استطلاعات الرأي في الحملتين الرئاسيتين للسيناتور بيرني ساندرز: “أعتقد أن هذا أدى إلى تعقيد موقف بايدن الحالي بين الشباب، إنه مجرد شيء آخر سيتعين عليه رتق خروقه، والأمل هو أنه في غضون ستة أشهر من الآن ستنخفض حرارة الحرب”.
يتصاعد الاستياء بين الديمقراطيين بشأن الحرب ونهج بايدن تجاهها عبر مقاييس المعارضة الثلاثة. الأول في الكونغرس، فبعد الضربات الصاروخية الإسرائيلية التي أودت بحياة عمال من المطبخ المركزي العالمي، أرسلت مجموعة من 56 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس النواب رسالة إلى بايدن تحثه على تعليق نقل الأسلحة الهجومية إلى “إسرائيل” حتى يتم الانتهاء من تحقيق مستقل في الهجوم.
كما دعا السيناتور تيم كين من فرجينيا، وهو وسطي شغل منصب مرشح هيلاري كلينتون لمنصب نائب الرئيس في سنة 2016، في وقت سابق من هذا الشهر، بايدن إلى وقف نقل “القنابل وغيرها من الأسلحة الهجومية التي يمكن أن تقتل وتجرح المدنيين والعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية”.
وفي وقت سابق من هذه السنة، قدّمت مجموعة من 19 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ بقيادة كريس فان هولين من ولاية ماريلاند، مشروع قانون كان من الممكن أن يقيّد المساعدات العسكرية الأمريكية لـ “إسرائيل”. ولنزع فتيل التهديد، أصدرت إدارة بايدن مذكرة للأمن القومي تحدد عملية جديدة لتقييم ما إذا كانت “إسرائيل” والدول الأخرى التي تتلقى مساعدات عسكرية أمريكية، تستخدم الأسلحة وفقًا للقانون الدولي، وتتعاون أيضًا في توزيع المساعدات الإنسانية المقدمة إما مباشرة من قبل الولايات المتحدة أو من قبل المنظمات الدولية التي تدعمها. وإذا وجد هذا التقرير، المقرر صدوره في 8 أيار/مايو، أن إسرائيل فشلت في تلبية هذه المعايير، فقد يشجع المزيد من الديمقراطيين على مطالبة بايدن بتعليق نقل الأسلحة الهجومية.
أفاد فان هولين بأن “هناك إحباطا متزايدا من نمط قيام الرئيس بتقديم طلبات ومطالب معقولة، بينما تقوم حكومة نتنياهو بتجاهلها في الغالب وتفعل ذلك مع الإفلات من العقاب، بمعنى أننا نرسل المزيد من القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل. أعتقد أن هناك عددًا متزايدًا من أعضاء مجلس الشيوخ الذين يتفقون على أنه يمكننا الاستفادة بشكل أكثر فعالية من جميع أدوات السياسة المتاحة لنا، وأن نهجنا لا يمكن أن يقتصر على إقناع رئيس الوزراء نتنياهو”.
على المدى القريب، قد يمنع الهجوم الإيراني المزيد من الديمقراطيين من المطالبة بتعليق عمليات نقل الأسلحة الهجومية إلى “إسرائيل”، مثل بيع الطائرات المقاتلة من طراز إف-16 لـ “إسرائيل” والتي يضغط بايدن على الكونغرس للموافقة عليها رغم مقاومة بعض قادة الحزب (لقد سلط الهجوم الإيراني الضوء على صعوبة التمييز بين الأسلحة الهجومية والدفاعية؛ فقد ساعد سربان من طائرات إف-15 الأميركية في اعتراض الهجوم الإيراني). لكن العديد من المعارضين الديمقراطيين لعمليات نقل الأسلحة أصدروا بيانات في نهاية هذا الأسبوع تؤكد من جديد على موقفهم.
وفي واحدة منها، قال فان هولين يوم الأحد إنه على الرغم من أن الولايات المتحدة “يمكنها ويجب عليها الاستمرار في تجديد” الأنظمة الدفاعية التي استخدمتها “إسرائيل” ضد الهجمات الإيرانية، إلا أنه “يجب على إدارة بايدن استخدام جميع أدوات نفوذها” للتأثير على القرارات الإسرائيلية بشأن غزة، وهذا رمز واضح للإشارة إلى أن فان هولين يعتقد أن بايدن لا يزال يتعين عليه التهديد بتعليق عمليات نقل الأسلحة الهجومية.
تقدم استطلاعات الرأي العام مقياسًا واضحًا آخر لمدى استياء الديمقراطيين من الحرب والتعامل الأميركي معها. وفي استطلاع للرأي أجرته مؤخرًا جامعة كوينيبياك الوطنية، قال ما يقارب ثلثي الديمقراطيين إنهم يعارضون إرسال المزيد من المساعدات العسكرية إلى “إسرائيل”. وفي استطلاع وطني أجرته شبكة سي بي إس نيوز بالتعاون مع يوجوف يوم الأحد ولكن تم إجراؤه قبل الأعمال العدائية يوم السبت، أراد معظم الديمقراطيين أن تدعم الولايات المتحدة “إسرائيل” إذا هاجمتها إيران، لكن ثلثي الديمقراطيين عارضوا مرة أخرى نقل الأسلحة إلى “إسرائيل” من أجل الحرب مع حماس، وذكر ما يقارب نصفهم أن بايدن يجب أن يدفع “إسرائيل” إلى إنهاء عملها العسكري بالكامل، وقال ربع آخر من المشاركين إنه يجب عليه تشجيعها على إنهاء الحملة.
كانت هذه الآراء السلبية حول الحرب ونهج بايدن تجاهها واضحة بشكل خاص بين الناخبين الشباب. ويشير ذلك إلى مقياس مركزي ثالث للانشقاق داخل صفوف الديمقراطيين: الاحتجاجات واسعة النطاق في الحرم الجامعي. وأحد المقاييس الواضحة لهذا التحدي الذي يواجهه بايدن جاء في وقت سابق من هذا الشهر، عندما أصدر رئيس جامعة ميشيغان سياسات جديدة تشدد العقوبات ضد الاحتجاجات التخريبية في الحرم الجامعي.
وحقيقة أن الجامعة الرائدة في الولاية التي يعتبرها بايدن ضرورة للفوز – شعرت بأنها مضطرة إلى فرض قيود جديدة على الاحتجاج- تؤكد شدة النشاط ضد حرب غزة. وأخبرني علي علام، وهو طالب في السنة الثانية بجامعة ميشيغان وناشط في تحالف التحرير الذي يقود الاحتجاجات في الحرم الجامعي، أن الاحتجاجات “كانت مستمرة إلى حد كبير منذ تشرين الأول/ أكتوبر”. وأضاف: “لا أعرف الكثير من الأشخاص الذين يخططون للتصويت لبايدن، لأنهم رأوا مرارًا وتكرارًا أنه شخص يقول: “نحن قلقون بشأن الوضع”، ومع ذلك فهو مستمر في التوقيع على تقديم المزيد والمزيد من الأسلحة. وهذا ليس شيئًا يرغب الشباب في التخلف عنه.
تعتبر ميشيغان حالة فريدة إلى حد ما بسبب العدد الكبير من السكان العرب الأمريكيين في الولاية، والذي يوفر نواة متحمسة بشكل خاص لحركة الاحتجاج، لكن العداء الطلابي للحرب امتد إلى نطاق واسع من الناخبين الشباب ذوي الميول اليسارية الذين يعول عليهم الديمقراطيون. وقال علام إنه في ميشيغان، على سبيل المثال، هناك حوالي 80 مجموعة جامعية تشكل جزءًا من تحالف التحرير، بما في ذلك منظمات تمثل الطلاب السود واللاتينيين والآسيويين واليهود. ويرى بن رودس، الذي يشارك الآن في استضافة بودكاست شعبي يستهدف في المقام الأول الشباب الليبراليين بعنوان “أنقذوا العالم”، نفس الاتجاه. وقال “لا يقتصر الأمر على الأمريكيين العرب والمسلمين في ميشيغان، أو اليساريين في السياسة الخارجية فحسب. إنه هذا النوع من التيار السائد للجزء الشاب من التحالف الديمقراطي”.
وكما يشير مستشارو بايدن، فقد أثار الرؤساء الديمقراطيون الآخرون مؤخرًا أيضًا معارضة داخلية في الكونغرس أو في استطلاعات الرأي لبعض قراراتهم المتعلقة بالسياسة الخارجية، لكن من الصعب تحديد مثال في عهد كارتر أو كلينتون أو أوباما يجمع بين عناصر السخط الديمقراطي الثلاثة التي يواجهها بايدن الآن.
ربما كان قرار السياسة الخارجية الأكثر إثارة للجدل الذي اتخذته رئاسة كارتر، على سبيل المثال، هو دعمه لمعاهدة التنازل عن السيطرة على قناة بنما إلى بنما. وقد أدى ذلك إلى نقاش عام ساخن ومطول، ولكن الصراع دار في الأغلب ضد الجمهوريين المحافظين بقيادة رونالد ريغان: وفي النهاية، صوت ستة فقط من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ضد المعاهدة.
كانت الخلافات الرئيسية في السياسة الخارجية أثناء رئاسة كلينتون حول قراراته المؤلمة بشأن التدخل في سلسلة من الأزمات الإنسانية. وبعد أن سارت العملية العسكرية المبكرة في الصومال على نحو سيئ (في الأحداث التي صورها الكتاب والفيلم سقوط طائرة بلاك هوك)، وقف كلينتون الذي تم تأديبه جانبًا بينما تكشفت الإبادة الجماعية المروعة في رواندا في سنة 1994. كما تردد كلينتون لسنوات قبل أن يشن حملة قصف مع حلفاء الناتو في سنة 1995، والتي أسفرت في نهاية المطاف عن معاهدة السلام التي أنهت الحرب الصربية في البوسنة. وفي وقت لاحق، شن كلينتون حملة قصف أخرى لإنهاء الهجمات الصربية في كوسوفو.
ورغم أن أيًا من الحزبين لم يمارس أي ضغوط منسقة على كلينتون لحمله على التحرك في رواندا، إلا أنه واجه مطالبات من الكونغرس بالتدخل بقوة أكبر في البلقان. وقبل وقت قصير من حملة القصف سنة 1995، وافق كل من مجلسي النواب والشيوخ على تشريع يتخلى بشكل أساسي عن سياسات كلينتون في البوسنة، وصوت ما يقارب نصف الديمقراطيين في كل من المجلسين ضده، لكن هذه القضية لم تثر أي شيء قريب من النشاط الشعبي الواضح الآن فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية في غزة، وحتى في الكونغرس، أثارت هذه القضية حيرة كلا الطرفين. ويشارك العديد من الديمقراطيين من جميع الأجنحة الأيديولوجية للحزب كلينتون في الحذر.
لا يعتقد جيمس شتاينبرغ، الذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي، أن “الرأي العام الداخلي في حد ذاته قد أثر على خيارات كلينتون بشأن البلقان”. لقد كان هناك ديمقراطيون وجمهوريون على جانبي القضية بل كان بالأحرى شعور كلينتون الخاص بشأن المسؤولية، والقيادة، ودور أمريكا في عالم ما بعد الحرب الباردة.
واجه أوباما استياء متقطعًا بين بعض الديمقراطيين بشأن خياراته الرئيسية في السياسة الخارجية، بما في ذلك “زيادة” عدد إضافي من العسكريين في أفغانستان وخططه لتوجيه ضربات جوية خلال الحرب الأهلية السورية، لكن لم تولد أي من هذه المقاومة المستمرة على جميع الجبهات الثلاث التي تتحدى بايدن الآن. لم يعترض العديد من الديمقراطيين على ما كان على الأرجح تحرك أوباما الأكثر إثارة للجدل في السياسة الخارجية – المعاهدة التي توصل إليها خلال فترة ولايته الثانية للحد من برنامج الأسلحة النووية الإيراني. وفي النهاية، صوت أربعة فقط من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ضد الموافقة على الاتفاقية.
وكانت الوحدة الديمقراطية وراء الاتفاق الإيراني ملحوظة لأنها جاءت على الرغم من جهود الضغط المكثفة ضدها من قبل لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية (إيباك)، المجموعة الرائدة المؤيدة لـ”إسرائيل” في الولايات المتحدة، ونتنياهو نفسه. وفي تدخل غير عادي في السياسة الداخلية للولايات المتحدة من زعيم أجنبي، ألقى نتنياهو، الذي كان أيضًا رئيس وزراء “إسرائيل” في ذلك الوقت، خطابًا أمام الكونغرس يعارض الصفقة بدعوة من الجمهوريين في الكونغرس.
إن تاريخ نتنياهو الطويل في التحالف الوثيق مع الجمهوريين الأمريكيين والتعارض مع الرؤساء الديمقراطيين يعني أن قلة من الديمقراطيين بدأوا حرب غزة بثقة كبيرة فيه. كما أعرب العديد من الديمقراطيين عن غضبهم من جهود نتنياهو الرامية إلى إلغاء المراجعة القضائية للإجراءات الحكومية في “إسرائيل”، الأمر الذي أثار مقارنات بجهود ترامب لإضعاف ركائز الديمقراطية الأمريكية.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك مؤخرًا أن واحدا فقط من بين كل 20 ديمقراطيًا لديه انطباع إيجابي عن نتنياهو. وأصر بايدن في البداية على أن أفضل فرصة له للتأثير على سياسات “إسرائيل” هي احتضان نتنياهو بـ”عناق الدب”، ولكن بالنظر إلى كل هذا التاريخ، رأى العديد من الديمقراطيين خارج الإدارة أن هذه الاستراتيجية محكوم عليها بالفشل منذ البداية.
وقال شتاينبرغ، الذي شغل أيضًا منصب نائب وزير الخارجية في عهد أوباما وهو الآن عميد كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة: “يبدو أن النهج الأولي للإدارة يعتمد على الاعتقاد بأن أفضل طريقة للحفاظ على النفوذ مع الحكومة الإسرائيلية هو التعاطف مع أهدافها والتواجد داخل المناقشة وليس خارجها، لكن كل ما حدث خلال الأشهر الماضية يعزز وجهة النظر القائلة إن هذه الاستراتيجية، في ظل نتنياهو، لا أهمية لها”.
على مدار الأشهر القليلة الماضية، ومع تصاعد الدمار داخل غزة ورفض نتنياهو علنًا دعوات بايدن لحل الدولتين بعد القتال، كثّف الرئيس بشكل كبير انتقاداته العلنية لرئيس الوزراء الإسرائيلي. وعندما سألت المسؤول الكبير في الإدارة عما إذا كان نتنياهو قد استنفد كل ما كان يتمتع به من حسن النية عندما بدأت الحرب داخل الإدارة ومع الديمقراطيين في الكونغرس، أجاب المسؤول: “إنها قريبة للغاية”.
لكن بايدن يرفض حتى الآن مطابقة كلماته المنتقدة لنتنياهو بعواقب ملموسة. ويشير مسؤولو الإدارة إلى أن عمليات نقل الأسلحة المستمرة إلى “إسرائيل” تتم في المقام الأول بموجب صفقة أسلحة طويلة الأجل تمت الموافقة عليها خلال رئاسة أوباما. ويشيرون إلى أن تزويد “إسرائيل” بأسلحة متطورة يعزز المصالح الاستراتيجية الأمريكية في ردع إيران – وهي حجة اكتسبت أهمية بعد القصف الإيراني يوم السبت. كما أثار هجوم السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر غضبا حقيقيا عبر الطيف السياسي الأمريكي، وعزز قناعة واسعة النطاق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأن “إسرائيل” لديها ما يبرر سعيها إلى تعطيل حماس.
لكن العديد من خبراء الأمن القومي الذين تحدثت معهم قالوا إن إحجام بايدن عن الضغط بقوة أكبر ضد نتنياهو يعكس أيضًا حقيقة أن الرئيس شكل رؤيته الأساسية لـ”إسرائيل” قبل عقود من الزمن، عندما كانت البلاد مستضعفة ومحاصرة من قبل جيران أكبر، وهي لم تعد الطريقة التي يرى بها العديد من الديمقراطيين الأمة. وأخبرني جيريمي روزنر، أحد كبار مستشاري مجلس الأمن القومي في عهد كلينتون، أن “هذه قضية أجيال، وفي ذهن بايدن، فهو من جيل الكيبوتز. لا أعتقد أن الأمر كان تكتيكيًا من جانبه، أو كيفية رده، أو سياسي. أعتقد أنه كان صادقًا”.
من المرجح أن يؤدي التوتر المتزايد مع إيران إلى تأخير الحساب بين بايدن ونتنياهو بشأن غزة. لكن سيكون من الصعب على بايدن تجنب حدوث خلاف أعمق مع الحكومة الإسرائيلية بشأن الحرب. على سبيل المثال، ربما لن تتمكن الإدارة من تجنب توجيه انتقادات حادة لـ”إسرائيل” في تقرير 8 أيار/ مايو المقدم إلى الكونغرس. وقال السيناتور فان هولين إن التقرير لا يمكن أن يدعي بشكل موثوق أن “إسرائيل” قد حققت الأداء المطلوب للسماح بتوزيع المساعدات الدولية طوال فترة الحرب، حتى لو كانت تسمح الآن بدخول المزيد من الشحنات بعد محادثة هاتفية صارمة بين بايدن ونتنياهو حول مقتل عمال منظمة “وورلد سنترال كيتشن”. وأخبرني فان هولين أنه “إذا أشار أي شخص إلى أن حكومة نتنياهو قد استوفت المعايير في تسهيل المساعدات الإنسانية خلال الأشهر العديدة الماضية، فسيكون من الصعب أن يكون لديك أي ثقة في هذا الاستنتاج”.
وهناك نقطة انعطاف أكبر تلوح في الأفق فوق رفح. وقد أصر نتنياهو على أن “إسرائيل” لا تزال تخطط لعملية عسكرية واسعة النطاق في آخر مركز مدني رئيسي في غزة لم تغزه بعد، وقد حثه بايدن بدلاً من ذلك على استخدام المزيد من المهام العسكرية الموجهة ضد قيادة حماس فقط. وفي مقابلة مع قناة “إم إس إن بي سي” الشهر الماضي، وصف الهجوم الشامل على رفح بأنه “خط أحمر” لا ينبغي لـ “إسرائيل” تجاوزه. ومع ذلك، أرسل بايدن في تلك المقابلة إشارات متضاربة حول العواقب، إن وجدت، التي سيفرضها إذا تجاوز نتنياهو هذا الخط. وعلى نحو مماثل، ظل مسؤولو الإدارة غامضين بشأن العقوبات، إن وجدت، التي سيفرضونها إذا حكموا بأن “إسرائيل” فشلت في تلبية معايير الأداء المنصوص عليها في تقرير 8 أيار/ مايو.
ليس لدى بايدن خيارات سياسية بسيطة بشأن الصراع. وفي استطلاعات الرأي، يعبر واحد من كل أربعة ديمقراطيين باستمرار عن دعمه لسلوك “إسرائيل” في الحرب – فعلى سبيل المثال، قال كثيرون في الحزب تقريبًا في استطلاع كوينيبياك إنهم يؤيدون المزيد من المساعدات العسكرية لـ “إسرائيل”، وفي استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث مؤخرًا، وقالوا إنهم ينظرون إلى الحكومة الإسرائيلية بشكل إيجابي.
قد يؤدي بايدن إلى تنفير بعض هؤلاء الناخبين إذا فرض المزيد من القيود على “إسرائيل”. وقال خبير استطلاعات الرأي الديمقراطي المخضرم مارك ميلمان، رئيس المجموعة المؤيدة لـ “إسرائيل” “الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل”، لمجلة “بوليتيكو” مؤخرًا إنه إذا اتخذ بايدن موقفًا أكثر تشددًا بشأن الحرب، فإنه سيفقد الدعم ليس فقط في صفوف الناخبين الذين يدعمون الدولة اليهودية بقوة وإنما أيضًا في صفوف الآخرين الذين قد يعتبرونه ضعيفًا في تغيير مواقفه تحت الضغط السياسي.
وأي تحرك للحد من مبيعات الأسلحة لـ “إسرائيل” من شأنه أن يثير هجمات مكثفة من جانب الجمهوريين، الذين استغلوا وابل الصواريخ الإيراني للتنديد بالانتقادات الديمقراطية لإسرائيل بشأن غزة. وأصر النائب الجمهوري مايك لولر من نيويورك لشبكة سي على “دعم الحكومة الإسرائيلية”، بينما كان الهجوم جاريا. مع ذلك، فإن المخاطر السياسية التي يواجهها بايدن للبقاء على مساره الحالي واضحة أيضًا. وبالفعل، فإن أغلبية واضحة من القاعدة الديمقراطية لا توافق على سلوك “إسرائيل” في الحرب. ومن المرجح أن يتزايد عدد الناخبين الديمقراطيين والمسؤولين المنتخبين الذين ينتقدون الغزو مع استمرار الصراع، خاصة إذا استمرت “إسرائيل” في استخدام نفس التكتيكات القاسية.
وكما أخبرني المسؤول الكبير، تتوقع الإدارة أنه “إذا لم يكن هناك وقف لإطلاق النار واستمر هذا الأمر ولم يكن هناك تغيير جذري في الطرق التي يعمل بها الإسرائيليون، فإن التآكل في الدعم الديمقراطي لموقف بايدن نحو الحرب “سوف يستمر”. وحتى في صفوف الناخبين المستقلين، انخفض موقف “إسرائيل” إلى مستوى خطير. ففي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب مؤخرا، رفض المستقلون بنسبة اثنين إلى واحد العمل العسكري الإسرائيلي، وفي استطلاع أجرته شبكة “سي بي إس نيوز” بالتعاون مع يوجوف يوم الأحد، ارتفعت نسبة المستقلين الذين قالوا إنه ينبغي على الولايات المتحدة ألا ترسل أسلحة إلى “إسرائيل” بعد الآن بنسبة تقارب نسبة الديمقراطيين.
لا يزال فريق بايدن يأمل أن توافق “إسرائيل”، جزئيا بسبب لهجته الأكثر صرامة، على وقف إطلاق النار مع حماس، الذي بدوره يمكن أن يفتح الباب أمام اتفاق أوسع لتطبيع العلاقات الإسرائيلية مع المملكة العربية السعودية يتضمن خطوات نحو التفاوض على إقامة دولة فلسطينية. ويمكن أن تمحو مثل هذه الصفقة التحويلية الكثير من السخط في صفوف الديمقراطيين بشأن نهج بايدن في الحرب.
ولكن مع إبداء حماس مقاومة أكبر من تلك التي تبديها “إسرائيل” لوقف آخر لإطلاق النار، فإن مثل هذا التسلسل للأحداث يبدو بعيداً للغاية. (الخطوة غير المسبوقة المتمثلة في شن إيران هجمات من أراضيها على “إسرائيل” قد تشجع السعودية وغيرها من خصوم طهران الإقليميين على التفكير في التحالف بشكل أوثق مع “إسرائيل” والولايات المتحدة، لكن الزيادة الإجمالية في التوترات الإقليمية قد لا تؤدي إلى تسوية دبلوماسية فورية. وهذا يعني أن الاحتمال الأكثر ترجيحاً في الأسابيع المقبلة هو المزيد من القتال والمزيد من معاناة المدنيين في غزة مما يؤدي إلى تفاقم التوترات داخل الحزب الديمقراطي بشأن الحرب.
أضاف رودس: “قد يتفاقم هذا الأمر. لا أعتقد أن الناس يفكرون بشكل كامل في هذا الأمر، لأن ما حدث بالفعل يبدو متطرفًا. ولكن إذا استمر الوضع الراهن لشهرين آخرين، حيث تجري عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وتوجد قيود شديدة على دخول المساعدات، فسنشهد وضعًا أسوأ بكثير مما نحن عليه اليوم”.
إذا كانت أشهر دعم الإدارة الأمريكية لنتنياهو في حرب غزة ستكلف بايدن في نهاية المطاف الدعم السياسي في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن فشل الرئيس في الانفصال عن مستبد يميني طموح في “إسرائيل” قد يحكم على جهوده لمنع عودة حاكم يميني مستبد إلى رئاسة الولايات المتحدة بالفشل.
المصدر: الأتلانتيك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق