سلام على الشيخ الوالد الزنداني يوم وفاته، صاحب الوجه المنير
بقلم: د. عبد الرحمن بشير
وصلني اليوم خبر حزين من تركيا من أحد الإخوة اليمنيين القريبين من الشيخ عبد المجيد الزنداني رحمه الله، وأخبرني بأن الشيخ توفاه الله بعد إصابته بمرض عضال ألمّ به، وانتقل إلى الدار الآخرة، ثم جلست قليلا بعيدا عن مكتبي الكائن في منزلي، وأخذتني رجفة شديدة من الداخل، لأني كنت محبا لهذا الرجل العظيم، وموقنا بأن شخصيته غير عادية، وقد عمل الرجل للدعوة طويلا، وللأمة كثيرا، وقام بجهود أمة لوحده في اليمن وخارجها، وكنت ألاحظ فيه حبا لدين الله عميقا، رحمه الله رحمة واسعة.
أعرف أن الرجل مات، ولكن فكره لن يموت، وأيقن أنه انتقل إلى الدار الآخرة، ولكن فكرته ستبقى ما بقي الليل والنهار، وتوقف عطاؤه الشخصي، ولكن عطاؤه العلمي والفكري سيتواصلان ما بقي إنسان في الأرض، فقد كان الرجل مرتبطا بفكرة الدعوة، وعاش لأجل الدعوة، ومنح حياته للدعوة، وهو من الذين ذابوا في المشروع الإسلامي حبا وعشقا وعطاء.
مواصفات الرجل:
يعتبر الشيخ عبد المجيد الزنداني من الشخصيات المهمة في التاريخ الحديث، بل من الشخصيات المؤثرة في الجيل المعاصر، فقد بدأت حياتي الدعوية قبل عقود أربعة، وكنت صغيرا، وخائفا من مستقبل الإيمان في نفسى والجيل الذى عشت معه حيث كان الإلحاد ينتشر في الوسط الشبابي بقوة بسبب الفكر المادي المنتشر، وغياب الفكر الإسلامي المبني على الدليل والحجة، ولكن الله هدانا وثبتنا بقوة الأدلة والحجج في هذه اللحظات الخطيرة من خلال أطروحات علماء كبار منهم الشيخ عبد المجيد الزنداني رحمه الله حيث استمتعنا ببعض محاضراته القيمة في مجال الإيمان، والإعجاز، وقد ثبتنا الله على الصراط المستقيم بهذه الأشرطة وبكتبه التي تناولت في مثل هذه الموضوعات (إنه الحق) و(الإيمان) و(بينات الرسول صلى الله عليه وسلم) وغيرها، فما هي مواصفات الشيخ الزنداني رحمه الله؟
أولا: الجمع بين الدين والعلم، فقد اهتم منذ نعومة أظفاره أن يجمع بين الدين والعلم، فلا يمكن للدين أن ينتشر في زمن العلم بلا أدلة، ولا يمكن للعلم أن يكون مقبولا في العالم الإسلامي ما لم يكن مسنودا من الدين.
ثانيا: الجمع بين التدين التقليدي اليمني والتنظيم المعاصر، فالشيخ هو من مؤسسي العمل الإسلامي المعاصر في اليمن، فقد تأثر بفكر الإخوان، ومنهج حسن البنا، ثم تبناه، ولكنه أضاف إلى الفكرة النكهة اليمنية.
ثالثا: الجمع بين العمل الحركي، والفهم السلفي، فهو من التيار السلفي في الإخوان، ولهذا كان الرجل محبوبا في التيار السلفي، وخاصة في المملكة السعودية، وبوجه أخص عند كبار الشيوخ أمثال ابن باز رحمه الله.
رابعا: العمل في السياسة مع عدم الذوبان فيها، فقد كان الرجل عبقريا في التعامل مع العمل السياسي في بيئة قبلية، وكان يحسن التعامل مع قادة القبائل، وقادة الأحزاب السياسية، وقد وصل إلى القمة منها حين تم اختياره عضوا في المجلس الرئاسي بعد الوحدة، كما أصبح أكثر من مرة رئيس مجلس الشورى في حزب الإصلاح، وبقي منذ نشأته الدعوية قائدا سياسيا وفكريا.
خامسا: الجمع بين النشاط الدعوي، والعمل العام، فقد كان الشيخ عضوا فعالا في رابطة العالم الإسلامي، وترأس هيئة الإعجاز العلمي طويلا في الرابطة قبل تفسّخها، وأسلم على يديه عشرات من العلماء والفلاسفة والمفكرين، كما وضع الأسس السليمة لعلم الإعجاز حتى لا يكون مجالا للتلاعب فيه، وكان كذلك عضوا فاعلا في مجامع علماء اليمن.
سادسا: العمل في تحويل الفكرة إلى مشروع، وهذه عبقرية من عبقرياته، فقد نجح الرجل في إيجاد (جامعة الإيمان)، وهي مؤسسة تعليمية تختلف عن كل المؤسسات التعليمية في العالم بحيث تحاول إخراج العالم الرباني، والذي يجمع في داخله العلوم الشرعي والعلوم الإنسانية، وكانت تجربة رائدة، ولكنها كانت بحاجة إلى التصحيح والتصويب، ولكن التدخل الخارجي لليمن أوقفها، وخاصة من إيران والسعودية.
سابعا: العمل في العلن مع الجميع، لم يكن الشيخ يحب العمل السري، بل كان يعمل مع الجميع، ولأجل الجميع، ولكن لا ينفصل عن فكرته، ولا عن بيئته الحركية، فقد كان يتعامل مع الناس بوجهه الحركي، ويناقش القضايا الكبرى منطلقا من وجهة نظر الفكر الذى يؤمن به، ولهذا، تعامل معه الجميع باحترام.
رحم الله الشيخ الزنداني، سلام عليه يوم ولد، ويوم دعا الناس إلى دين الله، وسلام عليه يوم وفاته، ونقول له: وداعا، لقد تركت من وراءك حملا ثقيلا، وجيلا متعلما، واليمن كلها من جنوبها وشمالها، ومن وديانها وسهولها وجبالها في تعزية عامة، والأمة المسلمة تفقد اليوم أحد أسودها، ومع ذلك لا نقول إلا ما يرضي الله (إنا لله وإنا إليه راجعون).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق