المقاومة والشهادة..
ماذا تعرف عن ثورة «البشرات» وتضحيات المسلمين في الأندلس؟!
د. سليمان صالح
باحث وأكاديمي في مجال الإعلام
هل استسلم المسلمون في الأندلس للاحتلال الصليبي بعد سقوط غرناطة؟
حاول الاستعمار إخفاء الحقائق عن الأمة الإسلامية؛ لأن هذه الحقائق تزيد الوعي الذي يشكل بداية لمرحلة صعود جديدة، وسأقدم لك رواية جديدة للأحداث.
انقسم الناس في غرناطة وما حولها من القرى إلى ثلاثة أقسام؛ حيث اختار القسم الأول منهم الرحيل مع عبدالله الصغير نحو المغرب، لكن الكثير منهم مات في الطريق حسرة وكمداً ومرضاً، ولاحق الصليبيون الكثير منهم في الطريق، وسلبوا أموالهم ومتاعهم وقتلوا الكثير منهم، بينما تمكن الصغير من النجاة بأهله، حيث سمحوا له بالذهاب إلى المغرب، وعاش هناك حياة بائسة حتى مات.
أما القسم الثاني فقد صدّق بنود المعاهدة، وفضّل البقاء لكن بعد فترة قليلة تم تخييرهم بين القتل واعتناق المسيحية، وقبل الكثير منهم اعتناق المسيحية ظاهرياً؛ والاحتفاظ بإسلامهم في قلوبهم.
أما القسم الثالث فقد قرر المقاومة والاستمرار في الجهاد، وتحصنوا بالجبال وقاتلوا بهدف الحصول على الشهادة؛ فقد أدركوا أن الصليبيين سينقضون المعاهدة، وفضلوا الشهادة على التخلي عن إسلامهم، وهؤلاء يبلغ عددهم عشرات الآلاف، واستمروا في مقاومتهم لسنوات طويلة، وقدم هؤلاء قصصاً إنسانية رائعة في التمسك بالإسلام والتضحية بالنفس دفاعاً عن حقهم في الاحتفاظ بدينهم.
هناك الكثير من القصص عن بطولات إنسانية وتضحيات غالية، ونماذج تشكل إلهاماً للأجيال، فقد كانت الأمهات يشجعن أبناءهن على القتال حتى الموت؛ فلا قيمة لحياة بدون الإسلام، واستمر هؤلاء في القتال حتى تمت إبادتهم جميعاً، وعمل الصليبيون على إخفاء قصص هؤلاء وتخلصت الكنائس من الوثائق التي تصف بطولاتهم ومقاومتهم.
لكن.. ماذا تعرف عن ثورة «البشرات»؟!
أما الذين تم إجبارهم على اعتناق المسيحية، فقد اكتشفت الكنائس أنهم ما زالوا يحتفظون بإسلامهم في قلوبهم، وأنهم يحاولون تعليم أبنائهم سراً القرآن واللغة العربية، وأن بعضهم كان يهرب إلى الجبال في نهار رمضان ليصوم، أو يصلي في الليل، وهنا بدأت «محاكم التفتيش» الرهيبة التي سأقدم لك صورة مختصرة عنها، ولكن بعد أن أقدم لك بعض الحقائق عن ثورة «البشرات».
كانت البشرات منطقة جبلية وعرة تقع جنوب مدينة غرناطة، وقد عاش فيها المسلمون الذين تم إجبارهم قسراً وقهراً على اعتناق المسيحية، لكنهم كانوا حريصين على إخفاء إسلامهم، لكن الكنائس التي أصبحت تحكم الأندلس فعلياً، وتريد فرض المسيحية كانت تشك في ولائهم؛ حيث أطلقت عليهم اسم الموريسكيين، ليشير هذا الاسم إلى مأساة وجريمة تاريخية، وبدأت الكنائس تقيم «محاكم التفتيش» للتأكد من انتماء الناس للمسيحية، ونزع أي ولاء للإسلام من قلوبهم، وتم تعذيب عدد غير محدد وإعدامهم، وتشير التقديرات إلى عدد 30 ألفاً.
وأصدر الملك فيليب الثاني عام 1567م مرسوماً يقضي بمنع الحديث باللغة العربية، وعدم ارتداء الأزياء التقليدية للمسلمين، وعدم الاحتفال بالأعياد الإسلامية، أو ممارسة أي مظاهر إسلامية، وأطلق يد الكنائس التي أقامت «محاكم التفتيش» للتأكد من عدم ممارسة الموريسكيين لأي عبادات إسلامية.
الكنائس تقتل على الهوية
نتيجة تزايد الاضطهاد والقتل على الهوية والتفتيش في العقائد والضمائر، تجمع الموريسكيون في البشرات، ويقدر عددهم بالآلاف؛ حيث كانت تضاريسها الصعبة تشكل ملاذاً للثوار التي استمرت ثورتهم 3 سنوات من عام 1568 حتى عام 1571م، واختار الثوار لقيادتهم شخصاً اسمه المسيحي فرناندو، لكن تسلسل نسبه يعود إلى بني أمية، وقد أعلن أن اسمه الحقيقي محمد بن أمية، وأعلن الجهاد ضد الصليبيين، وقام الثوار بتتويجه ملكاً للمسلمين؛ عندما رفع شيخ معمر يده التي تحمل مصحفاً صغيراً أحضروه سراً من بين الرماد، وقال: لقد ولينا عليكم هذا الفتى من نسل بني أمية، فاشهدي يا جبال أن الإسلام لم يمت بعد، فهتف الجميع الله أكبر.
وأشرق الأمل في عيون الثوار، واقتربت أُم قتلوا ابنها في «محكمة التفتيش» قائلة لمحمد بن أمية: قاتل يا بني لا لأجل الأرض فقط؛ بل لأجل الفجر الذي كان يؤذن له من مئذنة مسجد أبيك.
أما أُمّ الثائر يوسف، فوضعت يدها على صدر ابنها قائلة: لا تنسَ أن تصلي قبل أن تبدأ المعركة؛ ليس خوفًا عليك، بل شوقًا أن تلقى الله طاهرًا كما ولدتُك.
وفتحت صندوقًا صغيرًا، أخرجت منه قطعة من قماش أبيض، ناولته إياها قائلة: هذا كان قطعة باقية من كفن أبيك، حين قُتل في ثورة غرناطة، اغسله بدمك، إن لم ترجع، وسأدفنه بيدي، في نفس البقعة.
وخرج يوسف، ومعه إخوانه الثوار الذين، لم يعرفوا إلا المنع والخوف والتنكيل؛ لكن في تلك الليلة حملوا سيوفهم، وخرجوا يبحثون عن فجرٍ لا يعرف التنصير.
استخدم الثوار حرب العصابات في الجبال، وحققوا الكثير من الانتصارات؛ ما أدى إلى انضمام الكثير من الموريسكيين في القرى إليهم، وتعاونوا مع العثمانيين للحصول على الأسلحة عن طريق البحر؛ ما أدى إلى زيادة القلق في كل دول أوروبا التي عادت لتجميع جيوشها وحشد قواتها، واستخدمت المدافع والنيران لحرق القرى والجبال التي يتحصن بها الثوار.
هزيمة الثورة العظيمة.. ولكن!
قام الملك فيليب الثاني باختيار أخيه غير الشقيق دون خوان النمساوي عام 1569م لقيادة الجيوش الأوروبية لقمع الثورة، الذي استخدم القوة الغاشمة لحرق الجبال والمزارع والكتب واغتصاب النساء والقيام بعملية إعدامات جماعية؛ فانهزمت شجاعة الثوار الأبطال أمام بطش القوة الغاشمة، بعد أن تمكن دون خوان من تدبير مؤامرة لاغتيال قائد الثوار محمد بن أمية الذي قاتل بشجاعة وبطولة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
شكلت هزيمة هذه الثورة العظيمة بداية مرحلة جديدة من الاضطهاد للموريسكيين، ونشطت «محاكم التفتيش»، وتزايد بطش القساوسة وسلطتهم المطلقة، فأصبح القسيس هو القاضي والجلاد يأمر بالتعذيب ويصدر الأحكام ويقوم بتنفيذها، ويمارس شهوته في الانتقام بوحشية من كل من يشك في أنه ما زال يحتفظ ببعض الأفكار الإسلامية.
لكن بالرغم من هزيمة الثورة، فإنها توضح أن المسلمين رفضوا التنصير القسري ورفضوا التخلي عن دينهم وقاوموا وصمدوا وضحوا بأنفسهم، وفضلوا الموت شهادة على أن يكونوا عبيداً لغير الله.
هذه الثورة قصة بطولة وجهاد تتضمن الكثير من النماذج الإنسانية التي تستحق أن نسجل تاريخها ونفخر بها، فقد علمتنا هذه النماذج كيف نواجه الموت النبيل الكريم الجميل.
وهكذا انتصر المسلم بيقينه وشهادته على قوة أوروبا الغاشمة، ولم يحقق الصليبيون نصراً، بل ارتكبوا جريمة تشكل عاراً على أوروبا.
وتكشف مأساة المسلمين في الأندلس كيف مارست المسيحية الاضطهاد الديني والثقافي والإبادة والتنصير القسري، وليس من حق أحد أن يلقي علينا دروساً في الإنسانية والتسامح والسلام، فالتاريخ يكشف الحقائق.
لقد قتل الصليبيون في الأندلس مئات الآلاف، وقاموا بتدمير الحضارة الإسلامية في الأندلس.
انقسم الناس في غرناطة وما حولها من القرى إلى ثلاثة أقسام؛ حيث اختار القسم الأول منهم الرحيل مع عبدالله الصغير نحو المغرب، لكن الكثير منهم مات في الطريق حسرة وكمداً ومرضاً، ولاحق الصليبيون الكثير منهم في الطريق، وسلبوا أموالهم ومتاعهم وقتلوا الكثير منهم، بينما تمكن الصغير من النجاة بأهله، حيث سمحوا له بالذهاب إلى المغرب، وعاش هناك حياة بائسة حتى مات.
أما القسم الثاني فقد صدّق بنود المعاهدة، وفضّل البقاء لكن بعد فترة قليلة تم تخييرهم بين القتل واعتناق المسيحية، وقبل الكثير منهم اعتناق المسيحية ظاهرياً؛ والاحتفاظ بإسلامهم في قلوبهم.
أما القسم الثالث فقد قرر المقاومة والاستمرار في الجهاد، وتحصنوا بالجبال وقاتلوا بهدف الحصول على الشهادة؛ فقد أدركوا أن الصليبيين سينقضون المعاهدة، وفضلوا الشهادة على التخلي عن إسلامهم، وهؤلاء يبلغ عددهم عشرات الآلاف، واستمروا في مقاومتهم لسنوات طويلة، وقدم هؤلاء قصصاً إنسانية رائعة في التمسك بالإسلام والتضحية بالنفس دفاعاً عن حقهم في الاحتفاظ بدينهم.
هناك الكثير من القصص عن بطولات إنسانية وتضحيات غالية، ونماذج تشكل إلهاماً للأجيال، فقد كانت الأمهات يشجعن أبناءهن على القتال حتى الموت؛ فلا قيمة لحياة بدون الإسلام، واستمر هؤلاء في القتال حتى تمت إبادتهم جميعاً، وعمل الصليبيون على إخفاء قصص هؤلاء وتخلصت الكنائس من الوثائق التي تصف بطولاتهم ومقاومتهم.
لكن.. ماذا تعرف عن ثورة «البشرات»؟!
أما الذين تم إجبارهم على اعتناق المسيحية، فقد اكتشفت الكنائس أنهم ما زالوا يحتفظون بإسلامهم في قلوبهم، وأنهم يحاولون تعليم أبنائهم سراً القرآن واللغة العربية، وأن بعضهم كان يهرب إلى الجبال في نهار رمضان ليصوم، أو يصلي في الليل، وهنا بدأت «محاكم التفتيش» الرهيبة التي سأقدم لك صورة مختصرة عنها، ولكن بعد أن أقدم لك بعض الحقائق عن ثورة «البشرات».
كانت البشرات منطقة جبلية وعرة تقع جنوب مدينة غرناطة، وقد عاش فيها المسلمون الذين تم إجبارهم قسراً وقهراً على اعتناق المسيحية، لكنهم كانوا حريصين على إخفاء إسلامهم، لكن الكنائس التي أصبحت تحكم الأندلس فعلياً، وتريد فرض المسيحية كانت تشك في ولائهم؛ حيث أطلقت عليهم اسم الموريسكيين، ليشير هذا الاسم إلى مأساة وجريمة تاريخية، وبدأت الكنائس تقيم «محاكم التفتيش» للتأكد من انتماء الناس للمسيحية، ونزع أي ولاء للإسلام من قلوبهم، وتم تعذيب عدد غير محدد وإعدامهم، وتشير التقديرات إلى عدد 30 ألفاً.
وأصدر الملك فيليب الثاني عام 1567م مرسوماً يقضي بمنع الحديث باللغة العربية، وعدم ارتداء الأزياء التقليدية للمسلمين، وعدم الاحتفال بالأعياد الإسلامية، أو ممارسة أي مظاهر إسلامية، وأطلق يد الكنائس التي أقامت «محاكم التفتيش» للتأكد من عدم ممارسة الموريسكيين لأي عبادات إسلامية.
الكنائس تقتل على الهوية
نتيجة تزايد الاضطهاد والقتل على الهوية والتفتيش في العقائد والضمائر، تجمع الموريسكيون في البشرات، ويقدر عددهم بالآلاف؛ حيث كانت تضاريسها الصعبة تشكل ملاذاً للثوار التي استمرت ثورتهم 3 سنوات من عام 1568 حتى عام 1571م، واختار الثوار لقيادتهم شخصاً اسمه المسيحي فرناندو، لكن تسلسل نسبه يعود إلى بني أمية، وقد أعلن أن اسمه الحقيقي محمد بن أمية، وأعلن الجهاد ضد الصليبيين، وقام الثوار بتتويجه ملكاً للمسلمين؛ عندما رفع شيخ معمر يده التي تحمل مصحفاً صغيراً أحضروه سراً من بين الرماد، وقال: لقد ولينا عليكم هذا الفتى من نسل بني أمية، فاشهدي يا جبال أن الإسلام لم يمت بعد، فهتف الجميع الله أكبر.
وأشرق الأمل في عيون الثوار، واقتربت أُم قتلوا ابنها في «محكمة التفتيش» قائلة لمحمد بن أمية: قاتل يا بني لا لأجل الأرض فقط؛ بل لأجل الفجر الذي كان يؤذن له من مئذنة مسجد أبيك.
أما أُمّ الثائر يوسف، فوضعت يدها على صدر ابنها قائلة: لا تنسَ أن تصلي قبل أن تبدأ المعركة؛ ليس خوفًا عليك، بل شوقًا أن تلقى الله طاهرًا كما ولدتُك.
وفتحت صندوقًا صغيرًا، أخرجت منه قطعة من قماش أبيض، ناولته إياها قائلة: هذا كان قطعة باقية من كفن أبيك، حين قُتل في ثورة غرناطة، اغسله بدمك، إن لم ترجع، وسأدفنه بيدي، في نفس البقعة.
وخرج يوسف، ومعه إخوانه الثوار الذين، لم يعرفوا إلا المنع والخوف والتنكيل؛ لكن في تلك الليلة حملوا سيوفهم، وخرجوا يبحثون عن فجرٍ لا يعرف التنصير.
استخدم الثوار حرب العصابات في الجبال، وحققوا الكثير من الانتصارات؛ ما أدى إلى انضمام الكثير من الموريسكيين في القرى إليهم، وتعاونوا مع العثمانيين للحصول على الأسلحة عن طريق البحر؛ ما أدى إلى زيادة القلق في كل دول أوروبا التي عادت لتجميع جيوشها وحشد قواتها، واستخدمت المدافع والنيران لحرق القرى والجبال التي يتحصن بها الثوار.
هزيمة الثورة العظيمة.. ولكن!
قام الملك فيليب الثاني باختيار أخيه غير الشقيق دون خوان النمساوي عام 1569م لقيادة الجيوش الأوروبية لقمع الثورة، الذي استخدم القوة الغاشمة لحرق الجبال والمزارع والكتب واغتصاب النساء والقيام بعملية إعدامات جماعية؛ فانهزمت شجاعة الثوار الأبطال أمام بطش القوة الغاشمة، بعد أن تمكن دون خوان من تدبير مؤامرة لاغتيال قائد الثوار محمد بن أمية الذي قاتل بشجاعة وبطولة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
شكلت هزيمة هذه الثورة العظيمة بداية مرحلة جديدة من الاضطهاد للموريسكيين، ونشطت «محاكم التفتيش»، وتزايد بطش القساوسة وسلطتهم المطلقة، فأصبح القسيس هو القاضي والجلاد يأمر بالتعذيب ويصدر الأحكام ويقوم بتنفيذها، ويمارس شهوته في الانتقام بوحشية من كل من يشك في أنه ما زال يحتفظ ببعض الأفكار الإسلامية.
لكن بالرغم من هزيمة الثورة، فإنها توضح أن المسلمين رفضوا التنصير القسري ورفضوا التخلي عن دينهم وقاوموا وصمدوا وضحوا بأنفسهم، وفضلوا الموت شهادة على أن يكونوا عبيداً لغير الله.
هذه الثورة قصة بطولة وجهاد تتضمن الكثير من النماذج الإنسانية التي تستحق أن نسجل تاريخها ونفخر بها، فقد علمتنا هذه النماذج كيف نواجه الموت النبيل الكريم الجميل.
وهكذا انتصر المسلم بيقينه وشهادته على قوة أوروبا الغاشمة، ولم يحقق الصليبيون نصراً، بل ارتكبوا جريمة تشكل عاراً على أوروبا.
وتكشف مأساة المسلمين في الأندلس كيف مارست المسيحية الاضطهاد الديني والثقافي والإبادة والتنصير القسري، وليس من حق أحد أن يلقي علينا دروساً في الإنسانية والتسامح والسلام، فالتاريخ يكشف الحقائق.
لقد قتل الصليبيون في الأندلس مئات الآلاف، وقاموا بتدمير الحضارة الإسلامية في الأندلس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق