الأربعاء، 7 مايو 2025

إيران تعزز نفوذها في إفريقيا: شراكات أمنية في قلب الاستراتيجية الجديدة

 إيران تعزز نفوذها في إفريقيا: شراكات أمنية في قلب الاستراتيجية الجديدة

بقلم وحدة الرصد والمتابعة بمركز الوعي

مقدمة

في سياق تحركاتها الجيوسياسية الهادفة إلى كسر العزلة الغربية وتوسيع نفوذها خارج نطاق الشرق الأوسط، تكثف إيران من انخراطها في القارة الإفريقية، معتمدة على شراكات أمنية واستراتيجية متزايدة مع عدد من الدول الإفريقية.


وبينما كانت العلاقات الإيرانية الإفريقية في السابق تتمحور حول التعاون الاقتصادي والديني، فإن البعد الأمني والعسكري بات محورًا متناميًا في علاقات طهران بالقارة، خاصة مع الأنظمة التي تبحث عن حلفاء جدد خارج الدوائر الغربية التقليدية.

ووفق مراقبين، فإن إيران تراهن على إفريقيا كجبهة استراتيجية لتعزيز موقعها في النظام الدولي، من خلال:

توقيع اتفاقيات تعاون أمني وتدريب عسكري مع عدد من الدول.

توسيع شبكة نفوذها الدبلوماسي والديني عبر دعم مؤسسات ومراكز ثقافية.

استغلال الفجوة الأمنية والتقنية في بعض البلدان لتقديم الدعم والخبرة الإيرانية مقابل موطئ قدم جيوسياسي.

هذه التحركات تثير قلق خصوم طهران التقليديين، لا سيما إسرائيل والولايات المتحدة، في ظل تصاعد التنافس الدولي على النفوذ في إفريقيا، التي باتت ميدانًا مفتوحًا لقوى كبرى وصاعدة على حد سواء.

وفق السياق السابق فقد استضافت طهران وأصفهان القمة الثالثة للتعاون الاقتصادي الإيراني الأفريقي في الفترة من 27 أبريل/نيسان إلى 1 مايو/أيار 2025. وحضر القمة أكثر من 50 مسؤولاً وزاريًا، و700 رجل أعمال من 38 دولة إفريقية، رفقة كبار المسؤولين السياسيين الإيرانيين، بمن فيهم الرئيس مسعود بزشكيان. كما التقى وزير الدفاع الإيراني، العميد عزيز ناصر زاده، وزير دفاع “زمبابوي، أوباه موتشينغوري كاشيري، في طهران.

ويمكن فهم تلك التحركات في ظل الضغوط الغربية المتزايدة والعقوبات الاقتصادية الخانقة، في سياق سعى الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى توسيع نفوذها خارج نطاق الشرق الأوسط، بحثًا عن شركاء جدد وموطئ قدم في مناطق لم تُستثمر بعد بالكامل. وتأتي القارة الإفريقية في صميم هذه الاستراتيجية الجديدة، التي تستند إلى مزيج من التعاون الأمني والعسكري، والدعم الديني، والانخراط الاقتصادي المحدود.

تحرص طهران على توسيع نطاق حضورها خارج جوارها الإقليمي المليء بالصراعات، وذلك بهدف تجاوز ضغوط الحصار الأمريكي والعقوبات الغربية، وفتح مجال للاستثمار والتعاون المشترك بالأخص في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات والتعدين والطاقة. 

وقد دعت القمة لزيادة حجم التبادل التجاري لإيران مع أفريقيا من 1.2 مليار دولار حاليا إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.

تمثل أفريقيا ساحة رخوة تتيح الاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة، كما أنها تمثل أسواقًا أقل رقابة من قبل الغرب تصلح لتطوير إيران شبكات اقتصادية خلفية لتمويل أنشطة إيران الأمنية في المنطقة، فضلًا عن توافر فرص بفتح أسواقها لمبيعات الأسلحة الإيرانية، وامتلاك طهران لقدرات عسكرية وأمنية يمكن أن تساعد بها الدول الإفريقية التي تعاني من الهشاشة وكثرة حركات التمرد، وذلك بالتزامن مع تصاعد حالة النفور في إفريقيا تجاه الدول الغربية.

يحظى السودان والقرن الأفريقي بأهمية لدى طهران، نظرًا لموقع المنطقة الاستراتيجي، وقربه من اليمن، وكذلك من خطوط التهريب إلى غزة وربما إلى لبنان بعد خسارة سوريا، كما تحرص طهران على عرض خدماتها في مجالات التدريب والتأهيل والتسليح على دول الساحل والصحراء القريبة من موسكو حاليًا، مثل مالي وبوركينا فاسو، والتي توجد فيها مجتمعات مسلمة تشكل الأغلبية في الأولى، ونسبة كبيرة من السكان في الثانية.

 أما زيمبابوي فتشترك مع إيران في توتر علاقاتهما مع الدول الغربية، وتعرضهما لعقوبات أمريكية وأوروبية، فضلًا عن تقاربهما مع روسيا والصين. وتهدف زيارة وزير دفاع “زيمبابوي” لبحث سبل تبادل الخبرات التقنية والعسكرية ودعم جهود “زيمبابوي” في مكافحة “الإرهاب”، وسبل الالتفاف على العقوبات الغربية، فضلًا عن التجهيز لزيارة رئيس “زيمبابوي” قريبًا إلى إيران.

ما الذي ستجنيه طهران من هذه الاستراتيجية 

أولاً: البعد الجيوسياسي للانفتاح الإيراني، تنظر طهران إلى إفريقيا كقارة واعدة استراتيجيًا لعدة أسباب:

غياب النفوذ الحصري لقوة واحدة، ما يتيح تعددية في الشراكات.

تنامي الطلب على الدعم الأمني والعسكري في عدد من الدول التي تواجه حركات تمرد أو تهديدات إرهابية.

حاجة بعض الأنظمة إلى تنويع شركائها في ظل تراجع الالتزام الغربي أو الغموض في المواقف الدولية.

ثانيًا: الشراكة الأمنية في قلب التحرك الإيراني

خلال السنوات الأخيرة، زادت إيران من توقيع اتفاقيات تعاون أمني مع بعض البلدان الإفريقية، تركز على:

تدريب القوات الأمنية وتبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب.

تقديم معدات وتقنيات مراقبة منخفضة التكلفة.

دعم استخباراتي في بعض الملفات مقابل توسيع الحضور الدبلوماسي الإيراني.

وفي هذا السياق، تُتهم إيران أحيانًا باستخدام هذه الشراكات لخلق قنوات نفوذ غير تقليدية، تشمل دعم مجموعات محلية أو استغلال الفجوات الأمنية لتوسيع تأثيرها.

ثالثًا: البعد الديني والثقافي كأداة ناعمة

لا تغيب الأداة الدينية عن استراتيجية طهران، حيث تدعم إنشاء مراكز ثقافية شيعية، وتقدم منحًا دراسية، وتُعزز من الحضور الدعوي في بعض المناطق ذات الأغلبية المسلمة. وتخشى بعض الدول من أن يكون هذا الحضور واجهة للتدخل السياسي أو المجتمعي، على غرار النموذج الذي اتبعته إيران في مناطق أخرى من العالم.

رابعًا: التحديات وردود الفعل الدولية

توسّع النفوذ الإيراني في إفريقيا لم يمر دون إثارة القلق:

إسرائيل تعتبر هذا التمدد تهديدًا مباشرًا لأمنها، خاصةً في دول قريبة من البحر الأحمر.

الولايات المتحدة وفرنسا تراقبان التحركات الإيرانية، خاصةً في مناطق حساسة مثل الساحل وغرب إفريقيا.

الدول الخليجية تسعى لمواجهة النفوذ الإيراني عبر مشاريع تنموية وضغوط سياسية موازية.

خامسًا: الواقع وحدود التأثير

رغم الطموحات، ما تزال قدرة إيران محدودة بفعل:

الضغوط الاقتصادية الداخلية والعقوبات الدولية.

محدودية الموارد مقارنةً بالقوى الكبرى المنافسة.

ضعف الاستجابة الشعبية في بعض الدول الإفريقية التي تنظر بتحفظ للتدخلات الخارجية ذات الطابع الديني أو الأيديولوجي.

خاتمة

تشير المعطيات إلى أن الوجود الإيراني في إفريقيا في تصاعد، ويأخذ منحى استراتيجيًا واضحًا، يتمحور حول كسر العزلة الخارجية، وتوسيع قنوات النفوذ، وبناء تحالفات جديدة في عالم متعدد الأقطاب. ومع تصاعد التنافس الجيوسياسي الدولي على القارة، ستبقى إفريقيا ساحة مفتوحة أمام تحركات طهران، ولكنها أيضًا اختبار لقدرتها على المناورة السياسية دون إثارة مقاومة شعبية أو ردود فعل دولية حادة.

وفي المحصلة، يمثل نجاح انعقاد القمة الثالثة للتعاون الاقتصادي الإيراني الأفريقي بمشاركة واسعة من ممثلين عن عشرات الدول خطوة ناجحة في مسار كسر عزلة إيران الدولية عبر تعميق تعاونها مع دول الجنوب العالمي، وتضاف إلى جهود طهران بعضوية تحالف “البريكس”، ومنظمة “شنغهاي” للتعاون.

المصدر:مركز الوعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق