الملف الأسود لـ"عبد المجيد محمود": إخفاء 15 ألف بلاغ وإهدار 700 مليار جنيه
كتب: محمد رجب
أثار الحكم الأخير بعودة عبد المجيد محمود إلى منصبه نائبا عاما، كثيرا من اللغط، وهلل البعض للحكم متناسين ما اقترفه تجاه الثورة والثوار باعتباره الراعى الرسمى لمهرجان البراءة للجميع والنائب العام الذى أخفى أكثر من 15 ألف بلاغ ضد الفساد والمفسدين وقتلة الثوار؛ أبرزها بلاغ ممدوح حمزة وعاصم عبد المعطى سليمان الذى حمل رقم 6308 فى 13 أبريل عام 2011 ضد جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات الأسبق بتهمة التستر على الفساد وعدم الكشف عن وقائع بالغة الخطورة تتعلق بصحة المواطنين.
وشمل البلاغ الرئيس المخلوع، وأحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، ورشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة السابق بصفته رئيس الهيئة العامة للصادرات والواردات ورئيس هيئة السلع التموينية، بتهمة تعريض حياة المواطنين لمخاطر الإصابة بأمراض السرطان والفشل الكلوى، وإهدار 700 مليون جنيه قيمة استيراد قمح مسرطن من عام 2007 حتى 2010، وهو ما أكدته العديد من استجوابات نواب مجلس الشعب ممن طالبوا بوقف استيراد قمح فاسد؛ ما دفع فتحى سرور رئيس مجلس شعب المخلوع إلى تقديم طلب عاجل إلى جودت الملط للرد على تلك الاستجوابات، فالقى الملط خطابا بمجلس الشعب فى 16 ديسمبر 2008 أكد أن تقارير جهازه لم تثبت دخول قمح فاسد فى البلاد، إلا أنه عاد ليناقض نفسه تحت ضغط شرفاء فى الجهاز المركزى للمحاسبات وبعض النشطاء فقدم بعد قيام الثورة بـ3 شهور تقرير الجهاز المركزى الذى يتهم رشيد محمد رشيد بتهمة استيراد قمح فاسد من 2008 حتى 2010 بأسعار تزيد عن الأسعار العالمية بـ97 مليون جنيه؛ فلماذا ضلل الشعب ثم عاد وأظهر الحقائق؟!
وبدأت الوقعة بخطاب ورد إلى الملط من مجلس الشعب فى 13 أبريل عام 2004 بناء على استجواب أحد النواب حول جريمة استيلاء أحمد عز على مصنع حديد الدخيلة وتغيير اسمه إلى «عز الدخيلة» بطريقة غير مشروعة دون أن يدفع مليما من ماله الخاص ثمنا للأسهم التى استحوذ عليها فى مصنع تملكه الدولة؛ إذ شكّل الملط لجنة لبحث هذا الموضوع فى 25 أبريل 2004 انتهت إلى عدم مشروعية استحواذ عز على شركة حديد الدخيلة. وكشفت اللجنة احتكار عز سوق الحديد، إلا أن الملط طلب من اللجنة عدم فحص مستندات أعوام 1999 و2000 وتحديد فترة الدراسة من عام 2001 حتى 2004؛ بهدف الابتعاد عن الفترة الزمنية التى استحوذ فيها عز على مصنع الدخيلة بطريقة ملتوية، إلا أن اللجنة عقب إصدارها تقريرها، طالب الملط من أعضائها التوقيع على تقرير معدل يعفى عز مما نُسب إليه من تهم؛ ما دفع الدكتور عبد الرحمن الذهبى وكيل الجهاز لشئون مجلس الشعب إلى رفض التوقيع على التقرير المعد لمجاملة عز، فنقله الملط إلى الإدارة المركزية للرقابة المالية على القطاع العام، وظل تقرير الذهبى حبيس أدراج الملط ولم يقدمه إلى النيابة إلا فى 22 مارس عام 2011 عقب ثورة يناير، عدا تستره على جرائم الوزير الهارب يوسف بطرس غالى؛ إذ تعمد إخفاء التقارير التى تدينه ولم يقدمها إلى النيابة إلا بعد هروبه بأسبوعين، فضلا عن مماطلته فى تقديم مخالفات أحمد شفيق وسامح فهمى حتى بعد إقالة حكومة شفيق بيومين فضلا عن إصداره تعليمات لمفتشى الجهاز بعدم فحص مستندات الصناديق الخاصة بالوزارات والمحافظات التى تتجاوز مواردها السنوية 100 مليار جنيه، وتُهدَر دون رقيب ولا حسيب فضلا عن تجميده إجراءات الرقابة على موازنة رئاسة الجمهورية التى تقدر بـ40 مليار جنيه سنويا، وهو ما كشفه خطاب رئيس قطاع المكتب الفنى برقم 88 الصادر فى 15 مارس 2010 إلى رئيس قطاع الرقابة على شئون العاملين بوحدات الجهاز الإدارى للدولة، ردا على خطاب الأخير رقم 150 الصادر فى 8 مارس 2010 بشأن الإفادة عن الجهات المرجأ فحصها من قبل الإدارة المركزية، وهى رئاسة الجمهورية، والرقابة الإدارية، ورئاسة مجلس الوزراء؛ إذ أكد رئيس قطاع المكتب الفنى للملط أن تعليماته أرجأت فحص التصرفات المالية لتلك الجهات باعتبارها محمية من الرقابة بالمخالفة للقانون. ومن الملط إلى النائب المعزول عبد المجيد محمود الراعى الرسمى للفساد بمصر، الذى اتهمه أعضاء حركة «رقابيون ضد الفساد» بالجهاز المركزى للمحاسبات بالتستر على قضايا فساد رموز النظام السابق والتغاضى عن التحقيق فى البلاغات المقدمة ضدهم بعد الثورة، رغم مئات التقارير الرقابية التى تسلمها من الجهاز، وهو ما أكده أحمد هاشم عضو الحركة، مؤكدا أن عبد المجيد محمود تلقى مئات البلاغات والتقارير ولم يحقق فيها، بل حفظها، وكان أهمها تقارير تؤكد إهدار أحمد شفيق 6 مليارات جنيه بمطار القاهرة خلال فترة توليه وزارة الطيران المدنى، فضلا عن تستره على رجال أعمال النظام السابق ممن استولوا على أراضى الدولة بقيمة بلغت 200 مليار جنيه، وعدم تحقيقه فى تقارير خصخصة 326 شركة قطاع عام بـ51 مليار جنيه، رغم أن قيمتها لا تقل عن 500 مليار جنيه؛ ما دفع أعضاء مبادرة «نداء الضمير» إلى تحريك دعوى قضائية برقم 43420 لسنة 66 قضائية ضد عبد المجيد محمود وأحمد شفيق لوقف تنفيذ قراره الامتناع عن الإفصاح فيما تم فى 38 بلاغا تدين أحمد شفيق فى قضايا فساد مالى وإدارى، فضلا عن البلاغ المقدم من محمود عيد يوسف حسان رئيس مجلس إدارة دار الشعب للنشر برقم 24340 لسنة 2012 إلى المجلس الأعلى للقضاء ضد عبد المجيد محمود؛ لرفضه التحقيق فى 18 بلاغ فساد وإهدار مال عام بلغ 550 مليون جنيه أُهدرَت فى نادى خبراء العدل وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بالإضافة إلى رفضه التحقيق فى إهدار إدارة البنك العقارى المصرى 480 مليون جنيه أكدها تقرير الرقابة الإدارية الذى كشف أن عبد المجيد محمود فور علمه بمخالفات البنك العقارى، لم يباشر التحقيق فى تقرير الرقابة الإدارية وأحال الموضوع إلى محافظ البنك المركزى لحفظه رغم ضخامة المخالفات التى كشفها تقرير الرقابة الإدارية التى تتمثل فى بيع أراض وعقارات يملكها للبنك لشركة جرين لاند للتطوير العقارى بالمخالفة للقانون؛ إذ أرسى البنك 126 قطعة أرض فضاء للشركة بمبلغ 205 ملايين جنيه عقب تأسيس الشركة بـ5 أيام ثم منحها قرضا قيمته 185 مليون جنيه بعد 24 ساعة من مزاد ترسية الأرض عليهاـ رغم عدم وجود رهن عقارى يضمن مديونية العميل لدى البنك، وعدم وجود سابقة أعمال لتلك الشركة، فضلا عن تعثر أحد ملاك الشركة -وهو عز الدين البنان- وتأخره فى سداد 500 ألف جنيه مستحقة عليه للبنك. ورصد التقرير أنه رغم تعثر الشركة فى سداد القسط الأول المستحق عليها بقيمة 10 ملايين و600 ألف جنيه فى 31 مارس 2010، فإن البنك منح الشركة قرضا آخر بـ30 مليون جنيه فى 15 مايو 2010، فضلا عن مخالفة البنك القانون فى التسوية الخاصة بشركة «المهندسون للتنمية والاستثمار العقارى» التى بلغت 120 مليون جنيه؛ إذ أعفى العميل من 60 مليونا دون سبب واضح، وحصل البنك على عقارات بـ60 مليون جنيه.
ورغم كل هذا الفساد، فإن عبد المجيد محمود رفض التحقيق فيه، وأحال الموضوع إلى محافظ البنك المركزى، غير مهتم بإهدار المال العام الذى لم يقتصر فساده على التستر عليه وعلى من أهدروه، بل امتد إلى إهدار حقوق الثوار وتستره على القتلة، وهو ما كشفه البلاغ رقم 1240 لسنة 2011 عرائض النائب العام المقدم من وحدة الدعم القانونى بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، نيابة عن جبهة الدفاع عن متظاهرى مصر، ضد كل من وزير الداخلية بصفته، ومدير أمن القاهرة، ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة، وآخرين؛ للتحقيق فى أحداث 25 يناير بخصوص فض الاعتصام السلمى للثوار بالقوة، واحتجاز البعض دون سند قانونى بمعسكرى الأمن المركزى.
وطالب مقدمو البلاغ أثناء لقائهم عبد المجيد محمود، بضرورة انتقال النيابة العامة إلى معسكرى الأمن المركزى للتحقيق فى بلاغهم، إلا أنه رفض وأحال البلاغ إلى حبيب العادلى للتحقيق وحفظه، فضلا عن حفظه بلاغ الشبكة العربية رقم 218 لسنة 2011 فى 9 فبراير عام 2011 ضد أنس الفقى وزير الإعلام الأسبق، وأسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ورفضه التحقيق فيما أذيع على قنوات التلفزيون المصرى من عبارات تحرّض على العنف ضد الثوار ووصفهم بالخيانة والعمالة لدول أجنبية، فضلا عن رفضه التحقيق فى البلاغ رقم 2193 بتاريخ 23 فبراير 2011 ضد شركات المحمول الثلاث بتهمة الاشتراك فى قتل الثوار، بقطعها خدمة الاتصال والإنترنت؛ ما حرم المصابين من الحصول على الرعاية الصحية والاتصال بالإسعاف، فضلا عن تحويله اللواء حسين سعيد محمد المسئول عن الأسطوانة المدمجة الخاصة بهواتف غرفة عمليات رئاسة قوات الأمن المركزى المسئولة عن قتل المتظاهرين يوم جمعة الغضب؛ من متهم طبقا لقرار الإحالة الصادر فى 23 مارس 2011 فى القضية 1227 لسنة 2011 جنايات قصر النيل، إلى شاهد إثبات؛ بهدف إخفاء المسئول عن إصدار الأمر بقتل الثوار.
مخالفات عبد المجيد محمود لم تقتصر على هذا الحد، بل امتدت إلى تعمده حفظ بلاغات أهالى الشهداء ضد بعض ضباط الشرطة المتهمين؛ إذ حفظ بلاغ والد الشهيد محمد سيد عبد اللطيف رقم 183 سنة 2011 عرائض شمال الجيزة الكلية، والبلاغ رقم 184 باسم صالح محمد والد الشهيد إسلام محمد، والبلاغ رقم 185 لسنة 2011 باسم جلال فيصل شقيق الشهيد ناصر فيصل. وهى بلاغات طالبته بإصدار قرار إيقاف ضباط الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين عن العمل حتى انتهاء التحقيقات فى البلاغات المقدمة ضدهم، بهدف عدم تمكينهم من استخدام السلطات الممنوحة لرجال الشرطة فى التأثير فى الأدلة وسير التحقيقات، إلا أنه لم يتحرك لحماية أسر الشهداء من تهديدات الضباط لهم. تاريخ عبد المجيد محمود الإجرامى لم يقتصر على التستر على جرائم الفساد فيما بعد الثورة، بل امتد إلى ما قبل الثورة؛ إذ رصدت العديد من المراكز الحقوقية تقاعسه عن التحقيق فى بلاغاتهم ضد وزير الداخلية وضباطه، بل إنه هو الذى أمر بحبس المتظاهرين فى 7 يناير 2008 على خلفية أحداث المحلة، وأمر بحبس وتلفيق تهم لأهالى المحلة، فضلا عن تخاذله فى التحقيق فى قضايا هامة هزت الرأى العام، كقضية العبّارة الشهيرة التى راح ضحيتها 1200 شهيد، وقضية أكياس الدم الملوث. كل تلك الجرائم تستوجب تقديم عبد المجيد محمود وجودت الملط إلى العدالة من جراء ما اقترفوه من جرائم حيال الشعب المصرى. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق