د.سلمان العودة
لم تعد مجرد نكتة أو إشاعة أو انطباع خاص بل أصبحت معلومة توصل إليها الباحث الألماني( راينر شتولمان) عبر دراسة علي شعوب العالم وخلص إلي أن الشعوب الأفريقية والشعب المصري خاصة هم الأكثر ميلا للضحك, وهم يرددون: اضحك تضحك الدنيا معك.. ابك تبك وحدك!
الفن الساخر والنكتة والمقالات التي تؤدي بأصحابها إلي السجن, وقد سجن محمود السعدني بسبب مقالاته الساخرة, وطلب عبدالناصر عقب النكسة أن يتوقف المصريون عن التنكيت علي القوات المسلحة, حتي الإنسان البسيط تبدو عليه ملامح الشقاء والكدح ولا تفارقه ابتسامته الساحرة الساخرة يواجه بها صعوبات العيش..يعملون في النهار أو يتظاهرون أو يحتجون ولا يفرطون بجلسة مسائية مسترخية علي شاي أو وجبة والنكتة سيدة الموقف مهما احتدم النزاع!
(عبث الأقدار) رواية قديمة لنجيب محفوظ آثر هو تغيير عنوانها بعد إلي( الأقدار) لملاحظة أن الصنيع الإلهي ليس عبثا, والضحكة المصرية لا تنم عن عبث بل عن إيمان بأن النهايات مختلفة عما يبدو لنا, فهي سخرية العارف البصير( فإنا نسخر منكم كما تسخرون.. فسوف تعلمون..)
المصري عاطفي يضحك إلي حد البكاء ويبكي إلي حد الضحك, ولكنه لا يستسلم ولايسمح للبؤس أن يطبع شخصيته, وقد قال النبي يوسف في مصر لأخيه:( إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون), والإعجاز في البساطة وترك التكلف والبسطاء يؤثرون علي المدي البعيد في مجري الأحداث ويغيرون أكثر مما يفعل المشغولون بتحليل الأحداث في أبراجهم العاجية, وتحولات الربيع العربي كانت شرارتها علي يد البسطاء الذين لا يتقنون الحسابات!
الضحك لا يعني عدم الجدية; لكنه يحدث لأجل الشعور بالتحسن ولو مؤقتا أو للتعبير عن الرأي أو لدفع الهم أو لتجاوز الواقع المعيش وإعطاء الزمن حقه, فالتغيير ليس أمنية تجول في النفس ثم تتحول في غمضة عين إلي واقع, وأحلام التغيير تختلف بين فرد وآخر لحد التناقض مما يجعل التغيير الذي يرسمه أحدهم نقيض ما يحلم به سواه, ولذا يعبر المصري عن هذه الروح في مواجهة الأزمات بقوله( لحد ما ربنا يفرجها) ويبرز هذا في فيلم أنتجته قناة الجزيرة( لماذا يضحك المصريون؟) والذي تجد فيه أن94% من المصريين يشعرون بالسعادة, ولعل الأدق أن هذه النسبة تعبر عن شعورها بالسعادة.. وهو رائع أن تتجاوز معاناتك ولا تسمح بتحولها من أزمة خارجية إلي أزمة نفسية داخلية. ويتزايد معدل البطالة وتسمع النكتة, وتتفاقم أزمة الاقتصاد ويعبر الناس بالسخرية, وترتفع نسبة الأمية ويستمر الضحك, ويمتد الفقر إلي القطر من المنوفية إلي الدقهلية والشرقية والقليوبية والإسماعيلية وسوهاج وقد تجد الفقير متكيفا مرتاح النفس أكثر من الملياردير.
تخيم أزمة الوقود والغاز, وتزداد المخاوف من استرخاء أمني, ويعزز ذلك كله الانفجار السكاني ويظل المصريون( أبناء نكتة)!
ليس غريبا أن عزل المواطن عن التفكير في قضاياه المصيرية وشغله بلقمة العيش وجعله في خيار حاسم بين الحرية والأمن.. ولد حالة من عدم المبالاة, ولكن روح الإيمان تمنع من اليأس وفي قصة يوسف( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
وبعد تجربة حياتية صغيرة آمنت أن التوكل علي الله هو أن أتفاني في الحصول علي ما أقتنع بأهميته وجدواه لشخصي أو لفريقي أو لوطني..
يحدث معي هذا كلما هممت بأمر ولو كان صغيرا, ثم أتقبل أن أجد نفسي محروما مماحاولته وسهرت من أجله وتعلقت به نفسي, وأؤمن حينها أن خيار الله لي خير وأفضلت فلا أكف عن المحاولة وطرق الأبواب المشرعة, ولن يحدث هذا ما لم أعش بنفسية هادية راضية عفوية تأخذ الأمور بجدية وتتكيف مع الأقدار وتعيش بساطتها وفطريتها, وكثيرا ما يردد شيوخ الصوفية في مصر:
لا تدبر لك امرا فأولو التدبير هلكي
سلم الأمر تجدنا نحن أولي بك منكا!
( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).
twitter.com/salman_alodah
facebook.com/SalmanAlodah
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق