القفاز الحريرى لمرسى
فراج إسماعيل
التحبيط والتيئيس والتنفير من المستقبل بتلطيخه بالرؤى السوداء، هو الطريق الذي أوصل أنصار نظام مبارك إلى لحظة الجهر بموالاته بعد أن كانوا يدارون أنفسهم طوال العامين الماضيين، منهم من ركب تيار الثورة ونافق الثوار واعتصم معهم في ميدان التحرير انتظارا للحظة الانقضاض التي ظنوا أنها حانت بحكم اخلاء سبيل الرئيس المخلوع حسني مبارك.
التنفير كلمة السر التي لم يكتشفها البعض، بل سار كثيرون في ركابها، باكيا على اليوم وخائفا من الغد ومولولا على الماضي، ناسيا أن مبارك وأسرته ونظامه هم من أفسدوا في الأرض ونهبوا الخيرات ولم يتركوا للشعب إلا فتات يبكي عليه المنفرون الآن.. يبكون على صناديق قمامة أحمد عز التي أفتخر بها ذات يوم في مجلس الشعب واعتبرها برهانا على الرفاهية.
التنفير مضى جنبا إلى جنب مع محاولة استدعاء العسكر للقيام بانقلاب عسكري يعيد الأوضاع إلى سابقها، وكانت أعلى أمانيهم تحقيق الفصل بين رئيس الجمهورية بوصفه قائدا أعلى للقوات المسلحة وبين قيادات تلك القوات من أول وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي الذي نشطوا في حملة مجنونة وغبية لتحرير التوكيلات له.
كلها خطوات عملت لصالح عودة نظام مبارك. فخ ناعم مسكون بالشيطان.. لكن مرسي ووزير دفاعه السيسي من الذكاء بحيث لم يقعا فيه، ومضى الاثنان في مهمة تحديث الجيش الذي حوله مبارك إلى انتاج الخبز وتمهيد الطرق وتشغيل صالات الأفراح وتأسيس فرق كرة قدم تحمله اسمه، وأحيانا تشجيع المنتخب الوطني!
مرسي أول رئيس مدني من خارج الجيش لكنه فهم أكثر من مبارك الخارج من رحم العسكرية وقائد القوات الجوية في حرب أكتوبر، أن قوة دولة إقليمية كبرى في حجم مصر تنبع من قوة جيشها وتحديثه وتدريبه المستمر، وليس إقامة منافذ توزيع الخبز عندما يتأزم انتاجه.
نجح مرسي في شراء أسلحة جديدة من الصين وطائرات تجسس حديثة وغواصات، وكذلك شراء أسلحة وطائرات بدون طيار من تركيا، وهذه خطوة مهمة في مجال تنويع مصادر التسليح سيكون لها عظيم الأثر مستقبلا.
وتمكن مرسي من ابرام اتفاقيات لشراء غواصات من المانيا وطائرات من فرنسا، إضافة إلى المضي في شراء السلاح الأمريكي من المعونة العسكرية، إلا أنها هذه المرة اختيارات ممتازة بشروط مصرية وبأسعار حقيقية، كشراء صفقة صواريخ متطورة جدا، وطارات إف 16 متطورة، وإعادة تشغيل المصانع الحربية المحلية، والحصول على حق تصنيع الدبابات الأمريكية "أبرامز" بتصنيع مصري 100%.
زاد الاهتمام بالتدريبات ونوعيتها لرفع الكفاءة القتالية والبدنية، واحكام السيطرة العسكرية على سيناء للدرجة التي أتاحت للجيش لأول مرة القيام بعملية هدم الأنفاق مع غزة بوسائل حديثة ومؤثرة، ولأول مرة منذ اتفاقية كامب ديفيد يتم ادخال المعدات العسكرية الثقيلة بإرادة مصرية كاملة بدون استذان أو تشاور مع اسرائيل وواشنطن.
انجازات في المجالات الأخرى قد لا ينتبه إليها البعض أو يعمل المنفرون على طمسها، ففي عهد مرسي تم الافراج عن 700 سجين مصري في السجون السعودية بعد مشاورات بينه وبين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبالنسبة للأردن تم وقف الحملات الأمنية وتسفير العمالة المصرية المخالفة بعد اتصاله بالعاهل الأردني الملك عبدالله.
كان لمصر دور كبير في وقف العدوان على غزة ونال الرئيس مرسي شهادة عالمية بحسن إدارته للأزمة، كما ظهرت القاهرة كطرف فاعل في القضية السورية ودعمها في المحافل الدولية.
في المجال الأمني ورغم الترهل الظاهر نتيجة اشاعة المنفرين للفوضى، قامت وزارة الداخلية بحملات أمنية مكثفة للقضاء على البؤر الإجرامية، كما حدث في بحيرة المنزلة.
الافراج عن كل من تم اعتقاله أثناء وبعد ثورة 25 يناير ومنهم ضباط في الجيش، ثم مواجهة المحكمة الدستورية العليا وافساد محاولتها للالتفاف على إرادة الشعب وافساد صوته الانتخابي، بتحصين الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى وتغيير النائب العام السابق واقرار دستور جديد.
بقفاز حريري تمكن مرسي من فرض نفسه كرئيس لا ينازعه أحد سلطاته الدستورية في وقت روج فيه إعلام المنفرين لفكرة الرئيسين باظهار المشير طنطاوي كرئيس ثان، كما حدث عند تقسيم شاشة التلفزيون الرسمي لصلاة الجمعة بين كل من مرسي في مسجد وطنطاوي في مسجد آخر، فقد أقاله ورئيس أركانه الفريق عنان، وأخرج الجيش من اللعبة السياسية بدون قطرة دم واحدة بعد انهماكه فيها 60 عاما.
إطلاق عملية واسعة لتطهير مؤسسات الدولة من الفساد المستشري، ومن نتائجها إقالة عدد من قيادات الحزب الوطني المنحل مثل رئيس الرقابة الإدارية، ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، ورئيس الجهاز لمركزي للتنظيم والإدارة، ومدير أمن القاهرة، ورئيس الحرس الجمهوري.
إنه القفاز الحريري الذي يتحرك بدون ضجيج لكنه يسفر عن ضربات موجعة للنظام القديم وإعلامه التنفيري.
farrag.ismail@yaho.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق