مصر في معركة استكمال أهداف الثورة
بوسع البعض أن يستدعي قصصًا كثيرًا تؤكد قناعته المسبقة، بل ربما مواقفه المسبقة حيال ما يجري في مصر على وجه التحديد، وبوسعه أن يرى المشهد من الزاوية التي يحب، وبوسعه أن يُنكر ما تتعرض له مصر من مؤامرة لإجهاض ثورتها، سواء أكان من محسوبين على تلك الثورة يتعاملون معها كغنيمة حرب يريدون حصتهم منها -وليس كثورةِ حريةٍ وتعددية- أم من جهات خارجية لا تريد لمصر أن تتماسك وتعود إلى دورها وحضورها، أم من أنظمة عربية لا تريد للربيع العربي برمته أن ينجح خوفًا من امتداده إليها. ولا تسأل هنا عن الفلول وما يُعرف بالدولة العميقة بكل تجلياتها، تلك التي تدافع عن مكاسبها بكل ما أُوتيت من قوة، ولا تريد للوضع الجديد أن يصادِر تلك المكاسب، بل ولا حتى أن يمسَّها بهذا القدر أو ذاك.
يمكن لكل واحد أن يُنظِّر على الإخوان، وأن يعدد أخطاءهم في إدارة الوضع الجديد -وهي موجودة دون شك- لكن الحقيقة الكبيرة، بل الكبيرة جدًّا التي ينساها هؤلاء وأولئك؛ هي أنهم يتحدثون عن ثورة، وليس عن انقلاب عسكري؛ فهذه ليست الثورة الروسية، حيث سعى طرف بعينه إلى مصادرة الثورة ونصب المشانق، وإنتاج نظام شمولي أو أقرب إلى الشمولية، بل لو فكر الإخوان في ذلك سيكون الشعب لهم بالمرصاد.
من المؤكد أن الإخوان بسلوكهم الذي اتبعوه، والذي ويقولون: إنه سلوك اضطراري أملته الظروف الموضوعية التي واجهوها؛ من المؤكد أنهم خسروا بعضًا من شعبيتهم؛ لاسيما أن الدعاية تفعل فعلها، إلى جانب ضعف إمكاناتهم على صعيد المكر والدهاء السياسي، لكن المؤكد في المقابل هو أن الثورة هي التي تكسب وستكسب، ومن ورائها مصر كدولة وأمة، وبالطبع حين يجري تكريس نهج الثورة، عبر استكمال مؤسسات الدولة الديمقراطية، بحيث يكون الشعب هو صاحب الولاية على قراره.
لو كان الإخوان يريدون "الشعبية" فقط على حساب الثورة لكان لهم سلوك آخر يستقطب الجميع، ويرضي الجميع، ولو على حساب الدولة والثورة، ولكنهم آثروا الإصرار على بناء مؤسسات الدولة والثورة على حساب أنفسهم وشعبيتهم.
أية مصادرة للثورة تلك التي يتحدث عنها البعض؟! وأية حرب يديرها الإخوان ضد الجميع إذا كانوا يطالبون الناس بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع التي لن تعطيهم على الأرجح ما سبق أن أخذوه في مجلس الشعب المصادَر بقرار من قضاء المخلوع، وليس بقرار من الشعب؟!
مهما فعل الإخوان فلن يحصلوا على رضا أولئك الناس؛ فلو قبلوا بتشكيل حكومة جديدة فقد يستغرق الأمر شهورًا قبل أن تشكل على نحو يرضي كل تلك الجحافل من الأحزاب. ثم هل سيتم الاتفاق على لجنة لصياغة قانون الانتخاب ترضي الجميع؟! ألم يتفقوا من قبل على لجنة صياغة الدستور، ثم شاركوا ووقَّعوا على أغلب بنوده ثم انسحبوا؟!
أما حكاية القضاء، فهي حكاية مُرَّة تعكس النهج الذي تتعامل به قوى المعارضة، فهم جميعًا يعلمون أن هناك فسادًا في القضاء، لكن أية محاولة لتصحيح وضعه تقابل بالهَيَجان؛ فكيف يُقال: أخونة القضاء، مع أنهم يعلمون أنه لا يوجد قاضٍ واحد من الجماعة؟!
ما يريده الرئيس والإخوان هو أن تكتمل مؤسسات الدولة وَفق انتخابات حرة نزيهة، وهم يطالبون بذلك رغم أن الأطراف المعارضة تصر على أنها تمثل الشارع، وأن الجماعة قد فقدت جمهورها. أليس الأولى بمن يعتقد أنه يملك الشارع أن يحتكم إلى صندوق الاقتراع؟! بل أن يُصر عليه -بدلاً من التعطيل، وصولاً إلى استدعاء الجيش لتنفيذ انقلاب- لاسيما أن حكاية التزوير تبدو متهافتة في ظل إشراف القضاء، فضلاً عن موقفه السلبي من الإخوان والرئيس؟!
إذا نجح هذا المسار الذي يصر على إكمال مؤسسات الدولة -لاسيما بعد توجه "جبهة الإنقاذ" نحو المشاركة في الانتخابات- وصار الشعب مرجعًا للقرار -وليس مؤسسة الإعلام التي يعيش أكثرها على التمويل الخارجي، ولا حتى المؤسسة الأمنية والعسكرية، على أهميتها لحماية البلد وتأمين استقراره- فستكون الثورة قد حققت أهدافها، رغم أن مسارًا كهذا قد يؤدي إلى خسارة الإخوان بعضًا من رصيدهم، لكن الثورة ستربح في نهاية المطاف، وإذا خسروا في الانتخابات القادمة، فقد يربحون في التي تليها ما دامت الثورة قد نجحت وحققت أهدافها.
لا دستور يبقى إلى الأبد، وكل دساتير الدول الديمقراطية تغيرت مرارًا، ويمكن للدستور الذي أُقِرَّ أن يتغير لاحقًا عبر المؤسسات المنتخبة من الشعب، كما يمكن أن يتغير كل قانون، بما في ذلك قانون الانتخاب الذي لم يصممه الإخوان، بل هو الموجود أصلاً مع تغييرات طفيفة ليست عليها اعتراضات جوهرية.
ما يجري في مصر هو حرب من الخارج على الثورة كرافعة لربيع العرب، وإن كانت في جزء منها حربًا على الإخوان، وهي حرب من الخارج يتولى كِبْرها أناس كان بعضهم ينتمي للنظام السابق، فيما ينتمي بعضهم إلى قوى الثورة، لكنه لا يريد الاحتكام للصندوق، ويريد التعامل مع الثورة كأنها انقلاب عسكري شاركت فيه قوًى عديدة عليها أن تقتسم "الكعكة".
الإخوان حتى هذه اللحظة هم الأكثر وفاءً للثورة، ولو أرادوا الشعبية فقط على حساب أهداف الثورة لدغدغوا عواطف الناس بسلوك مختلف عنوانه "الانتهازية"؛ إن كان على الصعيد الاقتصادي أم السياسي، لكنهم يعملون على إكمال مشروع الثورة التي هي ثورة حرية وتعددية، بصرف النظر عن بعض الخسائر الشعبية التي يعززها إعلام مضلل كاذب؛ يعيش أكثره على المال الحرام القادم من الخارج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق