لا للرغيف الإخوانى .. لا لاحتمالات النجاح
وائل قنديل
الذين طالبوا بالإطاحة بالوزراء السياديين وخصوا بالذكر وزيرى التموين والتجارة، فاتهم أو ربما لم يصل إلى علمهم بعد أنه عندما تُذكرُ الوزارات السيادية يقفز اسم وزير الدفاع على الفور، والسؤال هنا:لماذا امتلكوا الجرأة على ذكر اسم وزير التموين الشاب صاحب الأداء المعجز، ووزير التجارة الذى بشرنا بأرقام غير مسبوقة فى تاريخ إنتاج القمح، بينما ارتعشت ذاكرتهم فلم تقوَ على ذكر اسم وزير الدفاع؟
لماذا لابد وحتما وفورا إطلاق الرصاص على باسم عودة وزير التموين، باعتباره سياديا فى وزارة سيادية، بينما وزير الدفاع يتم إخراجه من دائرة السيادة؟
إن هذه الأسئلة وغيرها يرددها الناس وهم يضربون كفا بكف من هذه الرغبة الجامحة فى إطفاء كل ما هو مضىء وناجح فى التشكيلة الحكومية الحالية، بدعوة ضمان الحيادية.. ثم ماذا تعنى عبارة «حكومة محايدة»؟
هل صار الحياد مرادفا للفشل والتكلس والبلادة، بينما الانحياز هو النجاح والتفوق والفاعلية؟
إن كان ذلك كذلك فتبا لهذا الحياد الذى يكون على حساب مصالح الناس وأحقيتهم فى حياة معيشية آدمية يتوافر فيها رغيف محترم، وأن يتنفسوا بعضا من الإحساس بالكرامة وهم يستيقظون على خبر الاقتراب الوشيك من الاكتفاء ذاتيا من القمح.
أما إذا كان الشعار الآن هو نموت ونجوع وتحيى هذه الجبهة أو تلك» فإن حياة كريمة للمصريين أهم وأغلى وأولى من حصة الألعاب السياسية والانتخابية المضحكة التى يتلهى بها الهاربون من المرايا، المرتعدون من مواجهة الذات والمجتمع، الرافضون لمجرد الرفض، الذين حولوا المعارضة من عمل سياسى جاد ورزين ومحترم إلى اسكيتشات ضاحكة وكاريكاتيرات مفرطة فى الإسفاف، وأكروبات تليفزيونية، تستدعى الرثاء والأسى على المستوى الذى هبطت إليه نخب سياسية، شاخت وبعضها لم يصل عمره السياسى إلى ثلاث سنوات بعد.
لقد انحدر بعضهم بمعارضته إلى ما تحت مستوى «العكشنة» التى باتت تبدو شيئا رصينا إذا ما وضعت أمام حالة «زنددة» مؤسفة وحدت مواقيت الصياح بين زنود القضاء وزنود الصحافة وزنود التغيير المعتزلين، فجعلتهم يرددون الخطاب ذاته بالأداء ذاته وفى تواقت عجيب ودال للغاية فى مواعيد المؤتمرات وترتيبها.
ويدهشك، بل يصيبك بالغم والنكد، أن قضية استقلال القضاء اختزلت فى شخص واحد يضع نفسه فوق العدالة وفوق القانون، بينما بلاغات ومحاضر اتهامه بالتربح والفساد مكدسة فى الأدراج دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب منها.
وعلى سيرة هذه المناحة المنصوبة ضد دعوات إصلاح القضاء وتطهير ثوبه من ثقوب وتشوهات، ضارة بالقضاء قبل أن تكون ضارة بأحد آخر، أذكر أنه فى ١٦ مارس من العام الماضى وبعد فاجعة الإفراج عن الأمريكيين المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى انطلقت دعوة لمليونية ترفع شعارات تحرير وإصلاح واستقلال القضاء، تبناها مجموعة من الثوار، ومن بينهم قضاة محترمون، طلبوا من كاتب هذه السطور المساعدة فى صياغة بيان وتصميم «ستيكر» لهذه الجمعة الحاشدة.
وأتذكر جيدا أن قاضيا شهيرا من قضاة الميدان فى ذلك الوقت على الرغم من إعارته بالخارج قرر مشكورا أن يتولى هو صياغة البيان..
والمفارقة أن هذا القاضى نفسه يبدو الأكثر حمية واستشراسا فى رفض دعوات إصلاح منظومة القضاء الآن، فليسمح لى أن أذكره ببعض عبارات فى بيانه القشيب للدعوة لتلك المليونية فى قبل أكثر من سنة، حيث كتب يقول «العدل مفقود فى مصر منذ أكثر من نصف قرن، هذه هى الحقيقة، إن كل المؤسسات التى تحملت بأمانة حفظ حقوق أفراد الشعب مصابة بالعجز دون استثناء والقضاء المصرى ليس استثناء من العجز»
ثم ختم بيانه بالقول «إنى أدعو شعب مصر للوقوف بالمرصاد لمجلس الشعب وعلى أبوابه لإصدار قانون السلطة القضائية».
ما الذى تغير لكى يصبح اقتراح مشروع للسلطة القضائية جريمة ضد القضاء؟
لقد رفع مشروع القانون المقترح الغطاء عن المسكوت عنه فى هذه «الدولة» لكنه منح الفرصة لمن أكل عليهم الفساد وشرب لكى يطلوا فى هيئة الأبطال والشهداء، وسيحسن الذين قدموا المشروع صنعا لو سحبوه ليرينا القائمون على أمر هذه السلطة كيف ستطهر نفسها بنفسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق