إعلام النظارات السوداء
فهمي هويدي
يوم السبت الماضي (27/4) قام الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء بزيارة مسخها الإعلام وأطفأ بهجتها. ذهب الرجل لكي يفتتح أحد المشروعات الكبرى التي أقيمت في منطقة شمال غرب خليج السويس، كان بمثابة مصنع للفيبرجلاس أقامه الصينيون هو الأول من نوعه في العالم العربي والثالث في العالم، من حيث الحجم والطاقة الإنتاجية. ويفترض أن تبدأ إنتاج المرحلة الأولى منه في شهر أغسطس القادم.
(تكلفت المرحلة 220 مليون دولار، وستوفر 1300 فرصة عمل 80٪ منها لأبناء السويس).
المشروع كان متفقا عليه منذ عام 1997 وظل متعثرا طول الوقت، إلا أنه لم يتحرك ويتحول إلى واقع إلا بعد زيارة الرئيس محمد مرسى لبكين في شهر أغسطس من العام الماضي، وهذا الإنجاز الذي تم شجع الدكتور قنديل على الاتفاق مع شركة «تيدا» الصينية على تولى تطوير وتجهيز منطقة أخرى مساحتها ستة كيلو مترات مربعة لجذب استثمارات قدرت بملياري دولار تستوعب 16 ألف فرصة عمل مباشرة و40 ألف عمالة غير مباشرة، وينتظر أن تحقق مبيعات تتراوح بين 10 و12 مليار دولار خلال عشر سنوات.
وللعلم فإن مصنع الفيبرجلاس بمراحله الثلاث أقيم فوق مساحة كيلو متر مربع واحد طورته الشركة الصينية، التي ستتولى تجهيز الكيلو مترات الستة.
إضافة إلى هذا وذلك افتتح الدكتور هشام قنديل مركزا كبيرا لخدمة الشباك الواحد للمستثمرين أقامته الصين بتكلفة وصلت إلى 20 مليون جنيه، لكي ينجز المستثمر كل معاملاته من مكان واحد، بحيث لا يتوه في دوامة الإجراءات البيروقراطية.
للعلم فإن عملية تنشيط وتفعيل المنطقة الصناعية بالسويس تشكل أحد أضلاع حلم التنمية الذي يستهدف تحويل محور القناة إلى ورشة عمل كبرى تحدث نقلة بعيدة في الاقتصاد المصري. وللمحور ضلعان آخران يتمثلان في منطقة وادى التكنولوجيا وشرق التفريعة الذي يقام شرق بورسعيد، والثلاثة يستثمرون ويخدمون الممر المائي للقناة الذي ستعبره 20٪ من تجارة العالم. في حين لا تتوفر على ضفتيه أية خدمات، بحيث إن أي سفينة، مارة فيه تحتاج إلى إصلاحات أو إلى تموين، فإنها يجب أن تتجه إلى دبى لتستوفي احتياجاتها.
وطوال السنوات الماضية لم تكن مصر تفعل شيئا سوى تحصيل رسوم المرور التي تبلغ 5 مليارات دولار سنويا، في حين أن توفير الخدمات وتنفيذ بعض المشروعات الصناعية على جانبي القناة يضاعف ذلك الرقم عشرين مرة على الأقل خلال عشر سنوات.
قيل لي إن الدكتور هشام قنديل كان منتشيا، وهو يتحرك في الموقع الذي يشهد الخطوات الأولى لتجسيد حلم تنمية المنطقة، وفي ختام جولته عقد مؤتمرا صحفيا تحدث فيه عن إنجاز آخر تمثل في النجاح الذي حققه محصول القمح هذا العام حين حقق رقما غير مسبوق في إنتاجه يقدر بنمو 9.5 مليون طن مع التحفظ الشديد، بزيادة 25٪ عن إنتاجية العام الماضي، هذه الكمية تلبي 70٪ من احتياجات السوق المحلية، في حين أن المنتج من القمح في السنوات السابقة كان لا يلبي أكثر من 40 أو 50٪ من حاجة السوق.
وهذا الإنجاز تحقق بفضل تغيير السياسات التي اتبعتها وزارة الزراعة، بحيث رفعت أسعار شراء القمح من الفلاحين كما فتحت فترة توريده، الأمر الذي شجع المزارعين على التنافس في إنتاجه.
ومعلوم أن مافيا النظام السابق كانت تحارب التوسع في زراعة القمح وتشجيع الاستمرار في استيراده من الخارج لما يحققه من ذلك لها من مزايا وعمولات.
الشاهد أن الدكتور هشام قنديل عاد إلى القاهرة بعد انتهاء جولته، وفوجئ صبيحة اليوم التالي بأن صحفيتين أبرزتا في عناوين صفحتها الأولى أن النشطاء استقبلوه في السويس بالملابس الداخلية!
إذ اعتبرتا أن الحدث الأهم في الجولة أن شخصين اثنين فقط من الغاضبين ظهرا في أثنائها بالملابس الداخلية، أما بقية الصحف فإنها ركزت على كلامه عن التعديل الوزاري والاتفاق مع صندوق النقد الدولي. أما الجانب المضيء في الجولة فقد احتل المرتبة الثانية من اهتماماتها.
لا تفسير عندي لهذه المفارقة المحزنة سوى أن الإعلام في مصر ابتلي بعد الثورة بالنشطاء الذين أسقطوا المهنة من حسابهم، وانخرطوا في السياسة من باب المعارضة.
وليتها كانت معارضة متوازنة تنحاز إلى الوطن وتميز بين الخطأ والصواب، لأنها تحولت إلى معارضة طفولية أو مراهقة لم تعد ترى الواقع إلا من خلال النظارات السوداء التي ثبتتها فوق الأعين، لكي لا تشاهد إلا كل ما هو بائس وكئيب ومحبط.
لي رأي سبق أن أبديته في الدكتور هشام قنديل الذي حمل مسؤولية أكبر منه بكثير، وكانت لي ملاحظات على أدائه وتواصله مع المجتمع، لكني أزعم أن ذلك لا يمنع أن نقدر جهده حين يعمل ونحييه حين ينجز، لأن ذلك كله يحقق صالح الوطن في نهاية المطاف.
إن بعض زملائنا يضيقون بنقد الإعلام متعللين بأنه يقدم الحقيقة. وهذا المثل الذى بين أيدينا يدحض هذه الحجة، لأن الإعلام طمس الحقيقة وشوهها على نحو يتعذر افتراض البراءة فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق