الأحد، 12 مايو 2013

خيبة الأمل بعد موقعة الجمل والتطبيع وثورة تضيع (1-2)


خيبة الأمل بعد موقعة الجمل والتطبيع وثورة تضيع (1-2)


المستشار أحمد عبد اللطيف

العدل أساس الملك كلمات خالدة صكها ابن خلدون في مقدمته الشهيرة بمناسبة التعليق على ما أتاه الخليفة العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أجاب شكوى المصري واقتص له من ابن عمرو بن العاص وأخذتها المحاكم المصرية عنوانًا تزدان به المحاكم ويرصع به ديوان وزارة العدل، وإن سألت أحدًا من وراء هذه العبارة؟ لما وجدت مجيبًا وجربوا، وليس المقصود أننا فى مسابقة من القائل وإنما هل تم تفعيل العبارة؟ 
وهل قرأها حكام البلاد ورجال القضاء وقرأوا قبلها أن فى القصاص حياة وأن عليكم به الحر بالحر والعبد بالعبد؟
 وهل علمها أحد وعلم حرمة ومدى ظلم أن يموت الناس وتنتهك أعراضهم والفاعل في كل مرة مجهول؟ أيها الحكام أكل من مات من هذه الآلاف عجزتم عن معرفة قاتله؟!
وماذا نقول للشهداء والجرحى ولأمهاتهم وآبائهم وأبنائهم؟
 أقول قولي هذا وقد راعني ما حدث أخيرًا من براءة لجميع المتهمين في القضية المسماة (موقعة الجمل) وما صدر من محكمة النقض أخيرًا بعدم قبول الطعن شكلًا لرفعه بعد الميعاد. ليست المأساة هنا في براءة المتهمين فمن الظلم أن نقول إنهم الفاعلون دون تحقيق أو محاكمة بيد أن المريع حقًا أنه حتى تقول بأن هناك محاكمة أو تحقيق أن تنطبق تلك الشروط بالفعل، والكارثة في الأمر أن موقعة الجمل هذه إنما هي الواقعة الفاصلة بين نظام مبارك والنظام الذي تلاه، وأن يشهدها العالم مصورة وما صاحبها من قتل وضرب وهمجية ولا يتم الوصول للفاعل لها فتلك هي الكارثة التي تكشف لنا حجم المأساة والعجز والقهر الذي نعيش فيه، والحديث هنا ليس عن الأمر القانوني فإن الأمور القانونية والمحاكمة صارت دلالة على أشياء أخرى وهي قرينة والقرينة لمن لا يعلم هي استنباط أمر مجهول من أمر معلوم أو ما يسمى عند العرب قديمًا بالفراسة، والمعلوم أنه كان لدينا موقعة تسمى الجمل والمجهول الذي أظن أنه قد بان أن هناك محاولة لدفن تلك الواقعة برمتها بيد أن الدفن لم يكن صحيًا في عمق بعيد وإنني أسوق إليكم مظاهر لمحاولات هذا الدفن من البداية.
1- لم يبدأ التحقيق في هذه الواقعة إلا بعد ما يزيد على شهرين ومكثت الدعوى رهينة محبس النائب العام السابق طوال هذين الشهرين إلى أن تلقفها قضاة تحقيق لم يوفوا التحقيق حقه ثم أحالوا بعض المتهمين إلى المحاكمة بعد مليونية شهيرة ونسخت صورة لتحقيق البقية ولا ندرى إلى الآن ماذا تم فيها؟
2- اقتصر تحقيق القضاة على من قالوا إنهم الشركاء ودون أن يتطرقوا للتحقيق مع الفاعل الأصلي وهم من تم ضبطهم في الميدان بذريعة أنه حقق معهم في النيابة العسكرية وحصل ثلاثة منهم على أحكام، فلماذا لم يتم التطرق في التحقيق مع الفاعل الأصلي؟ والمعلوم أن القضاء العادي هو صاحب الولاية العامة وهو يعلو دونه من الجهات الأخرى حين يكون هناك ارتباط فكان يتعين التحقيق مع هؤلاء ولا يترك الأمر للقضاء العسكري.
3- لقد شهدنا جميعًا أن من تم القبض عليهم سلموا للجيش وكانوا بالمئات بل وتم تسليم الخيول والجمال للجيش فلماذا تمخض الأمر عن ثلاثة متهمين فقط؟
4- إذا كان الجيش وقوات أخرى هم من كان يتولى حماية الميدان ومداخله والقاهرة كله فكيف دلف الحصان والجمل وما حمل من بين هذه القوات؟ ولماذا لم يستوقفهم أحد؟ وما هي أطقم الحراسة هذه؟ وكيف تسمى حراسة وتمر هذه الجحافل؟ وكيف قطعت هذه المسافات الطويلة دون أن يوقفها أحد؟ وأين التحقيقات من هذا؟
5- ما الذي حدث في المحاكمة؟ وماذا عن رد المحكمة ومكوث القضية فترة طويلة مدفونة بعد الفصل في طلب الرد إلى أن أثار الأمر وجهر به أحد المحامين؟
6- لماذا تنحى عضو اليمين في الدائرة واستبدل بأخر ألم يجهر الرجل بالتعدي بدنيا عليه والدائرة ولم يتخذ إجراءً في شأن هذا التعدي؟
7- لماذا لم تقم المحكمة بإجراء تحقيق نهائي وهي تملكه ولماذا لم تتصد لوقائع أخرى ومتهمين آخرين وقد أثيرت أمامها الوقائع والأسماء.
8- فوجئنا جميعًا بأن المحكمة وبغير تمهيد تنطق بالحكم في نهاية الدور فى 8/10/2012 تقريبًا ودون أن تحجز الدعوى للحكم وهو ما لم نعهده في أي قضية أخرى مماثلة أو أقل من ذلك.
9- لماذا لم تودع المحكمة أسباب الحكم في غضون ثلاثين يومًا بعد النطق به؟ بل تجاوز موعد الإيداع ستين يومًا وهو ما قد يضيع ميعاد الطعن بالنقض.
10- لماذا لم يبادر النائب العام السابق بالطعن أو حتى إعلان تأخر إيداع الأسباب سيما وأنه لم يغادر موقعه إلا في 21/11/ 2012؟ لماذا الصمت المريب حول عدم إيداع الأسباب وهذا التأخر في الإيداع؟ هل هو طبيعي في مثل هذه القضية المهمة لا أراه طبيعيًا ومرتبط ذلك عندي بأمور قانونية أبسطها أن المادة 33 من قانون الطعن بالنقض الجنائي كانت تسمح بالطعن بالنقض على الأحكام الغيابية وألغي هذا النص بقانون أعده ممدوح مرعي في عام 2007 ولعل هذا ما يفسر حفاوة المحامي المتهم بالأمر وحصوله على البراءة غيابيًا هو وآخرون رغم تهربه من الضبط والإحضار، وأما المادة 34 من القانون سالف الإشارة فقد جعلت الطعن بالنقض مقبولًا إذا تم التقرير به في خلال 60 يومًا من تاريخ الحكم الحضوري وأوجب أن يكون مع التقرير مذكرة بأسباب الطعن وكانت المادة تحتاط لحالة عدم إيداع الأسباب في خلال عشرة أيام من إيداعها ما لم تودعها المحكمة في خلال ثلاثين يومًا.
والكارثة يا سادة أن هذه الفقرة الأخيرة ألغيت أيضًا في عام ألفين وسبعة وبقي نص المادة مبهمًا..
هل يشترط الطعن والإيداع للأسباب في خلال ستين يومًا؟
وماذا لو لم تودع الأسباب في خلال ستين يومًا؟
ولماذا ألغي الحق في الطعن بالنقض على الأحكام الغيابية؟
وماذا تصنع النيابة على الأحكام التي لم تودع أسبابها سيما أحكام البراءة وتلك البراءة الصادرة غيابيًا؟
وهل من العدل أن يكون موقف المتهم الهارب أفضل من المتهم الممتثل الحاضر؟!
ضعوا هذه الأمور بجانب بعضها لتكتشفوا أن محاولات الدفن لهذه الواقعة تحديدًا كانت قائمة منذ البداية شاركت فيها كل المؤسسات وكل السلطات فلا جهات بحث ولا تحقيق وعوار في المحاكمة والطعن من السلطات القديمة والجديدة إذ لماذا حدث ما حدث؟ ولماذا لم ينشر على الملأ ويحقق تقرير تقصي الحقائق عن الوقائع كافة وما أدلي به وزير الداخلية السابق عن هذه الواقعة وأشار إليها ما تسرب من التقرير منشورًا بجريدة الشروق؟
وأن يشترك النائب العام السابق واللاحق في خطأ عدم الطعن في الميعاد لهو دلالة على أن هناك محاولات للدفن دائبة إلا أنها بالأسف جاءت غير صحية وسطحية.
وإذا أردنا حقًا أن نتعلم درسًا وأن نثبت للناس أن العدل موجود وأنه أساس الملك وليس مجرد شعار على المنصات فيجب
أولًا: تعديل قانون الطعن بالنقض ليسمح بالطعن على الأحكام الغيابية وليكون ميعاد الطعن خلال ستين يومًا من إيداع الأسباب ويشترط أن يقرن منطوق الحكم بأسبابه وبذلك نقضى على هذه المتاهة.
ثانيًا: إجراء تحقيق موسع شفاف حول هذه الواقعة من جديد وأشباهها وحتى لو أدى إلى إثبات الجريمة على المتهمين المقضي ببراءتهم ولا يشترط أن يقدموا للمحاكمة لو اعتبرنا الحكم باتًا ما لم يسمح بغير ذلك قانون حماية الثورة، وأن يُجرى تحقيق آخر لبيان من المخطئ في عدم الطعن في الميعاد ولماذا خرج حكم النقض بهذه الصورة لأن عدم الطعن في الميعاد والظروف الملابسة تشمل بأن هناك أمرًا أريد إخفاؤه ومن شأن هذه التحقيقات أن تظهر للأجيال القادمة ولنا حقيقة ما حدث وألا يترسخ في الذهن أن هذه الواقعة كانت أكذوبة لأنها لم تكن كذلك وإنما هي واضحة للعيان إلا أن الفاعل لم يتضح.
ثالثًا: يتعين على النيابة العامة وكل من لديه معلومات وهي واضحة إجراء تحقيقات موسعة عن وقائع إفساد الحياة السياسية وهو قانون قائم ولا أدري لماذا هو مقبور رغم صلاحيته للعمل.
رابعًا: أن يقوم المجلس المنوط به التشريع سرعة وضع تشريعات العدالة الانتقالية وهي معروفة وجاهزة.
فإن فعلتم برأتم أنفسكم وغسلتم يدكم من هذا الأمر وإلا فإنكم مشاركون في الدفن غير الصحي وتهربون من كتابة الوثيقة التي ستقرأها الأجيال القادمة عن هذه الثورة التي سيقترن بها عما قريب إن لم يكن قد اقترن فعلًا وصف (المغدورة) وليس النظام الحالي وحده هو الفاعل إن لم يصنع ما تقدم فيشاركه لاطمو الخدود والمتمسحون بدماء الشهداء ثم باعوها بحثًا عن الغنائم ثم ذرفوا الدموع على استقلال القضاء وهيبة المؤسسة، لقد ضيعنا جميعًا الشهداء نظام حاكم حالي وقبلها مجلس عسكري وقبلها نخبة فاسدة ادعوا الدفاع عن الشهداء حين كانوا ورقة رابحة واسترزقوا من دمائهم حين سارعوا لتقديم البرامج على فضائيات رجال أعمال مبارك ثم طردوا وصار إعلاميو مبارك هم إعلاميو الثورة بل إن أحدهم عنون برنامجه "الشعب يريد".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق