الاثنين، 13 مايو 2013

وغدًا حوار حصرى مع تولستوى


وغدًا حوار حصرى مع تولستوى

فراج إسماعيل

ليو تولستوي أديب روسي كبير صاحب رواية شهيرة اسمها "الحرب والسلام" وينتمي لأسرة ثرية، توفي في 20 نوفمبر 1910 ومع ذلك لا أستبعد أن تتحفنا جريدة "الوطن" بحوار معه على طريقة حوارها مع الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي نفاه محاميه فريد الديب جملةً وتفصيلًا واصفًا ما نشر بالكلام الفارغ، والصور بالتحايل التقني.
لماذا تولستوي؟!.. لأن من يكذب على شخص ما زال على قيد الحياة وله محام يسمع دقة النملة أسفل قدمي موكله ويتتبعها، يمكنه أن يخرج غدًا بحوار معه رغم أنه لقي ربه منذ قرن من الزمان!
ولهذا الأديب قصة مع الرئاسة المصرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فقد حكى لنا الأستاذ الصحفي إسماعيل الشافعي عليه رحمة الله أنه كان مندوبًا لجريدة الجمهورية في الرئاسة أيام كان الشاعر الكبير كامل الشناوي رئيسًا لتحريرها والذي اشتهر بالسخرية والنكتة ويعد أبرز ظرفاء عصره وقد توفي أواخر 1965.
استدعاه الشناوي وطلب منه أن يذهب فورًا إلى القصر الجمهوري لأن ليو تولستوي مجتمع الآن بالرئيس عبد الناصر وأنه – أي الشناوي - اتفق مع سكرتارية الرئيس على أن يخص "الجمهورية" بحوار خاص.
ذهب إسماعيل الشافعي مسرعًا وكان بعض أعضاء السكرتارية في انتظاره فطلبوا منه الانتظار في إحدى الغرف لحين خروج تولستوي من مكتب عبد الناصر.
 اكتشف المقلب فيما بعد لكنه ظل يحكيه لنا كتلاميذ في بلاط صاحبة الجلالة يخطون خطواتهم الأولى، ليعلمنا التوثق والتأكد من كل شيء قبل كتابة خبر أو تصريح أو محاورة أي شخصية وعدم الاعتماد على الاتصالات الهاتفية لأخذ تصريح إلا إذا كان يعرف صاحبه ويعرفه.
ومع أن كامل الشناوي هو من صنع له المقلب إلا أنه عاقبه عند عودته لأنه لم يقرأ عن تولستوي ولم يراجع الأرشيف مما يجعله عرضة لمن يدعي مثلًا أنه تولستوي فيجري معه الحوار! ..
طبعًا العم جوجل لم يكن موجودًا ليخرج ما يبحث عنه في ثوان، فالأجيال الجديدة من الصحفيين محظوظون به لأنه سهل عليهم الحصول على المعلومة في لمح البصر.
كلها أبجديات ضاعت في صحف هذه الأيام التي استسهلها الصحفيون، يكتبون ما يتراءى لخيالهم ويخرج معهم رؤساء التحرير مبتهجين بسبق حصري لم يتجاوز كاتبه حدود مكتبه ولم يبرح بنات أفكاره.
 يعلم رئيس التحرير الحقيقة ولكنه لا يتردد في مصاحبته ببرنامج تليفزيوني ليتحدثا عن اقتحامه الجدار الأمني القوي حول الرئيس السابق والجلوس داخل الطائرة على نفس السرير الذي كان يرقد عليه، والتقاط 40 صورة لها من الداخل، والاتجاه إلى الاستراحة حيث دفع أحد الواقفين برفق ليجد نفسه وجهًا لوجه أمام مبارك الذي سمح له بمرافقته إلى سيارة الإسعاف والحديث معه وتصويره وهو يشاور له بيده مبتهجًا.. كل ذلك كأن الصحفي يتمشى في شارع فؤاد!
ورغم أن محامي مبارك نفى المسرحية الخيالية ونشرت المواقع الإخبارية ووكالات الأنباء تكذيبه الواضح المستنكر، فإن برنامج "مصر الجديدة" في قناة الحياة استضاف الصحفي ليحكي بطولته في الوصول إلى حسني مبارك ومحاورته والتي جعلت قامته تطال قامة الصحفية الأمريكية والمذيعة ذائعة الصيت باربرا والترز في حواراتها الشهيرة مع الرئيس أنور السادات.
المشكلة أن ذلك يغلق أبواب الصحافة المهنية الرصينة والموضوعية في وجه الصحفيين المصريين خشية الفبركة والاستسهال في كتابة تقارير غير موثقة، ويحولهم إلى نموذج عادل إمام في مسرحية "السكرتير الفني" مع أن مثل هؤلاء استثناء والكثرة الغالبة صحفيون شرفاء لكنهم محرومون من نعمة إعلام العم حمدان!
إن لم يسع الأستاذ ضياء رشوان نقيب الصحفيين لعلاج آفة الفبركة و"ضرب" التقارير والحوارات فالرتق سيتسع على الراتق والثوب الصحفي لن يبقى فيه لون أبيض من كثرة الثقوب.
فبركة حوار مبارك جاءت بعد يوم واحد من فبركة الضربة الجوية الليبية لقافلة من المصريين ومصرع 50، والتي نشرتها "اليوم السابع" مع فيديو "مضروب"..
وهذه بالذات كانت قد تتسبب في مذبحة للجالية الليبية في مصر لولا سرعة نفي القوات المسلحة المصرية ونظيرتها الليبية.
إنها تشبه تمثيلية المطرب محمد فؤاد عندما ادعى وهو داخل حديقة السفارة المصرية في الخرطوم أنهم يتعرضون للمطاردة من الجمهور الجزائري عقب مباراة الفريقين الشهيرة ويلوذ مع آخرين ببيت أحد السودانيين.
 وعقب أن أنهى اتصاله الهاتفي المرعوب صرخ مذيع إحدى القنوات الفضائية داعيًا المصريين إلى الخروج للشوارع وقتل أي جزائري يقابله!!
ثم إن الصحيفة تتبع الشبكة التي أجرت قناتها الفضائية حوارًا مع وزير الداخلية، لكنه صمت أمام فبركة تنال من كفاءة الحراسة الأمنية حول مبارك وكفاءة ضباطه الذين دفع الصحفي أحدهم برفق ليدخل إلى مبارك في استراحته عقب تجواله في نزهة شم النسيم داخل الطائرة.
إذا كان الوصول إلى غرفة مبارك أو طائرته وسيارة إسعافه بهذا اليسر فقد كان ممكنًا أن يختفي بخطفه مثلًا أو يتم اغتياله.
 أنا أؤيد ما قاله المحامي فريد الديب بأن هذه الفبركة مسئولية وزارة الداخلية.
farrag.ismail@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق