تصدوا للعنف قبل أن تكونوا ضحاياه
عامر عبد المنعم
أخطر ما يعرقل خروج مصر من أزمتها هو تصاعد أحداث العنف إلى درجة غير مسبوقة، وتحوله إلى ظاهرة في الحياة السياسية والاجتماعية، تحظى بحفاوة غريبة من بعض السياسيين والإعلاميين، الذين يوفرون غطاء سياسيا وأخلاقيا للقلة التي تمارس العنف باستخدام المولوتوف وبل حتى الأسلحة في التعبير عن مواقف سياسية!
قد يظن البعض من القوى السياسية التي ترفع راية المعارضة في إطار تصفية الحسابات مع الإخوان وفي حملتهم لإسقاط الرئيس المنتخب، أن استخدام العنف في الشارع يساهم في تحقيق أغراضهم، ولا ينتبه هؤلاء إلى أنهم يرتكبون جريمة كبرى، إذ يشاركون في صناعة جيل عنيف لا يختلف كثيرا عن القتلة والمجرمين، لن يستطيع أحد أن يسيطر عليه على المدى القريب.
الغطاء والتبرير وإضفاء البطولة على من يمارس العنف، تسبب في تشكيل أفراد وجماعات تستخدم الأسلحة النارية والعبوات الحارقة في مظاهرات وفي غير المظاهرات، ينتج عنها سقوط مصابين وقتلى، وهم يتوهمون أنهم يمارسون نضالا لتحقيق أهداف مشروعة !!
فهذا الشاب الذي كان بالأمس يلقي الطوب والحجارة على قوات الشرطة، هو الذي أصبح فيما بعد يلقي زجاجات المولوتوف ويحرق مقرات وسيارات الشرطة والمواطنين، حدث له تحول أكثر خطورة فبدأ يستخدم أسلحة الخرطوش، ثم المسدسات وراح يطلق الرصاص ويستبيح سفك الدماء.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأنا نرى العنف المنظم من خلال جماعات الملثمين أو ما يعرف بالبلاك بلوك، والذين يستغل تجمعاتهم قتلة يطلقون الرصاص على أشخاص آخرين فأصابوا وقتلوا.
إذا استمر منحنى العنف في الصعود دون تصدٍّ سياسي وقانوني وأخلاقي سنشهد استخدام الأسلحة الآلية، التي يترتب عليها إزهاق المزيد من الأرواح.
لا يظن أحد أن العنف الذي نراه في الشارع الآن، تحت دعاوى سياسية، يمكن أن يحقق أهدافا، فهذا العنف الذي ينقله الإعلام المرئي يوميا سمم الأجواء وانعكس على المجتمع كله في سلوك عنيف في كل مكان، وأصبح التعارك والعنف سمة لمجتمع الأصل فيه أنه مسالم منذ آلاف السنين.
نزعة الميل إلى العنف هذه، ازدادت خطرا مع انتشار فوضى الأسلحة بكل أنواعها، في كل أنحاء مصر، وظهر أثر ذلك في الصعيد حيث اتسعت دوائر الاقتتال المسلح بين القبائل والعائلات.
وبسبب هذه الأسلحة تم إحياء ثارات قديمة ماتت، خاصة في قنا وأسوان وسوهاج، وقد أخبرني صديق من دار السلام بسوهاج أن مضادات الدروع الـ "آر بي جي" استخدمت في معارك بين الهوارة والعرب في صدام قبلي مؤخرا!
إن تفاقم المشكلات ذات الصبغة الطائفية ووقوع حوادث دموية غير مسبوقة، كما في الخصوص، ومن قبلها إمبابة والمنيا يعود لاستخدام السلاح في حسم الخلافات وهي التي كانت من قبل تنتهي دون هذا القدر من دماء الضحايا.
نحن أمام خطر لن يقف عند استهداف تيار سياسي معين وإنما سيشمل الجميع، مالم يتحمل السياسيون والإعلاميون المحرضون على العنف المسئولية وينزعوا فتيل قنابل ستنفجر في وجوههم كما غيرهم، وستأكل النيران كل شيء.
عندما نحذر من العنف فإننا نريد إغلاق الباب أمام أعداء مصر الذين يستغلون ما يحدث ونمنعهم من تكرار ما فعلوه في العراق، من استهداف كل الأطراف لتتحول البلاد إلى حمام دم.
إن انتشار الملثمين المسلحين أو ما يسمى جماعات البلاك بلوك، لعبة خطرة وليس كما يظن بعض الشباب المعارض الذي ربما يظن أنها شكل وموضة ثورية، فهذا الغموض يفتح الباب أمام ميليشيا تابعة لأعداء مصر يمكن الاندساس من خلالها وإشاعة أقصى درجات الفوضى في المجتمع المصري.
هناك أطراف مجهولة تمارس القتل منذ الثورة وحتى الآن، وتعمل على سفك المزيد من الدم لتحقيق أهدافها في استمرار الانقسام بين المصريين، وهذه القوى هدفها واضح وهو منع مصر من تشكيل نظامها السياسي الجديد عبر الإرادة الشعبية، وهو يأتي نتيجة لتعميق الانقسام وتحويل الخلافات السياسية إلى صراعات وصدامات لا نهائية، تستنزف الجميع وتقضي على الأمل.
ومع هذا ورغم المرارة مما يحدث فإن الشعب المصري هو الضامن لإنجازات الثورة، والحامي لها، وهو الذي سيمنع القتلة الذين يستبيحون الدماء المعصومة من الاستمرار في هذه اللعبة الخطرة.
ما نقوله من باب النصح لإخواننا من السياسيين الذين ربما لا يتخيلون حجم الخطر.
وما نقوله أيضا، وبكل يقين هو أن مصر ستخرج بإذن الله من هذه المعارك "المفتعلة" منتصرة، وستمر من المحنة، وتنطلق صاعدة، كدولة قائدة للأمة العربية ورائدة للعالم الاسلامي.
مقالات عامر عبد المنعم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق