العائلات القضائية
فراج إسماعيل
اقتصار العمل في القضاء على عائلات القضاة أخطر من محاولة توريث حكم حسني مبارك لنجله جمال، لأننا نعني مؤسسة كاملة مسئولة عن تطبيق العدالة في المجتمع.
الحديث في هذه المسألة ليس جديدًا ولكن الأزمة الحالية أعادتها إلى الواجهة لنكتشف أرقامًا مذهلة حول توريث علنيٍّ وصريح لدرجة أن رئيس نادي قضاة إقليمي عين في المحكمة 20 من أقاربه يشتركون جميعهم في الاسم الرابع.
قبل ثورة 23 يوليو 1952 كانت وظائف معنية قاصرة على أبناء الباشوات والعائلات الارستقراطية، وليس مسموحًا لباقي الشعب سوى حد معين من التعليم، وهو ما كان يعرف بالتقسيم الطبقي الذي حرم الملايين من حقوقهم وحولهم إلى حياة العبيد.
في الثلاثين سنة الأخيرة التي حكم فيها نظام مبارك وصل التقسيم الطبقي إلى أسوأ حالاته بصورة لم تشهدها مصر في عصرها الملكي، وظهر ذلك بصورة فجة في السلك القضائي الذي استحوذت عليه عائلات معينة بالواسطة والمجاملات بغض النظر عن غياب الكفاءة وتدني شهادات التخرج.
إذا طلبت العدالة من قضاة جاءوا إلى المنصة بالتوريث فإن طلبك غالٍ جدًا، كأنك تريد لبن العصفور أو النوق العصافير!..
محاباة بعض القائمين على مؤسسة العدالة لأبنائهم وأقاربهم بتعيينهم قضاة ومستشارين دون وجه حق، فيه ظلم لمن توفرت فيهم شروط التفوق والكفاءة والصلاحية، لكن مشكلتهم الوحيدة أنهم أبناء البطة السوداء.
المسألة ليست تخفيض سن التقاعد فقط، بل يضاف إليها التوريث بما يحمله من معاني التمييز والعنصرية بالمخالفة للمادة للمادة 64 من الدستور التي تنص على واجب الدولة في إتاحة الوظائف العامة للمواطنين على أساس الجدارة دون محاباة أو وساطة، ومخالفة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون.
عندما تظاهر خريجو الحقوق أمام محكمة النقض وهتفوا "زند بيه يا زند بيه كان أبوك قاضي ولا إيه" فإنهم يبحثون عن حقوقهم، فلا يجوز أن يكون في مصر سادة وعبيد، أبناء بطة بيضاء وأبناء بطة سوداء.
في ظل دولة يحكمها القانون والدستور من العار أن نرى هذه التفرقة التي تنقص من قدر العدالة وتشوهها وتحولها إلى سلحفاة عرجاء.
أحمد يحيى المنسق العام لائتلاف خريجي الحقوق والشريعة والقانون قال في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" إن الائتلاف بصدد إعداد ملفات توريث بالقضاء المصري، تم تأكيدها بالمستندات.
في 12 فبراير الماضي نشرت صفحة (لا لتوريث أبناء المستشارين في الهيئات القضائية") بموقع الفيسبوك خبرًا عن اجتماع عقد في نادي القضاة بشامبليون ضم 21 من السادة المستشارين أولياء أمور مرشحين من خريجي دفعة 2010 حيث أبلغهم وكيل نادي القضاة بأن جميع أبناء المستشارين وعددهم 76 سيتم قبولهم بلا استثناء.
في 8 يناير نقلت الصفحة نفسها عن نبيل الوحش المحامي قوله لقناة الحافظ "إنه تم الانتهاء من إعداد دعوة لتقديمها إلى النائب العام لإلغاء قرار رئاسة الجمهورية بالتصديق على الدفعات الاستثنائية لأبناء القضاة والمستشارين الخاصة بتعيينهم وبالتبعية تضمن هذا القرار أبناء الزند الثلاثة".
وتحدث المستشار شوكت عز الدين باستئناف القاهرة سابقًا في تقرير صحفي عن الظاهرة بقوله "إذا أردنا القضاء على ظاهرة توريث القضاء فعلينا أن ننظر الطعون المرفوعة أمام مجلس الدولة من طلبة كلية الحقوق المتقدمين لوظائف بالنيابة العامة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة ومجلس الدولة نفسه، فكل أصحاب هذه الدعاوى على حق، لذلك سنكشف عن هذا التسيب إذا ما اتخذت الحكومة والتفتيش القضائي موقفًا واضحًا وشريفًا من المهزلة، فالقضاء الآن في أزمة حقيقية يحتاج من ينقذه من تلك الغمامة السوداء قبل فوات الأوان".
ما هو الحل؟.. التقرير ينسب للمستشار محمد رفعت رئيس نادى قضاة بنى سويف أنه "لا يجوز قانونًا استبعاد أعضاء النيابة الذين تم تعيينهم بتقدير مقبول واستبدالهم بالأوائل، حيث إنه تم تعيينهم بموجب قوانين (مفصلة) وللأسف لا يجوز الرجوع لها بأثر رجعي، وكما نعلم أن تلك القوانين كانت مفصلة للنظام السابق ولكن ما يجب فعله هو تعيين الكفاءات وطبقًا لمعايير التقديرات للأوائل من خريجي الحقوق وهذا موجود في الدستور الجديد".
من الخطر الكبير على مؤسسة العدالة عدم استبعاد المنضمين لسلك القضاة بالواسطة من الحاصلين على تقدير مقبول خلال العشرين سنة الماضية.
مهنة على درجة عالية جدًا من الحساسية لابد من معاملة المتسلقين عليها بأثر رجعي، فنحن لا نترك طبيبًا اكتشفنا بعد 20 سنة من ممارسته للطب وإجرائه عشرات العمليات الجراحية أنه خريج مدرسة تمريض!
farrag.ismail@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق