شرطان فى التجربة التركية.. لزرع التفاح
د. عبد العزيز قاسم
هل يمكن استنساخ تجربة طيب رجب أردوغان النهضوية في بلادنا العربية، والسعودية تحديدًا؟
كان هذا محور حديثني في برنامجي (حراك) بقناة (فور شباب)، وهو ما سأحاول أن أجيب عنه، لسادتي القراء في موقع وجريدة (المصريون) الغراء، عبر هذا السجال بيني وبين أستاذي أيام الجامعة..
ما زلت أتذكر بكثير من الحنين، مرحلة جامعة الملك عبد العزيز بجدة، ونحن ندرج في كلية العلوم العتيدة، في رواق قسم الرياضيات، حيث كنا نتهيب الدخول على رئيس القسم وقتذاك، لهيبته من جهته، ولعمقه العلمي في تخصصه، فأي أستاذ متمكّن من مادة تخصصه؛ سينعكس ذلك عليه في احترام وتقدير كبيرين، وهو ما جعلنا في سنوات عمرنا تلك؛ ننظر بكل الإعجاب لذلك الأستاذ الجامعي الفذّ، الذي لم يك يردّ أحدًا من الطلبة الذين يقصدونه، بل يتجاوب بكل رقيّ مع من يؤمّ مكتبه منا.
كان رئيس قسم الرياضيات وقتذاك أ.د. سالم سحاب، وهو الآن وكيل جامعة الملك عبد العزيز، وبالطبع هو يكتب من سنوات طويلة في صحيفة المدينة، وقد علق الأربعاء الماضي في زاويته الماتعة على حلقة برنامج (حراك) حيال نقل تجربة أردوغان في السكن للسعودية، ووصف ذلك النقل، كمن يزرع التفاح هنا في بيئتنا المحلية، وقال إن نقل التجربة التركية ممكن نظريًا، ولكنه عمليًا غير قابل أبدًا للاستنساخ في البيئة السعودية، وأنهى مقاله متهكمًا: "ربما نجحنا في زرع التفاح في بلادنا الحارة!!".
سأشهر أمام د. سالم كتابًا بديعًا، وأستعرض معه هنا بعض فصوله، وقد أهدانيه مؤلفه مشكورًا، الكتاب بعنوان: (التجربة النهضوية التركية: كيف قاد حزب العدالة والتنمية تركيا إلى التقدم) وهو للباحث التركي محمد زاهد جول، المجيد للغة العربية كتابة وتحدثًا، يقول جول إن تركيا تقلبت وتقاربت مع هويتها طيلة سنوات طويلة بالتدريج، فقد عدّل الدستور في عام 1961، في وصف الدولة من "تركيا جمهورية علمانية" إلى "تركيا دولة علمانية ديمقراطية"، وهذا التعديل المهم، أعطى فرصة للإسلاميين في تكوين أول حزب لهم (النظام الوطني) بقيادة شيخ الإسلاميين هناك، نجم الدين أربكان، في عام 1970، بعد محاولات عديدة ومريرة فاشلة.
يلفت انتباهنا الباحث القدير إلى أن أهمّ معالم التجربة الإسلامية التركية عند أربكان، والتي لم يلتفت إليها أحد في عالمنا العربي، التركيز على اقتصاد الصناعة، ونقل عن أربكان قوله: "لا يمكن التقدم من خلال السياحة أو الزراعة، من يقل ذلك فهو غافل عن الحقيقة، إن ما يلزمنا هو ثورة صناعية لتطوير الصناعات الثقيلة، فإذا لم نصنع نحن محركاتنا، ولم نصنع مصانعنا، فلن نتمكن من مقارعة الغرب"، وساق لنا الباحث بالأرقام والوقائع، ما حققه الأتراك في مجال الصناعة.
الكتاب شائق جدًا، وأحسن جدًا زميلنا الباحث، بتخصيص جزء مهم في نقل التجربة لنا، وقال إن خمسة شروط أمامنا لإمكانية استفادتنا -كدول عربية- من التجربة التركية، يأتي في مقدمتها: "تجديد الدماء، وإشراك الشباب، والثقة بالمجتمع وأفراده، إذ ما فائدة التعليم إذا كان المتعلمون لا يفهمون، ولا يمكن الثقة بآرائهم".
ثاني الشروط، كان في: "تثقيف المجتمع والفرد بأن السلطة هي لخدمة الشعب وليست مغنمًا"، وربما كان ثالث الشروط بالنسبة لكاتب السطور هو الأهم، إذ يحدده في: "سؤال الإنجاز هو الفيصل في تقويم المسؤولين، فلا يكفي الفصل، بل يجب التحقيق والعقوبة، في الحالات التي بها ضرر".
وهذا الشرط لو أخذنا به في بلادنا، لصلحت أحوالنا تمامًا، فالمسؤول فينا، عندما يتسنّم منصباً، سيقتعد الكرسي، وهو على معرفة تامة، بأن ثمة من يسائله عن أدائه وإنجازاته، وأنه إن لم ينجز في وزارته أو موقع عمله، سيقال فورًا، وسيحاسب.
الشرطان الباقيان، يتمثلان بـ"العمل المؤسسي وفق خطط مدروسة، ووصول نتائج النهضة لكل مواطن وكل بيت".
أعود لأستاذنا الدكتور سالم سحاب، لأقول له بأن في ملامح التجربة التركية، ليس في الإسكان وحسب، بل في مجالات شتى، ما يمكن أن نفيد منها في مجتمعنا، وإن كنت تترّست بحجّة أن التربة غير التربة، والمناخ غير المناخ، فما الذي يضيرنا من استصلاح التربة كي نزرع التفاح الذي ظلمته معك!
AZIZKASEM1400@GMAIL.COM
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق