الأحد، 15 ديسمبر 2013

الساعة «الأوميجا».. وعسكر.. وسياحة!


الساعة «الأوميجا».. وعسكر.. وسياحة!



الله يحظك يا «جزيرة»، «عملت مفاجأة لا كانت على البال ولا الخاطر» القناة المذكورة عوّدت الأمة والكرة الأرضية على بث شرائط «التسريبات» يوم الخميس أو الجمعة أسبوعيا. يجلس من يهمه التسريب على نار يوم الخميس ينتظر «الحفلة» العالمية التي تتبع بثه. يحضر «البامبرز» اللازم أبو 7 طبقات وأستك، يضعه حول شاشة التلفزيون عساه يوقف التسريب، لكن لا بامبرز نافع ولا صاروخ شافع، ينتهي الخميس فتزداد ناره، يحصل اللازم، والأمر المحتوم يوم الجمعة، تصير حكاية وتبقى ليلة يا عمدة!
خميس وراء خميس وجمعة تجر جمعة وتكون فرجة أمام الأمم.. شفت التسريب الجديد؟ لأ.. يبقى فاتك نص عمرك.. يا عم ما أنا هشوفه في الإعادة.. بس بذمتك إيه رأيك في الجملة الأخيرة.. لأ أول جملة في التسريب اللي فات كانت أقوى.. طيب تتوقع التسريب الجاي فيه إيه.. التسريب الجاي.. التسريب الجاي.. مش عارف.. عموما يا تسريب على الجزيرة بفلوس بكره يبقى على يوتيوب ببلاش.. وبعدين سيبني دلوقتي أصل الواد ابني لسه مسرب عليا امبارح.. واضح أنها بقت موضة في البلد والعيال ماشيين على النهج القومي واتعلمت الحكاية دي.. يعملوها الكبار ويقعوا فيها الصغار!
لكن «الجزيرة» باغتت هواة التسريبات، وأذاعتها الأربعاء الماضي، وشغلت العالم بتسريب لذيذ عن أحلام سعيدة جدا لم نسمع مثلها من قبل.
 التسريبات عموما أصبحت مصدر بهجتي وتسليتي الوحيدة هذه الأيام.. من زمان لم أعد أفتح «موجة كوميدي» أو «روتانا سينما مش هتقدر تغمض عينيك».. الدنيا اختلفت.. دخلنا عصر «اغمز بعنيك».
لا أستطيع أن أفرق بين تسريب وآخر.. كلهم في الكوميديا السياسية سواء.. لكن تسريب حلم «الساعة الأوميجا» خطير جدا.. جدا جدا. إنه ذكرني بمساخر سياسية وكوميدية قديمة تكشف عن تفكير «الدولة المعسكرة».
قبل نحو 10 سنوات ذهبت مع زميل مصور ومسؤولة الإعلانات في المجلة التي كنت أعمل بها أيامها، إلى إحدى المحافظات السياحية لعمل ملف عن السياحة هناك.
 الملف كان يتضمن مادة إعلانية عن القرى السياحية في المحافظة، لم أكن أعرف وقتها «سيادة اللواء المحافظ»، لكن السؤال الذي ألح على بالي: لماذا لواء لمحافظة سياحية.. هل يفهم في السياحة ولديه رؤية لتطويرها.. هل هو خبير في التسويق السياحي.. أم أن كل خبرته السياحية أنه زار مع الأولاد الأهرام وأبوالهول؟!
لم أجد إجابة.. الوحيد الذي يعلم إمكانات هذا الرجل شخص واحد فقط اسمه حسني مبارك، كان المخلوع يضمن ولاء رجال الجيش بتعيينهم في وظائف مهمة بعد خروجهم على المعاش، محافظ، أو رئيس مجلس مدينة، أو رئيس شركة قابضة، أو جهاز محاسبي، أو رقابي.
 بالتالي كان الجميع يصمت على أي فساد في الدولة انتظارا لمكافأة ما بعد الخدمة التي تدر عليه «شيء وشويات» مصحوبة بمظاهر أبهة لم يعشها في حياته.
في بداية التعارف مع المحافظ لاحظت أنه يوبخ مساعديه ومعاونيه في الهاتف بشتائم مقذعة.. عندما لاحظ دهشتي قال: ما تستغربش.. أصلي أول ما جيت مشيت جميع رؤساء مجالس المدن وجبت بدالهم زملائي السابقين في العسكرية اللي كانوا تحت إيدي.. يعني أشتمهم براحتي ويستحملوا!!
بتكرار لقاءاتي مع سيادة اللواء المحافظ، اكتشفت طبيعته وطريقة تفكيره التي استمدها من حياة «الميري» ولا تعرف غير تنفيذ الأوامر، وإلا فالبديل هو «أورنيك الذنب» عندما بدأنا جولتنا في القرى السياحية لعمل الملف، كان أصحاب بعضها يرفضون الإعلان في مجلتنا - ومعهم حق- فهي تصدر بالعربية، بينما زبائنهم من الدول الأوروبية, ولن يروا أساسا تلك المجلة، وبالتالي فالإعلان بها بلا فائدة.
 لكن زميلتي مسؤولة الإعلانات لم تكن تصمت, ترفع الموبايل وتتصل بسيادة اللواء المحافظ، فيتصل بدوره بصاحب القرية مهددا: «هتعمل الإعلان ولا أقطع عنكم الميه والكهرباء!!»
كان المسكين يرضخ مجبرا ويخسر مبلغ الإعلان، وإلا حلت عليه لعنة المحافظ، كنت أتعجب من سر مجاملة سيادة اللواء لزميلتنا، حتى عرفت أن والدها كان لواء أيضا، وزميلا لسيادة المحافظ.. مفيش مشكلة اللواءات لبعضيهم!
كان المحافظ يقابلنا كل ليلة تقريبا على العشاء بعد انتهاء عمله، نتجاذب أطراف الحديث، كالعادة عندما يتكلم تظن أنه في ثكنة عسكرية، على الجميع أن يصمت، ثم يشيد بحكمة وحنكة سيادته، وهي المهمة التي كان ينفذها باقتدار زميلي المصور وزميلتي مسؤولة الإعلانات, كنت أحيانا أكتم الضحك من تحليلاته وآرائه التي تنتمي لفصيلة «الفكاكة».
ذات مرة استدعى «صاحب أكبر شركات عقارات في المحافظة» -حسب تعبيره- لنجري حوارا عن مشروعاته، ودوره في خدمة الإسكان بالمحافظة.
 حضر صاحبنا فوجدناه مقاولا بائس المظهر، نهره سيادة المحافظ بشدة: إيه القرف ده.. روح استحمه والبس كويس وتعالى عشان هتتصور في المجلة.
ذهب «رجل الأعمال الكبير» نفذ الأوامر سريعا وعاد.. أجرينا معه الحوار فكان المحافظ يلقنه الإجابات، بعد ذلك عرفت أن ذلك «المقاول» هو مجرد واجهة أسس له المحافظ الشركة، وأسند إليها تنفيذ مشروعات الإسكان، بينما عائدها يعود لجيب المحافظ ذات نفسه.. يجعله عامر!!
لم يكن الأمر يختلف عند رؤساء مجالس المدن الذين التقيناهم.. هم كما ذكرت عسكر مثل قائدهم المحافظ، فعلوا مثله، وجلبوا معاونين لهم من زملائهم السابقين بالمعسكرات حتى «يشتموهم براحتهم»..
 أظرفهم كان ذا شارب يقف عليه الصقر، في مكتبه كان يتحدث بعفوية، لما بدأنا تسجيل الحوار الصحافي، قام فجأة وقال: «لأ.. استنى شوية.. الحوار له أصوله»، ثم خلع جاكت «البدلة»، الأمر الذي أثار ريبتي مع زميلي المصور وزميلتي مسؤولة الإعلانات التي كانت ملابسها تكشف أكثر مما تخفي.. نظرت للاثنين ولسان حالي: «سيادته هيعمل فينا إيه وتحديدا بمسؤولة الإعلانات؟!». لكن الرجل كان حسن النية، فتح مكتبة في ركن الحجرة، وأتى منها برابطة عنق، وقال وهو يرتديها، صورة الحوار لازم تكون رسمية بكرافتة، مش كدا الأصول ولا إيه.
جلس منتشيا وبدأنا التسجيل، لاحظت أنه يحاول ارتداء ثوب الجدية، وقد ظن نفسه مثل جورج بوش الابن -وكان ملء السمع والبصر أيامها- وهو يجيب عن أسئلة محطة «CNN»..
 سألته عن خطته للنهوض بالمدينة، فأجاب: «بص بقى.. أنا أول ما جيت وضعت خطة بنت....... كلب للتطوير.
 وكنت أنزل بنفسي في حملات إزالة الإشغالات من الطريق.. ولو قابلني واحد مخالف أقوله امشى يا........ أمك من هنا، ولا كان يهمني».
ثم استطرد بخفة ظل: طبعا الكلام والشتايم دي مش هتنزل في المجلة، و «تفلتروها» طبعا.. فطمأناه: طبعا.. طبعا!
بعد الحوار الذي لم أستطع خلاله أن أتوقف عن الضحك بسبب تعبيراته وأسلوبه الذي كان يبدأ جادا، وينتهي هزليا، قرر اصطحابنا ليتفقد معنا القرى والفنادق بنفسه. وقفت وقلت له: اتفضل يا سيادة اللواء، لكنه كعادته راح فجأة إلى ركن الغرفة وخلع الكرافتة والجاكت، وارتدى نظارة شمسية و «كاب»، وقال وهو أمام المرآة يهذب شاربه: «مش اتفقنا إن كل حاجة وليها اللي يناسبها». وأضاف: هناك سياح من كل حته.. وبرضه الأمر ما يسلمش.. ممكن نقابل سايح ولا سايحة فالواحد يكون مستعد لو محتاجة حاجة عشان يعرفوا إننا مش معقدين والمسؤول عندنا كاجوال!
هذا هو نمط وتفكير من يتركون أقدس وأشرف مهمة وهي الدفاع عن الوطن، ويعملون في مناصب ليسوا مؤهلين لها.
إذا كنتم يا أهل مصر تريدون مثل لهذه النماذج أن تحكمكم فـ «بالهنا والشفا».. اشربوهم وفوضوهم واحضنوهم.
منها لله الساعة «الأوميجا» فكرتني بالذي مضى!!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق