الأحد، 8 ديسمبر 2013

الدولة البوليسية تُشهر أنيابها كل يوم

الدولة البوليسية تُشهر أنيابها كل يوم
ياسر الزعاترة

مضت خمسة شهور على انقلاب السيسي، ومثلها على خريطة الطريق التي أعلنت في ذلك الوقت، وما زال الانقلاب يسفر عن وجهه أكثر فأكثر، في الوقت الذي يحاول فيه البحث عن وجه مدني للحكم العسكري.
منذ اليوم الأول للانقلاب، بل قبل ذلك، قلنا إن ما سيجري هو عملية استعادة لحكم مبارك من حيث ديمقراطية الديكور التي لا مضمون فيها غير الانتخابات بكل أصنافها، والتي تجري برمجتها على نحو يبقي الوضع على حاله، ونتذكر أن الهيكل الخارجي لديمقراطية مبارك لم يكن يختلف كثيرا عن الديمقراطية السويسرية!!
لكن ذلك لم يكن غير هيكل بلا مضمون، تماما كما كان عليه الحال في تونس واليمن ودول أخرى.
لكن ما دفعنا إلى توقع أن تكون الدولة بوليسية أكثر بكثير من دولة مبارك، رغم الهيكل الديمقراطي الذي تجري صياغته بعناية، هو حقيقة معروفة في عالم السياسة، وتتمثل في أن من المستحيل على نظام سياسي -أي نظام- أن يؤسس دولة تحترم الحريات، ولو بتعددية مشوّهة؛ في الوقت الذي يقمع ويطارد فيه أكبر قوة سياسية منظمة في البلاد.
مثل هذه العملية من الملاحقة لأكبر قوة سياسية منظمة في البلاد، فضلا عن أن يطال القمع من يؤيدونها أيضا، سيفضي بالضرورة إلى عسكرة المجتمع، بل ملاحقة الأيديولوجيا التي تنتمي إليها تلك القوة، وهو ما حصل على سبيل المثال في تونس التي اضطر فيها النظام لكي يقمع أكبر قوة سياسية ممثلة في حركة النهضة، اضطر إلى اختراع سياسة تجفيف الينابيع التي تستهدف التدين من حيث أتى، حتى باتت القيود تلاحق الناس في المساجد، فيما اضطر بعد ذلك إلى قمع حتى القوى اليسارية والعلمانية التي تحالفت معه، والنتيجة هي عسكرة المجتمع برمته.
قبل أسابيع، وجّه المفكر الأميركي (اليساري) المعروف نعوم تشومسكي كلمة إلى من أسماهم أصدقاءه العلمانيين واليساريين، قائلا لهم إنهم سيكونون من أول ضحايا الانقلاب، وإذا كان ذلك لم يحدث إلى الآن، ولا يتوقع أن يحدث في المدى القريب، فإن الأمر يعود إلى استمرارهم في الدفاع عن الانقلاب من باب النكاية مع الإخوان، وسكوتهم عن أسوأ ممارساته؛ أكثرهم في أقل تقدير، بدليل بداية استهداف من رفع صوته منهم، بوسائل مختلفة.
لا حاجة هنا إلى الكثير من التنقيب في المشهد السياسي المصري لكي نرى ذلك النزوع المحموم نحو الدولة الأمنية البوليسية، والتي جاءت حكاية التحصين في الدستور (تحصين القوات المسلحة)، ومن بعدها قانون التظاهر الشهير، لتؤكده على نحو مفضوح.
ولا تسأل قبل ذلك عن مسلسل الاعتقالات والقمع (فضلا عن القتل والمجازر) الذي يستعيد الدولة الأمنية في أسوأ عصور القمع، وحيث يمكن اتهام رجل كبير مثل المستشار محمود الخضيري، بتعذيب «محامٍ» في رابعة العدوية، وهو رجل جاوز السبعين، ومعه إعلامي مشهور مثل أحمد منصور.
ولا تسأل بعد ذلك عن الحكم على 14 فتاة بالسجن 11 عاما(قبل تخفيفها إلى سنةمع إيقاف التنفيذ)، لمجرد التظاهر ورفع شعار رابعة؛ في واقعة لم تشهدها المحاكم المصرية، ربما في تاريخها.
ما يجري في الجامعات، وفي الشارع من قمع، ومعه القوانين، والدستور المفصّل على مقاس السلطة الأمنية والعسكرية (وضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فوق الشعب والرئيس والبرلمان، ووضع الرئيس فوق مجلس الشعب)، كل ذلك يؤكد ما ذهبنا إليه من أن ما يجري هو تكريس للسلطة الأمنية المجنونة، ولا صلة له البتة بما قيل عن استكمال ثورة يناير التي أصبحت تهمة،
وها إن كثيرا من ناشطي ثورة يناير؛ حتى من خصوم الإخوان يهربون من البلاد أو يلتزمون الصمت خوفا من سياط القمع، في بلد أصبحت التهم فيه تلفق للناس على نحو مثير للسخرية، فيما القضاء مجرد تابع يعمل في بلاط الانقلاب، وفيما يتوفر إعلام يكذب على نحو مثير للازدراء، بل الاحتقار، ويمكنه أن يبرر أي شيء للسلطة، بل يواصل حملة تأليه لشخص متواضع الإمكانات اسمه السيسي، فيما تغيب الأصوات الناقدة أو تغيب، كما حصل مع باسم يوسف، وآخرين في وسائل الإعلام حاولوا التحدث أو الكتابة بتوازن بعض الشيء.
إنها مأساة تتحرك أمام أعين الجميع، فيما تحظى بدعم من دول عربية يسكنها الخوف من ربيع العرب، ومن الإسلاميين، وبدعم أكبر من الولايات المتحدة التي أعلنت موقفها بشكل مفضوح إلى جانب الانقلاب.
وفيما يصرُّ مناهضو الانقلاب على الاحتجاج رغم شراسة القمع؛ في بسالة منقطعة النظير، مع ملامح تصدع في جبهة مؤيدي النظام، فإن إمكانية كسره (أي الانقلاب) لا تزال صعبة، والأرجح أن الأمر سيستغرق مزيدا من الوقت حتى تدرك الفئة التي تطبّل للانقلاب بحسن نية (الآخرون حكاية مختلفة) أن ما يجري لا ينتمي لمصالح الشعب والوطن (ضياع الدور المصري وتبعية مصر لدول أخرى أقل شأنا سيكون حافزا أيضا)، وحتى يخرج من شرّعوا الانقلاب من القوى السياسية من حالة النكاية التي سكنتهم وأفقدتهم رشدهم، ويبدأ الناس في التجمع حول برنامج استعادة ثورة 25 يناير المسروقة، وصولا إلى 
استعادتها، ولو بعد حين.

ياسر الزعاترة

http://twitter.com/yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق