مبادرة طنطاوي بين الرفض والتخوين!
سليم عزوز
لماذا لم يتخذ نظام عبد الفتاح السيسي؛ إجراء ضد النائب الشاب أحمد طنطاوي؟!
سؤال تم طرحه بعد إعلان النائب المذكور؛ مبادرته بالانتقال السلمي للسلطة، وهو سؤال احتوى في طياته على اتهام النائب بأنه يؤدي دوراً مطلوباً منه، ومن جماعة القاعدين على منصات التواصل الاجتماعي، الذين يؤذيهم أن يفكر الآخرون بشكل عملي، وهم من صاروا عقبة أمام التخلص من الحكم المستبد، ويحققون بأدائهم أهداف الانقلاب العسكري في البقاء. ومنهم من يدرك ذلك، فهم دسائس أمنية في معسكر رفض الانقلاب، ومنهم من يشهر سلاح التخوين والتشكيك في كل فعل، بحسن نية، والطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة!
لم يتب حسنو النية من استخدام هذا المنهج الذي تبين خطؤه، وأعطى دفعة قوية لنظام السيسي للاستمرار في الحكم. فلا ننسى لهم كيف أن نظرية المؤامرة سيطرت عليهم، حد أنهم تحولوا لحالة مرضية، وصنعت منهم عاهات مستديمة، عندما أصروا على أن المقاول والفنان محمد علي، جاء مدفوعاً بإرادة جناح في السلطة يخطط للانقلاب العسكري على السيسي، ويبحث عن غطاء شعبي لذلك، وكانت الدعاية بأن السيسي هرب للخارج، وأن الفريق أول محمد زكي وزير الدفاع جاهز لاستلام السلطة، واندفعوا في اتجاه التأويل وتحميل الأمور أكثر مما تحتمل. إن جلسة محمد زكي في اللقاء الأخير للسيسي هي نفسها جلسة عبد الفتاح السيسي في اللقاء الأخير مع الدكتور محمد مرسي. إذن، هو الانقلاب العسكري بشحمه ولحمه، وهذه ملامحه الأولية، وبح صوتي وأنا أقول إن زكي لا يمكنه الانقلاب على السيسي؛ لأنه أضعف من يفعل هذا، فلا انقلاب هناك ولا يحزنون، لكن عندما تخرج الجماهير للشوارع فهي من تحمل قادة الجيوش على التحرك!
وعندما خرج الآلاف للشوارع في يوم كانت فيه الطريق ممهدة للثورة، أحجم كثيرون باعتبار أن انقلابا سيجري، وأنه سيتم استبدال عسكري بعسكري، وفُسر ارتباك جهاز الأمن في البداية، وقد فوجئت الأجهزة الأمنية بهذا الحضور غير المتوقع، بأنه كاشف عن صحة ما ذهبوا إليه، ولم يغيروا هذه القناعة بعد اعتقال المئات، والاعتداء على المتظاهرين بعد ساعات من هذا الحراك الجاد!
لماذا لم ينزل الجيش؟
وقد وضع أصحاب نظرية المؤامرة الهدف، ثم ذهبوا يبحثون عن ما يؤكده فيكون السؤال: ولماذا لم ينزل الجيش إذا لم يكن هناك انقلاب مرتب له؟ وقد رددت على السؤال أكثر من مرة بسؤال: وهو هل هناك طلب بنزول الجيش تم التمرد عليه؟!
وانتهت هذه الفرصة، التي لم نغتنمها بسبب هؤلاء المتنطعون أدعياء الوعي، وهم حالة غباء مستحكمة، وقد عادوا من جديد مع مبادرة النائب أحمد طنطاوي، فرموه بذات الاتهام الذي رموا به المقاول محمد علي: إنه مدفوع للقيام بهذا الدور، ليكون هذا هو اللحن المتكرر أما تنويعاته، فتتمثل في حالة محمد علي بأنه مدفوع من جناح في الحكم انتهى من وضع اللمسات الأخيرة للانقلاب العسكري. أما في حالة طنطاوي فمن يقف خلفه هو السيسي نفسه، وكان دليلهم على ذلك، أنه يعطيه مهلة لثلاث سنوات، لا يحق له بعدها الترشح، وكأن الثورة تقرع الأبواب، فيتم إجهاضها بهذا الطلب، وليفوت السيسي الفرصة على من يحاصرون قصره ويطلبونه بالرحيل الآن!
ويبدو أن من يتبنون هذه النظرية يتحدثون بكلام منطقي، عندما طرح هذا السؤال القنبلة: ولماذا لم يتم انتقام السلطة من النائب طنطاوي، إذا لم يكن السيسي يقف خلف العرض بأن يمهلوه ثلاث سنوات بينما الثورة تقرع باب القصر الجمهوري؟!
نظرية مملة، لم يملها أصحابها، ومن قبل طرحت في مواجهة منتصر الزيات، وحسن نافعة، وحازم حسني، ويحيي حسين، ويحيي القزاز، ومعصوم مرزوق وغيرهم.. فكيف يُتركون دون اعتقال، ومنهم من يسافر ومع ذلك لا يمنع من السفر؟ والهدف هو التشكيك فيهم.. انظر كيف قالوا إن حسن نافعة هو رجل المخابرات في مصر، وفي كل مرة يتم اعتقال أحدهم لا يعتذر أصحاب هذه النظرية عن التشكيك فيه، بل إنهم يبحثون دائما عن ما يدعم موقفهم الذي يشكك في الجميع، ويطعن حركة النضال السياسي في الظهر!
سراب بقيعة
ومما قيل بعد حركة محمد علي، إن الاعتقال حازم حسني وحسن نافعة، تم بهدف تدشينهم زعماء لمرحلة الانقلاب الجديد، فيكون هذا الاعتقال هو كفارة للذنوب التي ارتكبت في حق الثورة!
فإذا بالانقلاب الجديد يتبين أنه سراب بقيعة، وإذا بقرارات النيابة هي التجديد المتواصل لحسني ونافعة، ولا أحد من "الفرقة الناجية" يعترف بخطئه في عملية تدمير الناس، ما داموا ليسوا من شيعتهم، وكل فرقة من فرق السياسة في مصر ترى نفسها هي الفرقة الناجية، وأن غيرها في النار. وشعار كل فرقة إما أن يكون النصر على أيدينا أو لا نصر، وهذا هو "بيت القصيد"، و"مربط الفرس"، فالتشكيك في الأشخاص والنوايا يأتي مدفوعاً بهذه السياسة العقيمة، التي تخدم أهداف السيسي في البقاء والاستمرار!
وعموماً، ففي اليوم التالي لإطلاق طنطاوي مبادرته، ثبت للأعمى أنه لم يطلقها خدمة للسيسي، فها هم يحيلونه للجنة القيم بمجلس النواب، وربما يسقطون عضويته، وإذا فصلوه فلن يكون له حق الترشح للدورة الجديدة، وإذا لم يفعلوا فمن المؤكد أنه لن يكون نائباً في البرلمان الجديد.. أيضاً لا أحد يعتذر عن الكلام الذي "يسمم الأبدان"!
إن المعركة اتسعت الآن لتشمل مصر كلها، فليست معركة بين الشرعية والانقلاب، وليست بين الثورة والثورة المضادة، بل صارت بين مصر بكل أطيافها وبين من يمثل خطراً على حاضرها ومستقبلها وعلى أمنها القومي، وهو ينفرد بالسيطرة على مؤسسات القوة، ولن يردعه من إساءة استخدامها سوى الحضور الجماهيري الحاشد!
ومن بين المصريين من ينتمون للدولة القديمة، ومنهم من كانوا مع الانقلاب ضد إرادة الشعب، ومنهم هم يعد ولاؤهم لثورة يناير وحدها!
ومع هذا التنوع وفي مواجهة هذا الخطر، ينبغي احترام كل اجتهاد، مع الحق في الاختلاف معه، من باب الخلاف في الرأي وليس بالتشكيك في صاحبه، فكل من يدرك خطر السيسي ويعمل على إزاحته ينبغي أن يرحب به وبمبادراته، مع تقرير الحق في الاختلاف معها.
الأزمة الحقيقية أن البعض يرى أن السيسي قد يفكر في الخروج الآمن، وهو تصور قاصر، فالسيسي ليس مبارك، وكانت جرائم مبارك الواضحة ضد جماعات لم تمثل عصب الثورة، وقد أقدمت على مراجعات أنهت بها حالة الثأر القديم، وذلك على العكس من السيسي فلا يزال الدم ساخناً، والعداء له في كل بيت، وهو يدرك أن تركه للسلطة سيفتح الباب لمحاكمته ولو حصل على وعد بغير ذلك، فهو يدرك أنه وعد مؤقت، ينتهي أثره بمغادرته الحكم، ولو سافر خارج البلاد، فلن يكون في مأمن من تحرك قوى دولية، لمحاكمته، من باب التقرب للشعب المصري، أو لإعلان ولائها لمبدأ حقوق الإنسان، وقد سقط الغرب في امتحان الديمقراطية في مصر، وربما يجدها فرصة للعودة للمناورة من جديد، لغسيل سمعته!
المناورة
ولا يمكن للسيسي أن يناور في مسألة بقائه في الحكم، فاليوم الذي يقرر فيه أنه سيغادر قبل ما منحه لنفسه من سنوات في الحكم بالتعديلات الدستورية، سيكون قد أعلن ضعفه للناس، فكيف يمكن تصور أنه طلب انتهاء حكمه بعد ثلاث سنوات، بحسب ما جاء في مبادرة طنطاوي، ولو على سبيل المناورة؟
إن علينا أن ندرك أن النائب طنطاوي ناصري، والناصريون ليسوا ضد الاستبداد أو حكم العسكر، وربما ملاحظاته عليه هي في درجة الاستبداد وفي قضيتي التفريط والفساد!
وعلينا إدراك أن من بين المصريين من يرون المشكلة في السيسي فقط!
كما أن الديمقراطية ليست القضية الجوهرية أو الموضوع الأصلي للسواد الأعظم من القوى السياسية.
وهي دائرة تتسع لاجتهاد المجتهدين، ولو كان الخيار بيدي لاختارت ثورة كاملة، تعيد الجيش لثكناته، وتنهي مرحلة حكم العسكر تماما، وتعيد السيادة للشعب، لكن مع هذا لا يمكنني أن أسفّه من يتحركون وهم تحت القصف، وبمطالب الحد الأدنى!
تخشى من أن يلمع نجم أحمد طنطاوي فيكون مرشحا للرئاسة.. اطمئن، فعندما يسقط السيسي ستجد زعامات جديدة، ووجوها لم تألفها، وبدائل لم تكن على جدول الأعمال. وقد ترى الجماهير نفسها قد تجاوزت الوجوه التي ألفتها في زمن الاستبداد!
كان البرادعي هو بديلنا في زمن مبارك، فعندما قامت الثورة، تم طي صفحته!
وكان عمرو موسى هو رمز الشموخ الوطني، فلما صار الوطن شامخاً كان ترتيبه متأخراً في الانتخابات الرئاسية!
وكان تولي عمر سليمان منصب نائب رئيس الجمهورية، يعني أن مصر في الطريق الصحيح، فلما خرجت الجماهير، لم تر فيه أي قيمة وطنية.
إن الحرية لها مزاجها المختلف.
سؤال تم طرحه بعد إعلان النائب المذكور؛ مبادرته بالانتقال السلمي للسلطة، وهو سؤال احتوى في طياته على اتهام النائب بأنه يؤدي دوراً مطلوباً منه، ومن جماعة القاعدين على منصات التواصل الاجتماعي، الذين يؤذيهم أن يفكر الآخرون بشكل عملي، وهم من صاروا عقبة أمام التخلص من الحكم المستبد، ويحققون بأدائهم أهداف الانقلاب العسكري في البقاء. ومنهم من يدرك ذلك، فهم دسائس أمنية في معسكر رفض الانقلاب، ومنهم من يشهر سلاح التخوين والتشكيك في كل فعل، بحسن نية، والطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة!
لم يتب حسنو النية من استخدام هذا المنهج الذي تبين خطؤه، وأعطى دفعة قوية لنظام السيسي للاستمرار في الحكم. فلا ننسى لهم كيف أن نظرية المؤامرة سيطرت عليهم، حد أنهم تحولوا لحالة مرضية، وصنعت منهم عاهات مستديمة، عندما أصروا على أن المقاول والفنان محمد علي، جاء مدفوعاً بإرادة جناح في السلطة يخطط للانقلاب العسكري على السيسي، ويبحث عن غطاء شعبي لذلك، وكانت الدعاية بأن السيسي هرب للخارج، وأن الفريق أول محمد زكي وزير الدفاع جاهز لاستلام السلطة، واندفعوا في اتجاه التأويل وتحميل الأمور أكثر مما تحتمل. إن جلسة محمد زكي في اللقاء الأخير للسيسي هي نفسها جلسة عبد الفتاح السيسي في اللقاء الأخير مع الدكتور محمد مرسي. إذن، هو الانقلاب العسكري بشحمه ولحمه، وهذه ملامحه الأولية، وبح صوتي وأنا أقول إن زكي لا يمكنه الانقلاب على السيسي؛ لأنه أضعف من يفعل هذا، فلا انقلاب هناك ولا يحزنون، لكن عندما تخرج الجماهير للشوارع فهي من تحمل قادة الجيوش على التحرك!
وعندما خرج الآلاف للشوارع في يوم كانت فيه الطريق ممهدة للثورة، أحجم كثيرون باعتبار أن انقلابا سيجري، وأنه سيتم استبدال عسكري بعسكري، وفُسر ارتباك جهاز الأمن في البداية، وقد فوجئت الأجهزة الأمنية بهذا الحضور غير المتوقع، بأنه كاشف عن صحة ما ذهبوا إليه، ولم يغيروا هذه القناعة بعد اعتقال المئات، والاعتداء على المتظاهرين بعد ساعات من هذا الحراك الجاد!
لماذا لم ينزل الجيش؟
وقد وضع أصحاب نظرية المؤامرة الهدف، ثم ذهبوا يبحثون عن ما يؤكده فيكون السؤال: ولماذا لم ينزل الجيش إذا لم يكن هناك انقلاب مرتب له؟ وقد رددت على السؤال أكثر من مرة بسؤال: وهو هل هناك طلب بنزول الجيش تم التمرد عليه؟!
وانتهت هذه الفرصة، التي لم نغتنمها بسبب هؤلاء المتنطعون أدعياء الوعي، وهم حالة غباء مستحكمة، وقد عادوا من جديد مع مبادرة النائب أحمد طنطاوي، فرموه بذات الاتهام الذي رموا به المقاول محمد علي: إنه مدفوع للقيام بهذا الدور، ليكون هذا هو اللحن المتكرر أما تنويعاته، فتتمثل في حالة محمد علي بأنه مدفوع من جناح في الحكم انتهى من وضع اللمسات الأخيرة للانقلاب العسكري. أما في حالة طنطاوي فمن يقف خلفه هو السيسي نفسه، وكان دليلهم على ذلك، أنه يعطيه مهلة لثلاث سنوات، لا يحق له بعدها الترشح، وكأن الثورة تقرع الأبواب، فيتم إجهاضها بهذا الطلب، وليفوت السيسي الفرصة على من يحاصرون قصره ويطلبونه بالرحيل الآن!
ويبدو أن من يتبنون هذه النظرية يتحدثون بكلام منطقي، عندما طرح هذا السؤال القنبلة: ولماذا لم يتم انتقام السلطة من النائب طنطاوي، إذا لم يكن السيسي يقف خلف العرض بأن يمهلوه ثلاث سنوات بينما الثورة تقرع باب القصر الجمهوري؟!
نظرية مملة، لم يملها أصحابها، ومن قبل طرحت في مواجهة منتصر الزيات، وحسن نافعة، وحازم حسني، ويحيي حسين، ويحيي القزاز، ومعصوم مرزوق وغيرهم.. فكيف يُتركون دون اعتقال، ومنهم من يسافر ومع ذلك لا يمنع من السفر؟ والهدف هو التشكيك فيهم.. انظر كيف قالوا إن حسن نافعة هو رجل المخابرات في مصر، وفي كل مرة يتم اعتقال أحدهم لا يعتذر أصحاب هذه النظرية عن التشكيك فيه، بل إنهم يبحثون دائما عن ما يدعم موقفهم الذي يشكك في الجميع، ويطعن حركة النضال السياسي في الظهر!
سراب بقيعة
ومما قيل بعد حركة محمد علي، إن الاعتقال حازم حسني وحسن نافعة، تم بهدف تدشينهم زعماء لمرحلة الانقلاب الجديد، فيكون هذا الاعتقال هو كفارة للذنوب التي ارتكبت في حق الثورة!
فإذا بالانقلاب الجديد يتبين أنه سراب بقيعة، وإذا بقرارات النيابة هي التجديد المتواصل لحسني ونافعة، ولا أحد من "الفرقة الناجية" يعترف بخطئه في عملية تدمير الناس، ما داموا ليسوا من شيعتهم، وكل فرقة من فرق السياسة في مصر ترى نفسها هي الفرقة الناجية، وأن غيرها في النار. وشعار كل فرقة إما أن يكون النصر على أيدينا أو لا نصر، وهذا هو "بيت القصيد"، و"مربط الفرس"، فالتشكيك في الأشخاص والنوايا يأتي مدفوعاً بهذه السياسة العقيمة، التي تخدم أهداف السيسي في البقاء والاستمرار!
وعموماً، ففي اليوم التالي لإطلاق طنطاوي مبادرته، ثبت للأعمى أنه لم يطلقها خدمة للسيسي، فها هم يحيلونه للجنة القيم بمجلس النواب، وربما يسقطون عضويته، وإذا فصلوه فلن يكون له حق الترشح للدورة الجديدة، وإذا لم يفعلوا فمن المؤكد أنه لن يكون نائباً في البرلمان الجديد.. أيضاً لا أحد يعتذر عن الكلام الذي "يسمم الأبدان"!
إن المعركة اتسعت الآن لتشمل مصر كلها، فليست معركة بين الشرعية والانقلاب، وليست بين الثورة والثورة المضادة، بل صارت بين مصر بكل أطيافها وبين من يمثل خطراً على حاضرها ومستقبلها وعلى أمنها القومي، وهو ينفرد بالسيطرة على مؤسسات القوة، ولن يردعه من إساءة استخدامها سوى الحضور الجماهيري الحاشد!
ومن بين المصريين من ينتمون للدولة القديمة، ومنهم من كانوا مع الانقلاب ضد إرادة الشعب، ومنهم هم يعد ولاؤهم لثورة يناير وحدها!
ومع هذا التنوع وفي مواجهة هذا الخطر، ينبغي احترام كل اجتهاد، مع الحق في الاختلاف معه، من باب الخلاف في الرأي وليس بالتشكيك في صاحبه، فكل من يدرك خطر السيسي ويعمل على إزاحته ينبغي أن يرحب به وبمبادراته، مع تقرير الحق في الاختلاف معها.
الأزمة الحقيقية أن البعض يرى أن السيسي قد يفكر في الخروج الآمن، وهو تصور قاصر، فالسيسي ليس مبارك، وكانت جرائم مبارك الواضحة ضد جماعات لم تمثل عصب الثورة، وقد أقدمت على مراجعات أنهت بها حالة الثأر القديم، وذلك على العكس من السيسي فلا يزال الدم ساخناً، والعداء له في كل بيت، وهو يدرك أن تركه للسلطة سيفتح الباب لمحاكمته ولو حصل على وعد بغير ذلك، فهو يدرك أنه وعد مؤقت، ينتهي أثره بمغادرته الحكم، ولو سافر خارج البلاد، فلن يكون في مأمن من تحرك قوى دولية، لمحاكمته، من باب التقرب للشعب المصري، أو لإعلان ولائها لمبدأ حقوق الإنسان، وقد سقط الغرب في امتحان الديمقراطية في مصر، وربما يجدها فرصة للعودة للمناورة من جديد، لغسيل سمعته!
المناورة
ولا يمكن للسيسي أن يناور في مسألة بقائه في الحكم، فاليوم الذي يقرر فيه أنه سيغادر قبل ما منحه لنفسه من سنوات في الحكم بالتعديلات الدستورية، سيكون قد أعلن ضعفه للناس، فكيف يمكن تصور أنه طلب انتهاء حكمه بعد ثلاث سنوات، بحسب ما جاء في مبادرة طنطاوي، ولو على سبيل المناورة؟
إن علينا أن ندرك أن النائب طنطاوي ناصري، والناصريون ليسوا ضد الاستبداد أو حكم العسكر، وربما ملاحظاته عليه هي في درجة الاستبداد وفي قضيتي التفريط والفساد!
وعلينا إدراك أن من بين المصريين من يرون المشكلة في السيسي فقط!
كما أن الديمقراطية ليست القضية الجوهرية أو الموضوع الأصلي للسواد الأعظم من القوى السياسية.
وهي دائرة تتسع لاجتهاد المجتهدين، ولو كان الخيار بيدي لاختارت ثورة كاملة، تعيد الجيش لثكناته، وتنهي مرحلة حكم العسكر تماما، وتعيد السيادة للشعب، لكن مع هذا لا يمكنني أن أسفّه من يتحركون وهم تحت القصف، وبمطالب الحد الأدنى!
تخشى من أن يلمع نجم أحمد طنطاوي فيكون مرشحا للرئاسة.. اطمئن، فعندما يسقط السيسي ستجد زعامات جديدة، ووجوها لم تألفها، وبدائل لم تكن على جدول الأعمال. وقد ترى الجماهير نفسها قد تجاوزت الوجوه التي ألفتها في زمن الاستبداد!
كان البرادعي هو بديلنا في زمن مبارك، فعندما قامت الثورة، تم طي صفحته!
وكان عمرو موسى هو رمز الشموخ الوطني، فلما صار الوطن شامخاً كان ترتيبه متأخراً في الانتخابات الرئاسية!
وكان تولي عمر سليمان منصب نائب رئيس الجمهورية، يعني أن مصر في الطريق الصحيح، فلما خرجت الجماهير، لم تر فيه أي قيمة وطنية.
إن الحرية لها مزاجها المختلف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق