الاثنين، 6 يناير 2020

القومية وأزمة الهوية


القومية وأزمة الهوية

تحليل للهوية القومية وعلاقتها بأزمة الهوية.

د.رفيق حبيب
1. تأسست الدولة الحديثة في العالمين العربي والإسلامي فيما بعد مرحلة الاحتلال الأجنبي على القومية بوصفها دولة حديثة قومية على النموذج الغربي. والقومية تقوم أساسا على افتراض أن الشعب داخل حدود الدولة متجانس في العوامل الأساسية المشكلة له.
2. تأسست الفكرة القومية في الغرب على العرق فأصبح التجانس العرقي هو أساس تشكل القومية، والتي تفترض أن الشعب متجانس من حيث أصوله العرقية ومن حيث اللغة والدين وربما أيضا المذهب.
3. عندما تم استيراد نموذج الدولة القومية من الغرب إلى العالم العربي تأسست الدولة الحديثة على أساس تجانس الشعب داخل حدودها في العرق والدين واللغة فتجاهلت الدولة الحديثة أي تنوع يخالف التجانس المفترض أو اعتبرته تنوع يقع على هامش المجتمع وليس جزءا من تعريف المجتمع.
4. الملاحظ أن الدولة الحديثة في الغرب قد فرضت التوحيد القومي العرقي على الشعوب داخل حدودها، وفي بعض الأحيان كان هذا التوحيد قسريا، حتى يتشكل الشعب المتجانس عرقيا وقوميا.
5. الدولة الحديثة في العالم العربي افترضت التجانس العرقي والقومي وتأسست عليه وفرضت على المجتمع قسرا أن يكون متجانس على هذه الأسس وبالتالي رفضت الاعتراف بأي تنوع يتعلق بالدين واللغة والعرق.
6. لم تستمد الهوية القومية المفروضة على المجتمعات العربية من الموروث الثقافي والحضاري للشعوب العربية، بل جاءت كفكرة مستوردة لم تنبع من المجتمع ولم يكن لها جذور في الوعي الجماعي للمجتمعات العربية.
7. عندما تستمد الهوية من الموروث الثقافي والحضاري للشعوب والأمم ويعاد تجديدها وإحيائها فهي تكون محملة بالموروث المعرفي لهذا الشعب أو الأمة، وهذا الموروث الثقافي يحمل العقائد والقيم والأفكار المميزة لشعب ما عن غيره من الشعوب.
8. تأسيس الهوية القومية القائمة على التجانس العرقي في البلاد العربية لم يستند إلى رؤية فكرية انتشرت بين الناس بل لم يكن أساسا مشروعا تجديدا أو إحيائيا بل كان قرار السلطة التي أسست حكمها وبنية الدولة عليه.
9. لم تحمل الدولة القومية هوية مؤسسة على الموروث الثقافي والحضاري للأمة، ولم تحمل معها منظومة القيم الغربية ونشرتها داخل المجتمعات بل ظلت هوية الدولة القومية مجرد عنوانا يفترض تجانس الشعب المحكوم ويتجاهل التنوع والذي يعتبر حالة هامشية ليست من صلب تكوين المجتمع.
10. في ظل هوية مفرغة من القيم يحملها النظام السياسي ويفرضها على المجتمع أصبحت الهوية الرسمية شكلية في الأساس تعرف الشكل الأساسي المميز للمجتمع وتفرضه باعتباره الشكل الذي يجب أن يكون ظاهرا.
11. أصبحت هوية بلد عربي ما تعرف شعب هذا البلد على أنه من ولد وعاش في مساحة جغرافية وكان يتكلم العربية ويدين بالإسلام وينتمي لعرق مفترض يميز من يعيش في هذا المكان وتحول المكان الجغرافي وكأنه مصدر تعريف العرق والقومية.
12. نتج عن نموذج الدولة القومية الذي فرض قسرا على المجتمعات العربية العديد من المشكلات داخل تلك المجتمعات حيث تعددت الفئات التي تشعر بالتهميش من قبل النظم السياسية الحاكمة بسبب النزعة القومية الشكلية لنظام الحكم.
13. في معظم البلاد العربية نجد فئات شعرت بالاضطهاد في ظل حكم الدولة القومية المستبدة الذي حكم العالم العربي لأن النظام السياسي الحاكم قائم على هوية قومية مفترضة متجانسة وشكلية لا تقبل التعدد الموجود في المجتمع.
14. كل هوية تميز شعب من الشعوب تقوم أساسا على الموروث المعرفي المشترك للشعب وتضم كل التنوع والتعدد الداخلي لهذا الشعب سواء الثقافي أو الديني أو غيره، فالهوية تؤسس إطار الوحدة للشعب وتشمل تنوعه الداخلي.
15. الهوية القومية التي فرضت على المجتمعات العربية تجاهلت أساسا الإطار المعرفي المشترك المؤسس للشعوب العربية وبالتالي تجاهلت الهوية المشتركة المستمدة من الموروث الثقافي والحضاري للمجتمعات، وفرضت هوية مشتركة شكلية تقوم على الفكرة القومية العرقية.
16. تجاهلت الأنظمة السياسية القومية المشترك بين الشعوب وفرضت مشترك شكلي ومن ثم تجاهلت كل التعدد والتنوع الذي يتعارض مع هذا المشترك الشكلي المفروض من النظام السياسي.
17. تعاملت الأنظمة السياسية مع التعدد الموجود في المجتمعات إما بمحاولة طمسه مثل أي تعدد لغوي أو مذهبي أو عرقي، أو تحويل الفئة المختلفة إلى أقلية وكأنها ليست من داخل النسيج الاجتماعي كما في حالة التعدد الديني.
18. بمعنى آخر وفي ظل نموذج الدولة القومية المؤسسة على فكرة التجانس العرقي تم محاولة إزاحة أي تعدد داخل المجتمع المسلم حتى يظل مجتمعا متجانسا عرقيا ولغويا ومذهبيا، وتم تحويل المجموعات المسيحية إلى أقليات ليست من داخل النسيج المتجانس للمجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق