في ذكرى تأسيسها.. جامعة “الرجل المريض” الدول العربية سابقا
حيث اكتفت برفع اسم "فلسطين" دون موقف على مستوى الحدث (الأناضول)
عام واحد وتدخل جامعة الدول العربية مرحلة شيخوختها التي بدأتها مبكرا، وفي تلك الحالة الصعبة يبدو أن التاريخ لا يرحمها ولا يريد لها أن تُدفن إلا وهي مكللة بالخزي والعار، واختار لها التاريخ والواقع أن يمنحها في شيخوختها الممتدة لأكثر من عشرين عاما بتلك المذبحة التي تحدث على أرض غزة وبالقرب من حدود الدولة التي يقبع فيها مبناها العتيق كجثة هامدة عاجزة عن التنفس والصراخ بتوقف ما يحدث على حدود مصر العربية.
هل كان عبد الرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية يحلم أن يبدأ مشوار الجامعة بهزيمة كبيرة لجيوش سبع دول عربية على أيدي عصابات صهيونية لتفقد الأمة بمقتضى هذه الهزيمة نحو 72% من أرض فلسطين لصالح العصابات الصهيونية التي مُنحت حقا ليس لها على يد بلفور في عام 1917، وينتهي ميلادها فعليا بعد 79 عاما بهذا العجز الكامل أمام ما يحدث في غزة وفلسطين من مذابح وحرب إبادة للشعب العربي في فلسطين، لا أظن أن الذين فكروا في تكوين جامعة توحد الأمة العربية تصوروا أن المبنى بمؤسساته سيصل إلى الحالة التي وصل إليها فيصبح جثة هامدة تنادي الأصوات منذ أكثر من ربع قرن بدفنها، وإيجاد بديل آخر معبّر عن الشعوب العربية وأحلامها.
في 22 مارس/آذار 1945، كان ميلاد الجامعة العربية خطوة على طريق وحدة الدول العربية والتعاون بينها فيما يحقق مصالح تلك الأمة التي ترتبط جغرافيا وثقافيا ودينيا، وتستخدم لغة واحدة مشتركة بين كل أعضائها، إضافة إلى وحدة المصير وأمنها القومي المشترك، لكن هذه الأحلام لم تتجاوز حاجز البروتوكولات والدساتير التي كُتبت من أجل هذه الجامعة، والواقع أنني لم أر في حياتي أجمل ولا أروع من الكلمات التي تُكتب بها مبادئ ودساتير مؤسساتنا العربية.
معارك كبيرة
تعرضت الجامعة العربية منذ نشأتها لمعارك ومواقف كبيرة استطاعت في القليل منها النجاح والخروج بأقل الخسائر، أما كثير منها فقد كانت كحالها الآن عاجزة لا تحقق أي تطلعات للواقع العربي ولا للشعوب، وكان أول اختبار تعرضت له بعد ثلاث سنوات فقط من ميلادها هو حرب فلسطين وما يطلق عليه العرب النكبة الأولى، وكان قرار الجامعة هو وحدة الجيوش العربية، وذهبت جيوش سبع دول إلى حرب فلسطين، لكنها عادت بهزيمة مخجلة للجيوش وخسارة فادحة في الأرض واحتلال الكيان الصهيوني الناشئ للغالبية من أراضي فلسطين.
لم تُفق الجامعة ولا سلاطينها من هزيمة فلسطين في النكبة العربية الأولى حتى فاجأتها الثورات العربية بداية من ثورة يوليو/تموز 1952، وما أعقبها من حركة تحرر عربية قادتها مصر في تلك الفترة التي انتهت بثورة الفاتح من سبتمبر/أيلول 1969 في ليبيا، وبعيدا عن تقييمنا لتلك الثورات ومدى ما حققته من أهداف أو أحلام للأمة العربية.
شهدت الجامعة العربية في تلك الفترة تحركا عربيا كبيرا نحو تحقيق بعض الأهداف العربية المشتركة من تعاون اقتصادي وعسكري، وفي تلك الفترة كانت النزعة التحررية تجتاح العالم وكان العالم العربي في القلب منها، وقد تعرّض الوطن العربي لمحنة عربية-عربية في عام 1961 حينما هدد العراق بضم الكويت تحت قيادة عبد الكريم قاسم الرئيس العراقي في ذلك الوقت، لكن ذلك الاختبار اجتازته الأمة بفعل الشخصية القوية للرئيس المصري جمال عبد الناصر، وإرسال قوات من عدة دول عربية -بينها السعودية ومصر- بعد قبل انضمام الكويت للجامعة العربية إضافة إلى قوات بريطانية تنفيذا لمعاهدة الصداقة بين البلدين بعد انسحاب الأخيرة منها.
ومن أشهر المؤتمرات التي شهدتها أروقة الجامعة العربية في تلك الفترة هو مؤتمر القاهرة عام 1964 تحت قيادة مصر، ورغم الصراع الخفي الذي شهدته تلك الفترة بين مصر والسعودية على قيادة الدول العربية، فإن الوضع لم ينفجر أبدا وكانت الجامعة العربية فاعلة في كثير من الأمور العربية، وفي عام 1967 كانت المحطة الثانية الصعبة في تاريخ الجامعة والأمة العربية، بحرب يونيو/حزيران من العام نفسه، حيث كانت الهزيمة الثانية والثقيلة التي مُنيت بها الأمة العربية والتي فقدت بها الدول العربية سيناء في مصر، والجولان في سوريا، والضفة الغربية في الأردن، وتمدد الكيان الصهيوني أكثر في المنطقة العربية.
كان مؤتمر القمة العربية في أغسطس/آب 1967 في السودان أقوى فعالية للدول العربية في تلك الفترة، فقد شهدت الأمة بعد هزيمة يونيو هدوءا في العلاقات المصرية السعودية، وكان الحضور العربي كاملا في مؤتمر السودان الذي عُرف باسم مؤتمر اللاءات الثلاث (لا صلح، لا اعتراف، لا تصالح) وأكد عزم الأمة على استكمال مشوار النضال وتحرير الأرض، وكلل هذا بتلك الوحدة في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 التي شهدت تعاونا وتكاملا عربيا لم تشهده الأمة من قبل، ولا ظفرت ببعضه فيما بعد.
سنوات الغروب
بدأت سنوات غروب شمس جامعة الدول العربية قبل أن يكتمل عامها الثالث والثلاثون بزيارة القدس التي قام بها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، وكانت تلك الزيارة واعتراف نظام السادات بالكيان الصهيوني بداية انحدار الجامعة والأمة العربية، إذ انقسم الوطن العربي إلى دول معارضة للاعتراف والسلام مع الكيان الصهيوني، ودول مع طرح ما سمّاه السادات “السلام مع إسرائيل”.
قادت سوريا والعراق وليبيا جبهة الرفض العربية، وانتقلت الجامعة العربية إثر ذلك من القاهرة إلى تونس، وبدأت سنوات عربية مظلمة نتيجة قرار فردي مندفع من أنور السادات بالاعتراف بالكيان الصهيوني، وأصبح رفاق السلاح في المعركة مع الكيان الذي يتوسع ويتمدد في الأمة في تناقض كبير، واتسعت الخلافات العربية، وكان اغتيال الرئيس المصري ختام تلك السنوات.
شهدت الأمة العربية بعد مقتل أنور السادات محاولة إعادة الجسد العربي للتعاون والالتقاء مرة أخرى، وقد بدأت مساع مصرية من أجل عودة اللحمة إلى الجامعة العربية وعودة مقر الجامعة إلى القاهرة، واستمرت محاولات إعادة الإحياء حتى كانت الضربة الكبرى مرة أخرى بغزو العراق للكويت في عام 1990.
بغزو الكويت بدأت مرحلة التفكك للأمة العربية وغروب شمسها، فقد عجزت الأمة عن اتخاذ موقف من الغزو العراقي للكويت، ووقفت عاجزة وانقسمت مرة أخرى، ووصل الأمر إلى وضع الأزمة برمتها في يد الولايات المتحدة والغرب حتى إن بعض الدول العربية شاركت في الحرب على العراق التي أعقبت الغزو.
جرى تدمير العراق على مرأى ومسمع من كل الأمة وعلى مدار سنوات حتى الاحتلال الأمريكي له عام 2003، ووقفت الدول العربية تشاهد عجزها، ومع توالي العجز العربي توالت التنازلات للعدو الصهيوني، وشهدنا اتفاقات السلام العربية مع الكيان الصهيوني، ومبادرات بدأت من “الأرض مقابل السلام” إلى “السلام مقابل السلام” حتى وصلنا إلى السلام مقابل القتل والإبادة والتهجير القسري، ولا صوت هنا للدول ولا للجامعة المسماة الجامعة العربية، وصارت الدول والجامعة والمبنى جثة هامدة لا تحرك ساكنا، أما الوزراء الذين يجتمعون بها فلا تسمع لهم صوتا فيما يحدث، وبياناتهم أقرب إلى بيانات يلقيها أعمى على أصم، ويبقى السؤال: ألم يحن موعد دفن الجثة الهامدة والبحث عن عالم جديدة لأمة كانت عظيمة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق