إسلام على الطريقة الصهيونية!
حسن الرشيدي
نتناياهو يعظ كما وعظ سابقوه، ماكرون ومن خلفه زعماء أوروبا والغرب، كل يريد أن يفصل نموذجًا من الإسلام على مقاسه هو، فما هي معايير الإسلامي الصهيوني التي يريدها نتناياهو؟
"الإسلام في الدول العربية بحاجة إلى تغيير جذري"
هذا ما قاله رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو خلال لقائه إيلون ماسك، مالك شبكة إكس تويتر سابقا.
وقد اصطحب نتنياهو الملياردير إيلون ماسك في جولة في مغتصبة (مستوطنة) كفار عزة وهي إحدى مغتصبات غلاف غزة، وتوقف بشكل خبيث ومقصود أمام سرير طفل خشبي، وبدأ يتحدث عن ثقافة الموت لدى حماس.
وأضاف نتانياهو أن ما يتم تدريسه في المساجد والمدارس العربية يؤدى للتطرف والتشدد، وقارن خلال حديثه مع الملياردير الأمريكي صاحب إكس/تويتر، بين الوضع الديني بالعالم العربي حاليا، وبين الفاشية اليابانية والنازية الألمانية في ثلاثينيات القرن الماضي. وأنه كما تم اجتثاث النازية والفاشية في البلدين، فلابد أن يكون هناك إصلاح ثقافي عربي لاجتثاث التطرف الديني. وأشار إلى أن بعض الدول العربية بدأت السير في هذا الطريق.
كان الغزو الفكري موجهًا في أساسه إلى عامة المسلمين؛ يختار منهم الغرب نخبةً يربيهم ويحتضنهم في أراضيه، ثم ينقلون إلى بلاد المسلمين؛ ليتولوا نشر أفكاره بعد أن يكونوا قد تبوأوا مراكز التوجيه والتأثير |
والمرء يتعجب من هذا الرجل وهو المسئول الأول في دولة الكيان الصهيوني، فبينما يشن نتانياهو حرب إبادة تجاه الشعب الفلسطيني في غزة، وبينما يتلقى جيشه ضربات موجعة من كتائب عز الدين القسام وغيرها من فصائل المقاومة، وفي أثناء غرقه في مستنقع الخلافات بينه وبين الجميع في دولة الكيان، سواء من أهالي الأسرى لدى حماس، أو أهالي المجندين في الجيش الصهيوني، أو جماهير المعارضة التي لا تريد فساده وأنانيته، وبينما العلاقات بينه وبين أقطاب مجلس الوزراء ومجلس حربه مشتعلة ومنهارة...
إزاء ما يواجهه نتانياهو هذا كله، يقابل أحد أقطاب إمبراطوريات السوشيال ميديا، ليخبره عن أزمته مع الإسلام!!
فماذا يقصد هذا الرجل بأن الإسلام يحتاج تغييرًا، وليس تغييرًا عاديًا بل تغييرًا جذريًا؟
هل يريد نتانياهو أن يوصل رسالة أنه كما يخوض حربا عسكرية ضروسا في غزة، فإن الجانب الفكري في تلك المعركة لا يقل أهمية؟
لماذا اختار هذا التوقيت ليتحدث عن هذا الأمر؟
للإجابة على هذه الأسئلة يجب علينا في البداية تتبع الحروب الفكرية التي يخوضها أعداء الأمة ضد الإسلام، وخصائصها والسياق الذي صاحبها ونتائجها وما أسفرت عنها.
تاريخ معركة الأفكار
لم يكن المسلمون يتصورون في يوم من الأيام أن تمتد الحملة ضد الإسلام والمسلمين من قبل أعدائهم لتشمل محاولة تغيير مفاهيم الإسلام ذاته.
فحروب الأفكار التي شنّها الغرب، عندما استتب له احتلاله لمناطق العالم الإسلامي منذ أواخر القرن التاسع عشر؛ كانت حملة لفرض أفكاره وتوجهاته، ولذلك أطلق عليها المفكرون المسلمون في هذه العصور الغزو الفكري، وشرعوا في تسطير الأدبيات في مواجهة الفكر الغربي، وبيان جذوره، وإظهار عواره وضرره على الأمة والإنسانية.
كان ما اصطُلح على تسميته الغزو الفكري موجهًا للأمة بعمومها، وهو أخطر من الغزو العسكري؛ لأن الغزو الفكري ينحو إلى السرية وسلوك المسارب الخفية في بادئ الأمر؛ فلا تحس به الأمة المغزوة، ولا تستعد لصده والوقوف في وجهه؛ حتى تقع فريسة له، وتكون نتيجته أن هذه الأمة تصبح مريضة الفكر والإحساس تحب ما يريده لها عدوها أن تحبه، وتكره ما يريد منها أن تكرهه.
يقول الشيخ محمود شاكر: حاول نابليون في غزوه لمصر أن يعزّز غزوه بغسل العقول، وتبديل المبادئ الإسلامية بأفكار ومبادئ غربية؛ فبعد أن غادر مصر أرسل رسالة إلى خليفته كليبر يخاطبه فيها: كنت قد طلبت مني مرارًا جوقة (فرقة) تمثيلية، وسأهتم اهتماما خاصا بإرسالها لك؛ لأنها ضرورية للجيش، وللبدء في تغيير تقاليد البلاد.
وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، اعتبر الغرب أن تلك الأحداث بمثابة انتفاضة إسلامية على مسيرة الحضارة الغربية التي تسود العالم، وتنتشر قيمها في كل بقعة وصقيع، وظنت أنها حسمت منذ فترة طويلة صراعها مع المسلمين أو بدا لها ذلك.
منذ ثلاث سنوات خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريح يقول فيه إن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية. |
وإذا كان السياسيون والعسكريون قد شرعوا في إعداد الاستراتيجيات للرد العسكري والسياسي على تلك الهجمات، فإن المفكرين الاستراتيجيين والباحثين الغربيين وخاصة في الولايات المتحدة أخذوا يفندون خلفيات وجذور الفكر الذي استقى منه هؤلاء المهاجمون قيمهم وأفكارهم ليصيغوا استراتيجيات جديدة للمواجهة الفكرية مع العالم الإسلامي؛ لتتبلور فيما بعد في شكل سياسات يحاول التنفيذيون تطبيقها في الواقع. وكان أكثر هذه الاستراتيجيات خطورة ما اصطلح في الأدبيات الأمريكية على تسميته بإعادة بناء الإسلام، فبعد أن كان الغزو الفكري يحاول تقريب اتجاهات الفكر الغربي إلى عقول المسلمين، جاءت حرب الأفكار لتتجه إلى أصول ومفاهيم الإسلام نفسها في محاولة لتغييرها.
كذلك كان الغزو الفكري موجهًا في أساسه إلى عامة المسلمين؛ يختار منهم الغرب نخبةً يربيهم ويحتضنهم في أراضيه، ثم ينقلوا إلى بلاد المسلمين؛ ليتولوا نشر أفكاره بعد أن يكونوا قد تبوأوا مراكز التوجيه والتأثير، ولكن جاءت حرب الأفكار لتجعل تركيزها الأساسي على نخبة الأمة وطليعتها وقواها الحية النابضة، والتي شرعت في استنهاض الأمة؛ لتستيقظ من غفوتها.
وحدد تقرير أعده معهد السلام الأمريكي هدف ذلك الصراع، فقال بصراحة إن المعركة الكبرى الآن تدور حول روح الإسلام، وتقول شيريل برنارد واضعة تقرير راند الشهير الإسلام المدني الديمقراطي: إذا كان بناء الأمم مهمة شاقة؛ فإن بناء الدين بما لا يُقاس هو أكثر خطورة وتعقيدًا.
ثم جاء دور الساسة الأمريكيون ليطبقوا تلك الأفكار، فدعا وزير الدفاع الأمريكي حينها دونالد رامسفيلد في عام 2003، إلى تشكيل وكالة جديدة تساعد على مواجهة ما أسماه حرب الأفكار الخاصة بالإرهاب الدولي.
لم تكن الولايات المتحدة وحدها في هذه المعركة، فقد انضم اليها الغرب لها تباعا، كلما وجد نفسه في مأزق عنصري أو عانى من فوبيا الاسلام وخوف من تحول ديموغرافي لصالح المسلمين، يخرج بتلك الحملة البغيضة التي تقوم على فكرة واحدة الدعوة الى إسلام يناسب الغرب، إسلام منزوع منه قدرته الذاتية على تغيير الواقع من جذوره، فالإسلام الذي يريده الغرب يتمتع بعدة صفات لا بد لهذا الدين أن يتصف بها منها: العلمانية، والديمقراطية، والليبرالية، والتعايش مع الآخر، والاستسلام للواقع المفروض عليه.
فمنذ ثلاث سنوات خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصريح يقول فيه إن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية.
ويشخص ماكرون يومها ويبرر لماذا يعيش الإسلام في أزمة ولماذا يجب التصدي لها، فيقول: الدين الإسلامي يمر بأزمة عميقة في جميع أنحاء العالم ولا نراها في بلادنا فقط، مرتبطة بالتوترات بين الأصوليين والمشاريع الدينية السياسية.
والملاحظ أن ماكرون قال هذا الكلام في أعقاب المصادمات بين الشرطة الفرنسية والشباب المسلم في ضواحي باريس وغيرها من المدن الفرنسية، في أعقاب حالات التمييز العنصري ضد كل ما هو مسلم في فرنسا، وضد حرية ممارسة المسلمين لشعائر دينهم.
نتانياهو على نفس الطريق
عند التدقيق في تصريحات نتانياهو، يجد من الواضح أنه قد نقل أفكاره عن مايكل فلين مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لأن أفكار فلين هذا والذي كتبها في كتاب له، تصل إلى حد التطابق مع صرح به نتانياهو عن الإسلام.
فماذا كتب فلين؟
في عام 2016، قام مايكل فلين بتأليف كتاب تحت عنوان (ميدان القتال: كيف يمكننا كسب الحرب العالمية ضد الإسلام الراديكالي وحلفائه)، ويرى فلين في هذا الكتاب الخطير أن الإسلام الراديكالي قد انتصر على الولايات المتحدة لأن القادة الأمريكيين قد فشلوا في وضع إستراتيجية جيدة لمواجهته.
ويؤكد فلين في مؤلفه على أهمية معالجة الأفكار المتطرفة التي تدعو إلى الموت والدمار في الغرب من خلال التعامل الأيديولوجي مثلما تم التغلب على أيدولوجيات النازيين واليابانيين في الحرب العالمية الثانية، والشيوعيين خلال الحرب الباردة، ويعتبر أن تصحيح أفكار الأعداء المغلوطة ضرورة من أجل كسب المعركة بشكل كامل، حيث يرى أن ما أطلق عليه الإسلام الراديكالي ليس بظاهرة بجديدة ولم يكن بأي حال من الأحوال رد فعل على الإمبريالية الأمريكية. ولذلك يرى أن الحرب ضد الإرهاب التي يراها حرباً عالمية جديدة هي حرب أيديولوجية وليست مجرد حرب عسكرية ضد المتشددين في ميادين القتال في العراق أو سوريا.
وها هو نتانياهو يحاول قلب المعركة الفكرية والتي كشفت سوءات وعنصرية الكيان الصهيوني نتيجة حملة الإبادة التي يقوم بها ضد أهل غزة، فيذكِّر الغرب بحربه الفكرية مع المسلمين والإسلام، ويوجه إليهم رسالة أنه يقف في نفس الصف ضد الإسلام وضد محاولات المسلمين لاستعادة دوره ودورهم كخير أمة أخرجت للناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق