هل يمكن منع اجتياح رفح؟
بدأ التمهيد الأمريكي الصهيوني لاجتياح رفح فلسطين على الحدود المصرية، رفح التي نزح إليها مليون وثلاثمائة فلسطيني، وأصبحت آخر نقطة على الحدود يصل إليها أهل غزة هربًا من المجازر البشرية التي يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني على مدار ستة أشهر، الآن نتنياهو رئيس وزراء الكيان يصرخ “أمريكا تمنعني من تحقيق انتصار على حماس”، وبايدن والولايات المتحدة على لسان مستشار الأمن القومي يحذرون من اجتياح رفح والمقتلة الإنسانية التي ستتم حال حدوثه، الأصوات تتصاعد هنا وهناك محذرة مما سيحدث لضمير العالم إذ اجتاحت إسرائيل رفح بريًا، والنتائج التي لا يرضى ضمير العالم أن يشاهدها ويصمت.
ضمير العالم يشاهد المجازر الصغيرة اليومية، يشاهد مشاهد الإذلال التي يتعرض لها أهل غزة من المدنيين ويصمت، ضمير العالم على مدار 167 يومًا يشاهد مجاعة وأطفالًا يحرمون من الماء والغذاء والأدوية ويصمت، لكنه الآن يحذر من مقتلة سيذهب فيها ربما 100 ألف أو أكثر إذا قرر رئيس عصابة الكيان الصهيوني تنفيذ تهديداته باجتياح رفح حتى يحقق نصرًا وهميًا على “حماس”.
التحذير الذي يطلقه بعض السادة في قيادة العالم سواء على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أو رئيس الولايات المتحدة أو بعض تابعيه، وكذلك الصادر من بعض الدول العربية لن يمنع اجتياح رفح الذي ما زلت أسمع صوت نتنياهو الآن وهو يؤكد أنه ماض في طريقه، فكل ما نشاهده الآن من توزيع أدوار على المسرح السياسي العالمي هو جزء من عرض، وإلا تحرك العالم طوال الأشهر الماضية لإيقاف المقتلة والمجازر اليومية.
ألم يشاهد العالم بالأمس معاودة الجيش الصهيوني اقتحام مستشفى الشفاء مرة أخرى بعد مرور أشهر على الاقتحام الأول؟ ألم يتابع مشاهد الإذلال والمهانة التي تعرض لها الأطقم الطبية والتمريض في مجمع الشفاء الطبي؟ ألم يستمعوا إلى متابعات الزملاء الصحفيين عما حدث معهم بعد اقتحام المجتمع وتدمير معدات التصوير والبث وسياراتهم الخاصة؟ نعم شاهد العالم وتابع وأدان واستنكر، ثم أصدر بيانات وشجب واستنفر بعض محطاته الإذاعية للندب والشجب، لكن هذا لم يمنع الجيش الإسرائيلي من القيام بمجزرة ومذبحة إنسانية في رفح فجر اليوم الثاني لاقتحام مجمع الشفاء الطبي.
لا فائدة من الصراخ
هل تخلص النوايا في العالم لمنع اجتياح رفح والحفاظ على أرواح مئات الآلاف من الفلسطينيين من القتل والذبح؟ فالصراخ الذي يصرخه قادة العالم لم ولن يمنع الجيش الإسرائيلي من المجازر على مدار تاريخه ولا في الأشهر الستة الماضية، وإلا كان اعتبر الكيان لصراخات العالم طوال أيام الحرب على غزة.
صراخ الولايات المتحدة الأمريكية على الإنسانية المذبوحة في غزة أو التي ستذبح في رفح لن ترفع يد مندوبها في مجلس الأمن ليوافق على قرار للمجلس بإيقاف الحرب بدلًا من نقض القرار، ولا دموع تسيل في فرنسا أو بريطانيا ستمنح مندوبا البلدين القوة للتصويت لقرار يمنع الكيان الصهيوني من ضربة قاتلة واجتياح لرفح وما عليها من مليون ونصف مليون فلسطيني.
بكاء العرب في جهات الأرض الأربعة كلها لم يحقق حتى الآن الهدف في إيقاف المجازر وحرب الإبادة التي يقوم بها الصهاينة بمساعدة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، والتنديد والشجب والإدانة لم يجدِ مع إسرائيل، بل إنه لم يدفع في اتجاه فتح معبر رفح المصري الفلسطيني حتى الآن لإمداد غزة بما تحتاجه من غذاء ومياه ودواء، فهل يوقف بكاء العرب اجتياح الجيش الإسرائيلي لرفح؟
لا يوقف البكاء الاجتياح، لكن يوقف الاجتياح الرفض المصري الحاسم له، يوقف الاجتياح فتح معبر رفح لكل من يريد من العالم الدخول إلى غزة والسماح لكل المساعدات بالعبور الآن وفورًا، حينها لا يمكن لنتنياهو أن يفكر في الاجتياح، فتح معبر رفح وتحميل الكيان الصهيوني سلامة العابرين من كل دول العالم سيكون أقوى عامل يوقف اجتياح رفح.
اعتياد المشهد في غزة وفلسطين أخطر ما يجعل مجلس الحرب في الكيان الصهيوني يتخذ قرار اجتياح رفح بريًا قرارًا سهلًا، هذا الاعتياد الذي يجعلك لا تشارك في تظاهرات ضد العدوان المستمر، الاعتياد الذي يجعلك تتراجع عن المقاطعة لكل المنتجات الداعمة للكيان، والمساهمات الإعلامية في فضح جرائم الجيش الإسرائيلي على كل أراضي فلسطين في غزة والضفة والقدس من الممكن أن يدعم في تراجع الجيش الصهيوني عن اجتياح رفح وإيقاف الحرب، لا تستهن بأفعال كالتظاهر والمقاطعة وفضح الممارسات، فهذا كله يدعم الرأي العام العالمي للضغط على حكوماته لإيقاف الاجتياح.
لا يسمع الكيان الصهيوني وقادته في مجلس الوزراء الإسرائيلي، وفي مجلس الحرب إلا لما يجعلهم يشعرون بالوجع والألم، وكما أن المقاومة الفلسطينية توجع الجيش الصهيوني وقياداته وتؤلمهم، والمستوطنين أيضًا بالخسائر في قتل جنود الجيش الصهيوني واقتناصهم، وكذلك في أسلحته وآلياته، فإن الخسائر الاقتصادية له ولداعميه تجعله يتردد في تصعيد جديد في الحرب، فهذا الكيان لا يردع إلا بالقوة، ولا يؤلمه إلا خسائره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق