كل ما هو إسرائيلي في هذه الحرب هو أمريكي
تعود الولايات المتحدة لتبدو ناطقا باسم الجيش الإسرائيلي، هذه المرّة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان يحل مكان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري؛ ويعلن مقتل مروان عيسى، نائب قائد الجناح العسكري لحركة حماس؛ الذي قالت "إسرائيل" إنّها استهدفته في وقت سابق من هذا الشهر آذار/ مارس، وذلك في حين أنّها غير متأكدة حتى كتابة هذه المقالة من كونه قد استشهد بالفعل؛ بالأطنان العشرين التي ألقتها على المكان الذي تزعم أنّه كان متحصنا فيه، وبالقنابل الخارقة للحصون التي استخدمتها لهذا الغرض.
منذ أنّ أعلنت "إسرائيل" عن استهدافها الرجل الثاني في كتائب القسام، وهي تنشر معلومات أقرب ما تكون إلى الاستدراج الاستخباراتي لحمل حركة "حماس" على الإعلان عن حالة مروان عيسى. سوليفان ينضم إلى الحملة الإسرائيلية ولكن بوثوقية أعلى؛ ويؤكد في انخراط كامل في الدعاية الإسرائيلية أنّ "إسرائيل" فككت العديد من كتائب حماس وقتلت الآلاف من مقاتليها بينهم قادة كبار.
يأتي هذا الابتهاج الأمريكي "بالإنجاز الإسرائيلي" المزعوم، بعد أيّام من العبث الإعلامي والدعائي الذي أشغلت فيه الولايات المتحدة العالم حول خلافات بين الرئيس الأمريكي بايدن ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. الآن، وبالرغم من أنّ الموقف الأمريكي لا يحتاج تصريحا كهذا من سوليفان، فإنّ هذا الأخير يعود بهذا النوع من التصريحات للتأكيد على أنّ الخلافات بين "الإدارات" لا يعني خلافا على الحرب مبدأ وغاية. الخلاف بين بايدن ونتنياهو، كالخلاف بين غالانت أو غانتس أو حتى لابيد ونتنياهو، إنها نقاشات داخل البيت الواحد، ومهما تنافر الأشخاص، فإنّ الأهداف العليا التي تبدأ بـ"القضاء على حماس" وتنتهي بتصفية القضية الفلسطينية لا خلاف عليها، الخلاف قد يكون حول شكل هذه التصفية!
في الأثناء كشفت معلومات حول محادثة بين بايدن ونتنياهو؛ مفادها طلب الرئيس الأمريكي من نتنياهو إرسال وفد إسرائيلي إلى واشنطن لمناقشة الهجوم على رفح، لا في سياق الاختلاف على هذا الهجوم، بل في سياق الاتفاق عليه مبدأ، ومناقشة تفاصيله خطة ومجريات. قال بايدن لنتنياهو إن حماس حركة إرهابية، لا بدّ من القضاء عليها، ولكن لا بدّ من خطة إنسانية تقلّل من الضحايا المدنيين في رفح.
الحديث الأمريكي المستمرّ في الآونة الأخيرة عن الضحايا المدنيين الفلسطينيين، لا بدّ وأن يُشعِر كلّ عاقل وصاحب ضمير بالإهانة، لأنّ الكارثة الإنسانية في غزّة لم تصل إلى هذه الدرجة إلا بالدعم الأمريكي الذي بدأ بتبني الرواية الإسرائيلية ابتداء واستمرارا، وإنكار أعداد الضحايا الفلسطينيين، وتعطيل أيّ جهد لمحاولة وقف إطلاق النار، لكن الأهمّ في ذلك كلّه، لا الدعم التسليحي الذي لم ينقطع، بل الممارسة القتالية المباشرة التي دارت حولها إشاعات منذ مطلع الحرب، إلا أنّ الانخراط الاستخباراتي الأمريكي في الحرب لصالح "إسرائيل"، مُعلن من الأطراف كلها، ليكون إعلان سوليفان الذي يبدو واثقا من اغتيال مروان عيسى؛ إعلانا عن "إنجاز" أمريكي لا إسرائيلي، فيبدو أنّ العملية جرت وفق معلومات أمريكية وبقذائف أمريكية، ومن غير المستبعد أنّها نُفّذت بواسطة طيارين أمريكان، وإن لم تكن ثمّة حاجة لذلك!
كل ما هو إسرائيلي في هذه الحرب هو أمريكي، وقد آن الأوان للتوقف عن الجري في متاهة "الخلافات الأمريكية الإسرائيلية" التي هي في آخر الأمر بلا معنى، طالما أنّها في جوهر الأمر بحث في الشروط الأفضل لهذه الحرب لأجل إنجاز إسرائيلي أحسن؛ راهنا ومستقبلا. أمريكا هنا تعالج الحماقات الإسرائيلية، وتتنبه لما لا يقيم الإسرائيلي له وزنا، وتسعى لوضع استراتيجي أفضل لـ"إسرائيل" في نهاية الحرب.
أخيرا تعود "إسرائيل" لاقتحام مستسفى الشفاء، وتغتال داخل المستشفى فائق المبحوح، مسؤول العمليات في الشرطة المدنية بغزة؛ الذي كان يعمل في ظروف مستحيلة لتأمين وصول المساعدات بعيدا عن أيدي لصوص الحروب، وذلك بعدما أشاعت أمريكا، والإعلام الغارق في متاهاتها، إحساسا زائفا بتحسن وصول المساعدات، وبدا وكأن نافذة انفتحت لترتيب معقول لتوزيع المساعدات بالاستناد للشرطة المدنية في غزة، وكأنّ كل ما تفعله أمريكا هو لعبة في خطة أمنية إسرائيلية!
بعد انتصاف الشهر السادس من هذه الحرب، تبدو الأمور كاليوم الأوّل، أمريكا تلصق كتفها بـ"إسرائيل" قتلا وتجويعا للفلسطينيين في غزّة، المختلف فقط، هو أنّ الموقف العربي الرسمي أشدّ سوءا من اليوم الأوّل، ولا يبدو أن مليارات الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي التي هطلت على مصر مرّة واحدة بعيدة عن ذلك، تماما كمليارات صفقة رأس الحكمة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق