لك الله يا حماس!
لك الله يا حماس، لك الله يا مقاومة. ها هو الطوق يشتد، والخناق يزداد، والأيادي تتسابق لتسحب حبل المشنقة، وقد أمسكت بالسكاكين حتى تشرع في التقطيع، وقد علقوا الزينة، وتهيأوا ليقيموا الأفراح والليالي الملاح، ابتهاجا بالتخلص منك. أما أحباب الله في أصقاع العالم، فما زالت أيديهم ممتدة تلامس عنان السماء، تتضرع إلى الله بالدعاء، وتستنزل المعجزة، التي وضعت النهاية لقوم نوح، وقوم فرعون، وأصحاب الأيكة، وأصحاب الفيل، وغيرهم من الأمم الظالمة والمستبدة والجاحدة والكافرة والفاسقة والمعرضة، ولكن حماس أيقنت أن المعجزة لطرد الغاصب واسترداد الحقوق، تكون في الإعداد والثبات والمواجهة والبطولة والتضحية للفوز بإحدى الحسنيين؛ النصر أو الشهادة.
جئت قبل موعدك، وفي زمان غير زمانك، فالأمة التي تغوص في وحل الهزيمة، وقد رهنت سيادتها وقرارها للمستعمر، لا تستطيع مد يدها إليك.
قبل الموعد
لك الله يا حماس، فقد انقطعت بك السبل، وتكالبت عليك الضباع من كل حدب وصوب، وقد وضع المتخاذلون أيديهم في أفواههم، لا يجرؤون أن يمدّوها إليك ولا أن يقفوا إلى صفك، بل لا يجرؤون على التفوّه باسمك إلا مقرونا بالإرهاب والتطرف والظلامية واللاشرعية والخروج على الإجماع العربي والتوجه الدولي. كيف لا وأنت مدرجة في شريعتهم وقوانينهم على قوائم الإرهاب، ولطالما التفوا واحتالوا وتآمروا قاتليك للقضاء عليك والتخلّص منك.
أليسوا قومك؟ بلى، أليسوا بنو جلدتك؟ بلى، أليسوا بنو قبلتك؟ بلى، ولكنهم تفرقوا، واختلفوا، وتحالفوا مع شياطين الأرض حفاظا على مقاعدهم وتيجانهم.
ألم تقسم العروبة منذ عقود طويلة على تحرير فلسطين والقضاء على الغاصبين؟ أم أنهم كانوا يكذبون ويخدعون شعوبهم جيلا بعد جيل؟ ألم يرددوا أناشيد البطولة والثأر؟ ألم يكتب شعراؤهم وأدباؤهم وكتابهم صكوك الوفاء لفلسطين؟ ألم تنم الشعوب العربية وتصحو على أحلام التحرير والقضاء على المحتلين الغاصبين؟ فما لقادة العروبة قد صاروا مؤخراً وكأنهم تعاهدوا على حماية الكيان الصهيوني والثقة بحكامه والرفق بشعبه؟ أم أننا كنا نغرق في الوهم، وما زلنا نتخبط في وحل الهزيمة، لا نستطيع حراكا ولا تقدما ولا خروجا؟
لك الله يا حماس، لقد جئت قبل موعدك، وفي زمان غير زمانك، وها هو شعبك يستغيث ويستنجد ويطرق الأبواب، دون جدوى، وكأن العالم أدمن على حجم الاستثارة التي تبعثها فيه المشاهد التفصيلية اليومية لحرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية، ويريد لهذه الحرب أن تستمر. نعم؛ لقد جئت قبل موعدك، وفي زمان غير زمانك، فالأمة التي تغوص في وحل الهزيمة، وقد رهنت سيادتها وقرارها للمستعمر، لا تستطيع مد يدها إليك.
جئت قبل موعدك، وفي زمان غير زمانك، لتقرئي عليهم قصائد العزة والفداء، وتعلميهم كيف يكون تحرير الأرض واسترداد الحقوق، وكيف يكون الإعداد والبطولة والمقاومة والاستبسال، ولتكشفي لهم زيف هذا الاحتلال الغاصب وهمجيته ووهنه، ولتخبريهم بسنوات المعاناة التي ضاعت هدراً خوفاً من مواجهته وإذعاناً لغطرسته وخضوعا لجبروته. جئت قبل موعدك، وفي زمان غير زمانك، لتحذري الدول العربية والإسلامية أن استمرارها على ما هي عليه؛ إنما هو نذير شؤم عليها، ومؤشر على قرب اندثارها في دوامة الأعاصير القادمة. جئت لتبشّري الشعوب العربية والإسلامية أن التغيير قادم، وأن نهاية الظلم والخنوع والاستسلام ليست بعيدة.
لماذا يستكثرون عليك الصمود والانتصار؟ هل هو الحسرة على دمار غزة، أم الحزن على نسائها وأطفالها وشبابها الذين انتقلوا إلى ربهم تحت هذا الدمار، أم لأنهم يعتقدون أن انتصارك هزيمة لهم قبل أن يكون هزيمة للاحتلال؟
صناعة المعجزة
لك الله يا حماس؛ يستكثرون عليك رفض الخنوع والإذلال وقبول الاحتلال، يستكثرون عليك رفض التفريط بالأرض والعرض، يستكثرون عليك الإصرار على الوقوف في وجه المحتل لمنعه من تغيير التاريخ والجغرافيا، ولفضح مسلسل الخداع الذي يفرضه على العالم منذ عشرات السنين.
ذكر أحد قادتك أن مسؤولا عربيا نصحه أن يقبلوا بحل الدولتين، وأن يعترفوا بدولة الاحتلال على أرض فلسطين التي اغتصبها بدعم غربي وتواطؤ عربي في عامي ١٩٤٨م و١٩٦٧م، فرد عليه قائلا: لو أن دولة احتلت دولتكم، وبعد فترة من الزمان عرضت عليكم الانسحاب من دولتكم شريطة أن توافقوا على التنازل عن جزء منها، فهل ستقبلون؟ فنظر إليه المسؤول العربي نظرة اعتذار وحسرة وأسى وقال له: طبعا لا نقبل.
فلماذا يستكثرون عليك الرجولة؟ لماذا يدفعونك إلى الاستسلام، والقبول بما يرفضونه لأنفسهم؟ إنهم لا يقبلون التنازل عن بضعة أمتار من الحدود الاستعمارية لأشقائهم، فلماذا يطلبون منك التنازل عن الوطن للغاصبين المحتلين؟ لماذا يطلبون منك الاستسلام والتسامح مع الكيان الصهيوني؟ هل هو الحرص عليك، أم الخوف منك لأنك كشفت عن سوأتهم، وفضحت مكامن ضعفهم وأسباب جبنهم؟
لماذا يستكثرون عليك الصمود والانتصار، ويتحسرون لما يتكبده جيش الاحتلال من خسائر على يد أبطالك؟ هل هو الحسرة على دمار غزة، أم الحزن على نسائها وأطفالها وشبابها الذين انتقلوا إلى ربهم تحت هذا الدمار، أم لأنهم يعتقدون أن انتصارك هزيمة لهم قبل أن يكون هزيمة للاحتلال؟
لك الله يا حماس، ها أنت تصمدين وحدك للشهر السادس على التوالي، ومعك كتائب المقاومة الفلسطينية؛ في وجه أعتى جيوش المنطقة، مدعوما بشركائه وحماته من الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى، مدججا بالطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ والقذائف شديدة الانفجار، مع أحدث المعدات والتكنولوجيات العسكرية والقتالية، وأنت تصنعين بإيمانك وصمودك وبطولتك وتضحياتك المعجزة التي لم تفهمها بعد الدول والشعوب العربية والإسلامية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق