الخميس، 28 مارس 2024

من قمّة النقب إلى قمّة الرياض

 من قمّة النقب إلى قمّة الرياض

وائل قنديل


في الثامن والعشرين من مثل هذا الشهر مارس/ آذار 2022، وعلى مسافة 48 ساعة من ذكرى يوم الأرض الفلسطيني، ترأس الاحتلال الصهيوني لأوّل مرّة في التاريخ قمّة عربية على مستوى وزراء الخارجية في صحراء النقب المحتلة، بحضور وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن.

المشاركون من العرب كانوا وزراء خارجية مصر سامح شكري، والإمارات عبد الله بن زايد، والبحرين عبد اللطيف بن راشد الزياني، والمغرب ناصر بوريطة، وانفرد البحريني في ذلك اليوم في كلمته بإدانة ما وصفها بالعملية الإرهابية التي قُتل فيها إسرائيليان في الخضيرة باليوم السابق للاجتماع، وقدّم التعازي لعائلتيهما. وأعلن وزير الخارجية الصهيوني في ذلك الوقت، يائير لبيد، وهو زعيم المعارضة الإسرائيلية حالياً، أعلن وهو يترأس المؤتمر الصحافي السداسي المشترك فتح الباب أمام الكلّ للمشاركة ضد الإرهاب، والذي هو من وجهة النظر الإسرائيلية الأميركية "إيران هي العدو المشترك ومن هم وكلاء لها"، كما عبّر بلينكن.

مخرجات ذلك الاجتماع هي الخيط الناظم للمواقف العربية من العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزّة، والذي يُوشك على الدخول في الشهر السابع، إذ تتمحور كلّ التصريحات العربية الرسمية حول ما يمكن وصفها "قاعدة بلينكن" التي تقول إنّ الهدف الأوّل لجهود وقف القتال هو استئناف مسيرة التطبيع العربي الإسرائيلي المعطّلة، من أجل التفرّغ لمواجهة الخطر الإيراني، والذي يشمل، بمقتضى هذه القاعدة، كلّ حركات المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني في غزّة وجنوب لبنان واليمن.

نحن على بعد ساعات من ذكرى يوم الأرض الفلسطيني، والعدو يتأهّب لغزو رفح وتدميرها كما فعل في مناطق قطاع غرّة، وهو آمن تماماً ومطمئنٌ لردّات الفعل العربية التي لن تخرج عن إصدار بيانٍ مكتوبٍ بأنامل مرتعشة، ويحمل عباراتٍ من نوعية أنّ مثل هذه الخطوة تهدّد السلام والتنمية والتعايش في المنطقة، ذلك أنّ النظام العربي يبدو، طوال الوقت، شديد الالتزام بما تقرّره واشنطن للمنطقة، ومن ثم يمكن القول إنّه ملتزم بما أسفرت عنه قمّة النقب.

هنا لا بأس من المقارنة بين قمّة النقب 2022 وقمّة الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، والتي انعقدت بمشاركة 57 دولة عربية وإسلامية بعد أسابيع من بدء العدوان الإسرائيلي على غزّة، والمقارنة هنا من حيث الالتزام بالقرارات والمُخرجات.

في حين تملّص المشاركون في قمّة الرياض من قرارها الأهم بكسر الحصار على غزّة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، لا يزال المشاركون في قمّة النقب أوفياء لمخرجات تلك القمة الشائنة، إذ لا يحيد الخطاب الرسمي العربي عن خطاب أنتوني بلينكن، فيما يخصّ مجريات الصراع، وبشكل خاص التذكير طوال الوقت بأنّ المطلوب وقف الحرب من أجل الانطلاق على طريق التطبيع، مع ملاحظة أنّ أياً من المطبّعين القدامى لم يتراجع خطوة واحدة عمّا كان عليه الموقف قبل بدء العدوان على غزّة، بل تذهب كلّ التقديرات إلى أنّ التطبيع التجاري انتعش أكثر من ذي قبل.

والحال كذلك، لا يمكن النظر إلى التظاهرات التي يخرج فيها الشعب الأردني لمحاصرة سفارة الاحتلال كلّ ليلة، إلّا باعتبارها شعاع ضوْء لفجرٍ قادمٍ، تنتظره الجماهير العربية، وترتعد منه الأنظمة ولا يحظى بالتغطية الإعلامية الواجبة.

ما يفعله الشعب الأردني كلّ ليلة ملحمة حقيقية يمكن أن تحرّر الغضب الشعبي الهادر المحبوس خلف تلال من القمع تمارسه حكوماتٌ لا تستطيع الخروج من سباقٍ تطبيعي لا يتوقّف ولا يعرف له أحد نهاية، يتنافس فيه الإسلامي الأممي (أردوغان) والعروبي القومي (سلسلة طويلة من عرب المشرق والمغرب) كانوا يظنون أنّهم اطمأنوا تماماً لموات الشعوب وعجزها اليائس عن مجرّد التفكير في التعبير الجاد والعملي عن التصدّي لكلّ هذا العار الذي يلفّ الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق