الجمعة، 29 مارس 2024

حصان طروادة الإسرائيلي

 

حصان طروادة الإسرائيلي

"الرصيف المؤقت" الذي يتمّ بناؤه على ساحل البحر الأبيض المتوسط في غزة، ليس موجودًا للتخفيف من المجاعة، ولكن لترحيل الفلسطينيين على متن السفن وإلى المنفى الدائم.

تسمح الأرصفة للأشياء بالدخول. إنهم يسمحون للأشياء بالخروج. ويبدو أن إسرائيل، التي ليس لديها نية لوقف حصارها القاتل لغزة، بما في ذلك سياستها المتمثلة في التجويع القسري، قد وجدت حلًا لمشكلتها المتعلّقة بمكان طرد 2.3 مليون فلسطيني.

دعم شكلي

إذا لم يأخذهم العالم العربي، كما اقترح وزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال جولته الأولى من الزيارات بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، فسيتم تحميل الفلسطينيين على السفن. عملتُ في بيروت في عام 1982 عندما تم إرسال حوالي ثمانية آلاف ونصف الألف من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية عن طريق البحر إلى تونس، وانتهى الأمر بألفين ونصف الألف آخرين في دول عربية أخرى. تتوقع إسرائيل أن ينجح نفس الترحيل القسري عن طريق البحر في غزة.

تدعم إسرائيل، لهذا السبب، "الرصيف المؤقت" الذي تبنيه إدارة بايدن، لتوصيل الغذاء، والمساعدات ظاهريًا إلى غزة – الغذاء والمساعدات التي سيشرف الجيش الإسرائيلي على "توزيعها".

قال جيريمي كونينديك – مسؤول مساعدات كبير سابق في إدارة بايدن، والآن رئيس مجموعة الدفاع عن المساعدات الدولية للاجئين لصحيفة الغارديان- : " أنت بحاجة إلى سائقين غير موجودين، وشاحنات غير موجودة تعمل في نظام توزيع غير موجود".

هذا "الممر البحري" هو حصان طروادة الإسرائيلي، وهو حيلة لطرد الفلسطينيين. لن تخفف الشحنات الصغيرة من المساعدات المنقولة بحرًا، مثل عبوات الطعام التي تم إسقاطها من الهواء، من المجاعة التي تلوح في الأفق. ليس المقصود منها ذلك.

قُتل خمسة فلسطينيين وأصيب العديد من الآخرين عندما فشلت مظلة تحمل مساعدات واصطدمت بحشد من الناس بالقرب من مخيم الشاطئ للاجئين في مدينة غزة.

وقال المكتب الإعلامي للحكومة المحلية في غزة:  "إن إسقاط المساعدات بهذه الطريقة هو دعاية براقة وليس خدمة إنسانية". "لقد حذرنا سابقًا من أنه يشكل تهديدًا لحياة المواطنين في قطاع غزة، وهذا ما يحدث عندما سقطت الطرود على رؤوس المواطنين".

إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل جادتَين في تخفيف حدة الأزمة الإنسانية، فلتسمح إسرائيل لآلاف الشاحنات التي تحمل الغذاء والمساعدات حاليًا على الحدود الجنوبية لغزة بدخول أي من معابرها المتعددة. إنهم لن يفعلوا ذلك.  "الرصيف المؤقت"، طريقة لإخفاء تواطؤ واشنطن في الإبادة الجماعية".

ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو الذي اقترح بناء "الرصيف المؤقت" على إدارة بايدن.

هدية مميتة!

أشاد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت – الذي أطلق على الفلسطينيين اسم "حيوانات بشرية"، ودعا إلى حصار كامل على غزة، بما في ذلك قطع الكهرباء والغذاء والماء والوقود – بالخطة، قائلًا: "إنها مصممة لتقديم المساعدات مباشرة إلى السكان، وبالتالي مواصلة العمل على تحقيق انهيار حُكم حماس في غزة".

"لماذا تؤيد إسرائيل، مهندسة مجاعة غزة، فكرة إنشاء ممر بحري للمساعدات؛ لمعالجة الأزمة التي بدأتها وتزداد سوءًا الآن؟" تكتب تمارا نصار في مقال بعنوان: "ما هو الغرض الحقيقي من ميناء بايدن في غزة؟" قد يبدو هذا متناقضًا إذا افترض المرء أن الهدف الأساسي للممر البحري هو تقديم المساعدات.

عندما تقدم إسرائيل هدية للفلسطينيين، يمكنك التأكد من أنها تفاحة مُسمَّمة. إن حصول إسرائيل على دعم إدارة بايدن لبناء الرصيف، هو مثال آخر على العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، حيث اشترى اللوبي الإسرائيلي المسؤولين المنتخبين في الحزبين الحاكمين.

تتهم أوكسفام في تقرير صدر في 15 مارس/آذار إسرائيل بإعاقة عمليات الإغاثة بنشاط في غزة في تحدٍّ لأوامر محكمة العدل الدولية. وتلاحظ أن 1.7 مليون فلسطيني، حوالي 75 في المائة من سكان غزة، يواجهون المجاعة وأن ثلثي المستشفيات، وأكثر من 80 في المائة من جميع العيادات الصحية في غزة لم تعد قابلة للتشغيل. يقول التقرير؛ إن غالبية الناس "لا يمكنهم الوصول إلى مياه الشرب النظيفة" و"خدمات الصرف الصحي لا تعمل".

يقول التقرير: الظروف التي لاحظناها في غزة تتجاوز الكارثية، ولم نرَ فقط فشل السلطات الإسرائيلية في الوفاء بمسؤوليتها عن تسهيل ودعم جهود المعونة الدولية، ولكن في الواقع رأينا خطوات نشطة يتم اتخاذها لعرقلة وتقويض جهود المعونة هذه. لا تزال سيطرة إسرائيل على غزة تتميز بإجراءات تقييدية متعمدة أدت إلى خلل وظيفي شديد ومنهجي في تسليم المساعدات.

ردود وهمية

أبلغت المنظمات الإنسانية العاملة في غزة عن تدهور الوضع منذ أن فرضت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة، في ضوء الخطر المنظور للإبادة الجماعية، مع تكثيف الحواجز والقيود والهجمات الإسرائيليّة ضد العاملين في المجال الإنساني. حافظت إسرائيل على "ردودها الوهمية" في غزة لخدمة ادعائها بأنها تسمح بالمساعدة في الحرب بما يتماشى مع القوانين الدولية.

تقول أوكسفام؛ إن إسرائيل توظّف "نظامَ تفتيشٍ مختلٍّ وظيفيًا، ولا يتناسب لوجيستيًا مع حجم المساعدات لتبقى المساعدات متعثرة، وتخضع لإجراءات بيروقراطية مرهقة ومتكررة، ولا يمكن التنبؤ بها، تساهم في تقطع السبل بالشاحنات في طوابير عملاقة لمدة 20 يومًا في المتوسط".

توضح أوكسفام أن إسرائيل ترفض "أجزاء كبيرة من المساعدات، حيث لها "استخدام مزدوج (عسكري)، وتحظر الوقود والمولدات الحيوية بالكامل إلى جانب العناصر الأخرى الأساسيّة للاستجابة الإنسانية الهادفة مثل معدات الحماية ومجموعة الاتصالات".

المساعدات المرفوضة، "يجب أن تمرّ بنظام "موافقة مسبقة" معقد، أو ينتهي بها الأمر إلى احتجازها في طي النسيان في مستودع العريش في مصر". كما قامت إسرائيل "بقمع البعثات الإنسانية، وإغلاق شمال غزة إلى حد كبير، وتقييد وصول العاملين الدوليين في المجال الإنساني ليس فقط إلى غزة، ولكن إلى إسرائيل والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية أيضًا".

سمحت إسرائيل بدخول 15413 شاحنة إلى غزة خلال الأيام الماضية من الحرب. تقدر أوكسفام أن سكان غزة يحتاجون إلى خمسة أضعاف هذا العدد. سمحت إسرائيل بـ 2874  شاحنة في فبراير/شباط، بانخفاض بنسبة 44 في المائة عن الشهر السابق. قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، دخلت 500 شاحنة إغاثة غزة يوميًا.

قتل الجنود الإسرائيليون أيضًا عشرات الفلسطينيين الذين يحاولون تلقي المساعدات من الشاحنات في أكثر من عشرين حادثة. تشمل هذه الهجمات مقتل ما لا يقل عن 21 فلسطينيًا، وإصابة 150، في 14 مارس/آذار، عندما أطلقت القوات الإسرائيلية النار على الآلاف من الناس في مدينة غزة.

أبعاد كارثية

تقول أوكسفام: "لقد أمسك الهجوم الإسرائيلي بعمال الإغاثة في غزة وشركاء الوكالات الدولية داخل بيئة "غير صالحة للسكن عمليًا" من النزوح الجماعي والحرمان، حيث يتم الآن إلقاء 75 في المائة من النفايات الصلبة في مواقع عشوائية، و97 في المائة من المياه الجوفية غير صالحة للاستخدام البشري، والدولة الإسرائيلية تستخدم المجاعة كسلاح حرب".

تشير أوكسفام إلى أنه لا يوجد مكان في غزة آمن "وسط النزوح القسري والمتعدد في كثير من الأحيان لجميع السكان تقريبًا، مما يجعل التوزيع المبدئي للمساعدات غير قابل للتطبيق، بما في ذلك قدرة الوكالات على المساعدة في إصلاح الخدمات العامة الحيوية على نطاق واسع".

تهاجم أوكسفام إسرائيل؛ بسبب هجماتها "غير المتناسبة" و"العشوائية" على "الأصول المدنية والإنسانية" وكذلك "محطات الطاقة الشمسية والمياه والطاقة والصرف الصحي، ومباني الأمم المتحدة والمستشفيات والطرق، وقوافل المساعدات والمستودعات، حتى عندما يفترض أن هذه الأصول يتم مشاركة إحداثياتها مع الجيش الإسرائيلي لتوفير الحماية".

قالت وزارة الصحة في غزة: إن أكثر من 32 ألف شخص قتلوا منذ بدء الهجوم الإسرائيلي قبل خمسة أشهر. وقال بيان للوزارة: إن عدد القتلى يشمل ما لا يقل عن 81 حالة وفاة في الـ 24 ساعة السابقة، مضيفًا أن 73792 شخصًا أصيبوا في غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. الآلاف غيرهم مفقودون، والعديد منهم مدفون تحت الأنقاض.

لن يتم تغيير أي من هذه التكتيكات الإسرائيلية مع بناء "رصيف مؤقت". في الواقع، بالنظر إلى الهجوم البري المعلق على رفح، حيث يوجد 1.2 مليون فلسطيني نازح في مدن الخيام أو يخيمون في الهواء الطلق، فإن تكتيكات إسرائيل ستزداد سوءًا.

تخلق إسرائيل، حسب خطتها، أزمة إنسانية ذات أبعاد كارثية، حيث قتل الآلاف من الفلسطينيين؛ بسبب القنابل والقذائف والصواريخ والرصاص والجوع والأمراض المعدية، وأن الخيار الوحيد سيكون الموت أو الترحيل. الرصيف هو المكان الذي سيتم فيه تنفيذ آخر عمل في حملة الإبادة الجماعية البشعة هذه، حيث يتم جمع الفلسطينيين من قبل الجنود الإسرائيليين على متن السفن.

ما مدى كارثية أن تسهل إدارة بايدن – التي بدونها لا يمكن تنفيذ هذه الإبادة الجماعية – ذلك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق