الأربعاء، 3 أبريل 2024

[مُصِيبةُ المُتَفَيْقِهة في عصرنا الآنيّ هِي طَمْسُ المُصطلحات واستبدالها]

 [مُصِيبةُ المُتَفَيْقِهة في عصرنا الآنيّ هِي طَمْسُ المُصطلحات واستبدالها]

صفوت بركات

لقد اِبتُلينا مُنذ انحدار الحضارة الإسلاميّة بطُغيان مصطلحات الغَرب في التّصنيف العلميّ للخيارات السِّياسية والاجتماعيّة والطَّبقات المُجتمعيّة، إذ سيطَر على عُموم التّصنيفات العِلميّة خيارات تُراوِح بين (يَمينٍ ووسَطٍ ويَسارٍ)؛ ولم يتوقّف الأمر عند تلكم الخيارات، بل ظَلّت تتكاثر وتتوسّع حتّى جَدّ لليَمين خياران: (يَمينٌ ويَمينٌ اليَمين)؛ وأصبح لليَسار يساران:(يَسارٌ ويَسارُ اليَسار)؛ والأمر نفسه ينطبِق على الوَسَط، إذ صار للوَسط وسطان:(وَسَط يَمِينيّ، ووَسَط يَساريّ).
وكانت النتيجة المُترتّبة على طُغيان تلك الخيارات أنْ استبدلنَاها بمُصطلحات هي مِن صَمِيم تُراثنا العِلميّ (كالرّاجِح، والمَرجُوح، والمعمول به)؛ وأُهمِلَت المناهج والمصطلحات الّتي أقامها علماؤنا (كعَمَل طبقات الفقهاء في كُلّ عصرٍ أو عَمَل أهل المدينة، ومَذهب أهل الكوفة أو الحجاز أو الأندلس).
وهذه طامّة كُبرى، لأنّ كُل تلك الخيارات الفقهيّة كانت مِن وِعاء واحدٍ، ومصدريّة واحدة تجعل كُلّ الخيارات تَوْسِعةً على الأُمّة الإسلاميّة، ولا تَنفي نسبة خيارٍ مِن الخيارات للمصدر الواحد حيث الضّبط اللُّغوى الّذي يَرُدّ المُصطلح إلى جذره الواحد ، ومِن ثَمَّ لا ينشأ فَهْمٌ مغلوطٌ أو مُضادّ لأيٍّ مِن اشتقاقاته. فلمّا غرقنا في طُغيان المصطلحات الغربيّة -للخيارات السّياسية ومدلولالتها في الفَهم، والتّصنيف، والتّفسير، الحُكْم- نشَبَتِ الصّراعات في السّاحة الإسلاميّة فى مواسم الطّاعات، لا سيّما رمضان، والزّكوات، والصّدقات، وأعمال البر.
مع أنّنا لو رَدَدنا الأمر لأصله، وما اصطلح عليه فقهيًّا فى ضبط الأحكام ونعوتها، ورَدَدناها لجُذُورها نجدها اُشتُقّت مِن جِذرٍ لُغويٍّ واحدٍ؛ وهو ما لا يجعل أىُّ خيار مِنَ الخيارات نَشاذًا، بل كُلّهم فُروعٌ لأصلٍ واحد يراعي أوساع النّاس، واختلاف وتغيُّر عاداتهم، وتَجدُّد ضروراتهم، وتنوِّعها في الكِفاية مِن المعايش.
ولا يتوقّف الأمر على هذا بل يجتمع أمر كُلّ أصحاب الخيارات المُتعدّدة في وئام، ووُدٍّ وتسود بينهم المودّة، والتّراحُم ممّا ينعكِس على طُرُق التّربية والانتماء للأُمّة؛ وهذا يحتاج إلى جهد كبير مِن كُلّ طُلابِ العِلم النّابهين مِن أجل وأد استعمالات المُصطلحات الغربيّة في التّصنيف، والتي تولّدت منها مصطلحات تُنبِتُ الشِّقاق، والعَداوة بين أبناء الأُمّة الإسلاميّة؛ إذ كُلّ مُصطلح مستورد لن يأتي وحده بل مُقترنًا ومُحمّلًا بالوعي الّذي أنتجه، وهنا مَكمَن الخُطورة بالذّات.
وإذا كانت الأمّة الأسلاميّة - كما اتّفق على هذا كُلّ أكابرها- أُمّة مرحُومة، فإنّ شَرط عودتها لنَعتها ووصفها -كما وصفها أكابرنا- يكون بالعودة إلى مصطلحاتنا من جديد، ليكون لها العُلُوُّ، والاستعمال، والتّحصين، والتّداول حتّى في أدقّ التّصنيفات وأعظمها مرورًا بالعلاقات الإنسانيّة بين النّاس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق