دونالد ترامب.. خلفيات و وعود |
أ. د. زينب عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية |
ترامب: "أنا أفضل شيء يمكنه أن يحدث لإسرائيل" إن كانت عبارة "أنا أفضل شيء يمكنه أن يحدث لإسرائيل"، التي قالها دونالد ترامب، هي تلخيص شديد الوضوح لموقفه ولكل ما سيقوم به من أجل الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، التي استولى عليها تقريبا، فما بقي منها من فتات لا يمت إلى كيان دولةٍ ما بأي حال من الأحوال، فإن ما وعد به ترامب في حملته الانتخابية يعطي صورة شديدة الوضوح لكل ما ينوى عمله من أجل مساعدة الصهاينة.. وقد تناولت ذلك في مقال سابق بعنوان "أقوال الصهاينة.. يا مسلمين". أما اليوم فأقوم بتوضيح عمق الصلة التي تربطه بذلك الكيان السفاح، القائم على أشلاء شعب وأنقاض دولة كانت ذات سيادة، شعب تُرك يواجه مصيره بكل جبروت بين كلمات جوفاء وصمت مهين.. علّ كل الحكام المسلمين والعرب يدركون ما تم وما سوف يتم بسبب ذلك الصمت والتواطؤ أو فتات بعض الشعارات الجوفاء.. ففي يوم 21 مارس 2016، في مدينة واشنطن، تحدث دونالد ترامب أمام حضور مكون من خمسة عشرة ألفا من اليهود، في اللقاء السنوي لمنظمة "آيباك" (AIPAC) وتعني: "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (American Israel Public Affairs Committee). وهو أقوى لوبي صهيوني موجود بالولايات المتحدة، تم إنشاؤه سنة 1951، أي بعد ثلاث سنوات من قرار إنشاء الكيان الصهيوني، لمساندته وتدعيمه لاقتلاع الفلسطينيين والاستيلاء على دولتهم بكل صفاقة إجرامية وتواطؤ دولي. وتعتمد منظمة "الآيباك" على أكثر من سبعين هيئة ومؤسسة يهودية في الولايات المتحدة، ومن أهدافها المعلنة: تكوين لوبي شديد الفاعلية لدى الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض لحماية المصالح الإسرائيلية ؛ التأكد من أن الفيتو الأمريكي سيعترض على أي قرار لهيئة الأمم يدين أي تصرف إسرائيلي ؛ ضمان مساعدة مالية وعسكرية سخية لإسرائيل ؛ إعداد الأجيال القادمة الممالأة لإسرائيل ؛ مراقبة الانتخابات وتصريحات المنتخبين الأمريكيين فيما يتعلق بأي مسألة تخص إسرائيل من قريب أو من بعيد ؛ تنظيم وتوجيه تبرعات المانحين اليهود الأمريكان للمرشحين أثناء الانتخابات. وحينما يكون مثل هذا التنظيم الأخطبوطي النزعة هو المسيطر على المجال السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، ندرك معنى الكلمات التي أعلنها دونالد ترامب أثناء لقاءه بأعضاء منظمة "الآيباك".. فقد بدأ ترامب بتقديم نفسه بأنه "مساند أزلي" لإسرائيل، وأعلن أن "أمن إسرائيل لا تفاوض فيه". ومن أهم العبارات التي تفوه بها في ذلك الاجتماع: * "عندما سأصبح رئيسا، ستنتهي الأيام التي تعد فيها إسرائيل كمواطن من الدرجة الثانية" ؛ * "أتحدث إليكم اليوم كشريك مدى الحياة وصديق حقيقي لإسرائيل" ؛ * "أحب القوم الموجودين في هذه القاعة، أحب إسرائيل (...)، وابنتي إيفانكا على وشك أن تضع طفلا جميلا يهوديا".. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ابنة دونالد ترامب قد اعتنقت اليهودية سنة 2008 لتتزوج من الملياردير اليهودي جيرد كاشنر وأصبح اسمها يائل كاشنر، وتشغل وظيفة "نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة ترامب". أي إن الصهاينة موجودون بالفعل في عقر دار الرئيس المنتخب للولايات الأمريكية المتحدة.. أما فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، فقد أعرب ترامب أنه يتعيّن على الفلسطينيين أن يأتوا إلى مائدة التفاوض مع إسرائيل "وهم على أتم استعداد لوقف الإرهاب الذي يقومون به على إيقاع يومي" ! أي إننا في زمن يعد المدافع فيه عن حقه وبلده "إرهابي" لا بد من اقتلاعه.. وما أن تم اختيار دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة حتى بادر موقع "من يحكم أمريكا" بنشر قائمة تضم ستون اسما لمليارديرات يهود قاموا بمساندة الحملة الانتخابية لدونالد ترامب. وبعض الأسماء الواردة بها شديدة القرب لدونالد ترامب بما أنها تضم اسم ابنته وزوجها الذي ينافس حماه في حب اقتناء أبراج ناطحات السحاب. والأسماء واردة بالترتيب الأبجدي، مع مراعاة أنه فيما عدا مايكل عبود، الذي ينتمي إلى يهود السيفاراد، الشرقيين، فجميعهم من اليهود الأشكيناز، الذين لا ينتمون إلى الشرق أصلا، وهم من يهود أوروبا وسلالة الخزر. وفيما يلي رابط قائمة اليهود المساندين لدونالد ترامب في حملته الانتخابية: URL شذرات عن ترامب : أثناء الحملة الانتخابية أعلن ترامب أنه "يتعيّن على هيلاري كلينتون أن تكون في السجن". وما أن تم انتخابه حتى بدأ يتراجع، ففي لقاء مع مجلة "ستون دقيقة" على قناة "بي بي سي" أعلن ترامب أنه غير متأكد عما سوف يعمله بها موضحا: "لا أريد أن أجرح مشاعرهم فهم أناس طيبون" ! وقدم الشكر إلى هيلاري موضحا أن الأمريكيين يدينون لها بالكثير لكل ما قدمته للبلد".. ومعروف باعترافها هي شخصيا أن من بين ما قدمته للبلد وللعالم: إسهامها في اختلاق مرتزقة "داعش" وشركاه في محاولة مجنونة لاقتلاع الإسلام والمسلمين.. وحينما كان أحد رؤساء مجلس الشيوخ القدامى في هايتي قد سأله أثناء الحملة الانتخابية عن استيلاء الأموال وتحويلها إلى "مؤسسة كلينتون" وعن الفساد السائد فيها، وعد ترامب بالاهتمام بالموضوع أثناء مناقشاته الرئاسية. ولم يفعل شيئا.. والمعروف أن هيلاري كانت من شديدي تأييد التدخل في العراق، لكن يبدو ان الصمت والتعتيم على الفساد هو الذي سيسود، طالما هو متعلق بالإسلام أو لصالح الصهاينة. علما بأن ترامب قبل ذلك كان قد وصف آل كلينتون قائلا: "أنهم مجرمون، تذكروا ذلك جيدا، أنهم مجرمون". أما موقفه من الإسلام والمسلمين، فتكفي الإشارة إلى أن كلا من مايكل فلين ومايكل ليدن قد اشتركا معا في كتاب صدر في يوليو الماضي بعنوان "كيف يمكننا كسب الحرب الشاملة ضد الإسلام الراديكالي وحلفاؤه؟"، فقام جيرد كاشنر، زوج ابنة ترامب، بنشر عرضٍ مسهب عنه في جريدة "ذي نيويورك أوبزرفر" التي يمتلكها. ودونالد ترامب، الذي سيتولى مهام منصبه يوم 20 يناير 2017، يمتلك بعض ناطحات السحاب والممتلكات الأخرى، أهمها أكبر كازينوهين للقمار والمعروف تعاملهما مع المافيا وغسيل الأموال، على حد قول موقع "فوكس نيوز".. وإن كانت برامجه وأقواله وأفعاله معروفة من حيث تشجيعه للانفلات المطلق لمختلف أنواع الشذوذ، إلا أن أهم ما لفت نظر المؤرخة سالي هاول، الأستاذة بجامعة ميتشيجان، فهي تقول إن مقترحات ترامب فيما يتعلق بهجرة المسلمين في أمريكا "قد أدت الي ظهور موجة من العداء ضد المسلمين لم تعرفها البلاد من قبل، فهي أعنف من ردود الأفعال التي أعقبت 11/9".. كما أشارت أنه في الشهور القليلة الماضية تم حرق أكثر من مائة مسجد، وكأن ترامب بتصريحاته، تلك المتعلقة بالإسلام، قد "قننت العنف ضد الإسلام" (وارد بجريدة لوموند الفرنسية بتاريخ 27 أكتوبر 2016). ولو تأملنا من قام بالفعل في تعيينهم لأدركنا جدية وعوده، على الأقل التهديدية منها أو المتعلقة بإسرائيل، أذكر منهم على سبيل المثال: جيمس ماتيس، ليترأس وزارة الدفاع، وبذلك سيصبح أول جنرال متقاعد يترأس البنتاجون منذ 1950. والمعروف بأنهم يلقبونه "الكلب المسعور" من قسوة ما قام به في المعارك التي يقودها ضد المسلمين والعرب، وينتمي لليمين المتطرف المرتبط بأكثر المتطرفين تطرفا بالجيش الإسرائيلي. كما قام بتعيين نكّي هالي، حاكمة جنوب كارولاينا، سفيرة أمريكية في هيئة الأمم. وهي أول سيدة يقوم ترامب بتعيينها لتخلف سامنتا بأول، وهي على حد وصف دونالد ترامب لها: "من البارعات في التفاوض، ولدينا الكثير علينا أن نتفاوض عليه".. محاولة لربط الأحداث : إذا ما استعدنا سريعا أكاذيب السياسة الأمريكية الصهيو صليبية التعصب، في حربها الصارخة الظلم ضد الإسلام، ومنها على سبيل المثال: أكذوبة "صدام حسين وأسلحة الدمار الشامل"، و"مسئولية القاعدة عن العديد من المعارك"، و"الأسلحة النووية في إيران"، و"استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية ضد شعبه"، أو الأكاذيب المتعلقة بالقذافي، أو غزو روسيا لأوكرانيا، وجميعها أحداث تدميرية وقعت بعد مسرحية 11/9 الصهيو أمريكية الصنع، التي تمت أساسا بطلب صريح من مجلس الكنائس العالمي، في يناير 2001 ، حين فشل في اقتلاع الإسلام وفقا لقرار مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، فأسند للولايات المتحدة بمهمة "اقتلاع الإسلام" وحدد لها عشرة أعوام عُرفت باسم "اقتلاع محور الشر" الذي هو الإسلام في نظرهم.. إذا ما استعدنا كل ذلك، وغيره كثير، وأضفنا إليه قائمة الستين مليارديرا صهيونيا داعما للحملة الانتخابية لدونالد ترامب، وأضفنا اليها بعض البنود التي أعلنها ترامب حديثا والتي سيعمل عليها في المائة يوم الأولي بعد توليه مهام منصبه رسميا، ومنها: * أنه سيلغي كل القرارات التنفيذية التي أقرها أوباما حول هدم الوظائف، بما في ذلك قرارات مؤتمر الأمم المتحدة حول التغيير المناخي المنعقد في ديسمبر 2015 ؛ * سيلغي اتفاقية باريس حول المناخ ووقف دفع أية نفقات وضرائب دولاريه من الولايات المتحدة للاتحاد الأوروبي وبرامج الازدياد الحراري الشامل ؛ * إنقاذ صناعات الفحم والصناعات الأخرى التهديدية التي أقرتها أجندة هيلاري كلينتون المتطرفة ؛ * أي قانون ضار بالعمال أو غير ضروري أو مناقض للمصلحة القومية سوف يقشط تماما (الخط في النص الأصلي)؛ * أي قانون مستقبلي سيمر عبر اختبار بسيط: هل هذا القانون في صالح العامل الأمريكي ؟ إن لم ينجح في هذا الاختبار فذلك القانون لن يتم اعتماده.. وإن أمكن تلخيص ما تقدم في عبارة مقتضبة، فإن برنامج دونالد ترامب يعتمد أولا وأخيرا على استتباب وضع الصهاينة نهائيا ومحو ما بقي من خريطة فلسطين، بدليل إعلان ناتنياهو الصريح بعدم قبول "دولة فلسطينية" على الإطلاق واستمراره في بناء المستعمرات في القدس الشرقية.. إضافة إلى ذلك قد يهتم ترامب بالشأن الداخلي للمصلحة الأمريكية، فالتلويح بمصلحة العمال تتنافى منطقيا مع مصلحة أقرانه من المليارديرات الصهاينة.. أما الدول العربية والإسلامية فعليها السلام، بفضل مواقفها، إلا إذا ارتضي لها رب العلمين نهاية أخرى.. زينب عبد العزيز 5 ديسمبر 2016 رابط حملة ترامب التي يفضح فيها سياسة مؤسسة كلينتون: |
الدرة (( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ )) الامام الشافعي
السبت، 31 مايو 2025
دونالد ترامب.. خلفيات و وعود
تحرير دمشق هل يعني بداية تحرير القدس؟
تحرير دمشق هل يعني بداية تحرير القدس؟
إضاءات شرعية سننية عمرانية
الخاسرون في الشرق الأوسط الجديد
الخاسرون في الشرق الأوسط الجديد
لقد انقلبت الطاولة على الدول القوية في السابق
ترجمة رقمية لــ تقرير نشر على موقع الإيكونوميست بتاريخ ٢٩ مايو
النازية المتصاعدة في الهند.. عدوان عابر للحدود

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم
تُعدّ قضية كشمير، التي دفعت الهند وباكستان مجددا إلى حافة الحرب وتكاد تزج بهما في أتونها، مشكلة مزمنة تتسم بطابع تأسيسي حاسم في رسم حدود العلاقات بين البلدين.
فمنذ حرب الاستقلال عام 1947، كانت كشمير سببًا في وصول البلدين مرارًا إلى حافة النزاع المسلح، كما اندلعت بينهما حربان مباشرتان في عامي 1965 و1971.
والمفارقة اللافتة أن هذه المسألة تعود جذورها إلى نفس الحقبة التي شهدت تأسيس الكيان الإسرائيلي المحتل. إذ لا يفصل بين الحدثين سوى عام واحد (1947 و1948)، غير أن تعاطي الهند مع كشمير يتقاطع في أحيان كثيرة مع ذهنية الاحتلال التي تعرف بها إسرائيل.
ومع مرور الوقت، غدت إسرائيل مصدر إلهام قويًا للهند، التي انزلقت مؤخرا إلى مستنقع عنصري متصلب.
وفي الآونة الأخيرة، ينتهج الحزب الحاكم في الهند، سياسات قمعية وتمييزية وعنصرية ضد المسلمين ويوسّع من رقعة هذا النهج يوما بعد يوم. وكانت الذريعة التي لجأت إليها الهند لشن هجومها الأخير على باكستان هي الهجوم المسلح الذي وقع في منطقة باهالجام في جامو وكشمير في 22 أبريل. ودون أي تحقيق أو تدقيق، حمّلت الهند باكستان مسؤولية هذا الهجوم، واندفعت بلهفة كبيرة لشن الهجوم في تصرّف يكشف عن استراتيجية تصعيد متعمدة.
وهذا بدوره يعزز من احتمالية أن يكون الهجوم قد تم تدبيره كجزء من مؤامرة داخلية هندية.
عداء الإسلام الخارج عن السيطرة في الهند
قبل كل شيء، لا بد من الإشارة إلى أن هناك مناخًا سياسيًا وأيديولوجيًا خطيرًا في الهند يدفعها ويحرّضها ويمنحها الدافع لخوض حرب ضد باكستان.
إن الكراهية المتزايدة ضد المسلمين داخل الهند آخذة في التوسع، وثمة احتمال كبير بأن تتحول هذه الكراهية إلى عدوانية مفرطة يصعب السيطرة عليها. وكما ذكرنا سابقًا، فإن المسلمين الذين كانوا ولا يزالون جزءًا أصيلاً من الهند، بل وكانوا على مدى قرون حكامًا لها، يعانونا في ظل السياسات الانفصالية للحكومة الحالية من الظلم والاضطهاد، ويتعرضون لانتهاكات منهجية وجسيمة لحقوق الإنسان، فحالات الإعدام خارج القانون، والتعذيب، وسوء المعاملة، والقيود المفروضة على حرية المعتقد والتعبير، وجرائم القتل الغامضة، باتت شائعة ووصلت إلى أبعاد مروعة في أوساط المسلمين.
أما الخطاب العنصري والفاشي المعادي لهم، فقد بات مألوفًا إلى درجة أنه أفقد الجميع صوابهم. والأمر الأشد خطورة أن هذا النهج الفاشي لم يعد حكرًا على الحزب الحاكم، بل بدأت حتى الأحزاب التي تبدو "معتدلة" أو "طبيعية" تتبناه. وبلغ الأمر بأحد أعضاء البرلمان الهندي أن دعا علنًا إلى إبادة جماعية تطال مئتي مليون مسلم.
وفي ظل التعاون السياسي وشبه العسكري المشترك بين حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم حاليًا (BJP) والحركة الشبه عسكرية الرئيسية "راشتريا سوايمسيفاك سانغ"، تُظهر السياسات الرامية إلى "جعل الهند هندوسية" أن التمييز ضد المسلمين يتم وفق فلسفة وخطة محددة. وتُقارن السياسات المطبقة في هذا الشأن بالممارسات النازية.
ويعتقد هذا التحالف أو التعاون السياسي أن الهند تخص الهندوس فقط، وأن المسلمين والمسيحيين هم عناصر "دخيلة" لا تنتمي إلى هذه البلاد.
وبطبيعة الحال، يتطلّب ترسيخ مثل هذا التصور تزييفًا للتاريخ وتحريفًا للحقائق الاجتماعية لبناء هوية وطنية جديدة على هذا الأساس. فالمسلمون لم يأتوا من خارج الهند،. ربما وصل إليهم في بداياته عبر بعض القادة والدعاة، لكن جزءًا كبيرًا من الشعب الهندي اعتنقه في الماضي دون أي إكراه، وبفضله أُسست في الهند دولة قوية وحضارة راسخة. وقد حكم المسلمون الهند لقرون طويلة، وجعلوا منها قوة فاعلة على الساحة الدولية. فالمسلمون في الهند هم الهند نفسها، وربما يكون تاج محل شاهدًا وحيدًا على ذلك، لكن الحركة الهندوسية العنصرية تحاول إنكار وجود المسلمين في الهند.
الهند على خطى النازيين تحت إشراف إسرائيل
وبينما يعمل ناريندرا مودي وحزبه على فرض عقيدة "هندوتفا" ـ التي تهدف إلى جعل الهند دولةً هندوسية خالصة ـ كسياسة دولة إلزامية للجميع، فإنهم يضعون ضمن أهدافهم الصريحة إبادة 200 مليون مسلم. ولتحقيق ذلك، ينفذون سياسات صارمة وقاسية، فعلى سبيل المثال، وفي إطار تطبيق يهدف إلى إعادة تعريف المواطنة، قامت الدولة حتى الآن بتجريد أكثر من مليوني مسلم من جنسيته، مستغلة عدم قدرة الكثيرين في المناطق الريفية على توثيق حياتهم المدنية (كالمواليد والزواج) بسبب ظروفهم المعيشية. ورغم وجود هندوس بين المتأثرين بهذه الإجراءات، فإن التطبيق يستهدف المسلمين بوضوح.
ومن اللافت أن الهند، رغم توتراتها الطويلة مع باكستان بشأن كشمير، لم تكن تعكس هذا التوتر داخليًا تجاه مواطنيها المسلمين بهذه الدرجة من العنف.
غير أن تصاعد الكراهية العنصرية في الفترة الأخيرة، بدأ يحدد بشكل متزايد طريقة تعامل الدولة مع قضية كشمير، كما أن قضية كشمير نفسها باتت تُحدِّد نظرة الهند لمواطنيها المسلمين.
والأكثر إثارة للاهتمام أن تصاعد السياسات العنصرية والمعادية للإسلام في الهند يجري بوتيرة موازية للتطور المتسارع في علاقاتها مع إسرائيل. فالهند، في ظل إدارة مودي، لا تكتفي بإظهار عدائها للمسلمين في كشمير فحسب، بل تتعامل مع سائر المناطق ذات الغالبية المسلمة داخل البلاد بعقلية المستعمر المحتل. والنموذج الذي استلهمته واستوردته من إسرائيل هو الاحتلال، والإبادة الجماعية، وفي أحسن الأحوال نظام فصل عنصري، تمامًا كما هو الحال في فلسطين.
هل يمكن أن ينبثق من هذا المشهد وحدة إسلامية حقيقية؟
في خضم هذه التطورات، هل من الواقعي أن ينتظر المرء موقفًا عالميًا صريحًا منحازًا لصالح باكستان؟ ولا ينبغي تجاهل أن قضية كشمير لم تعد مجرد خلاف ثنائي بين الهند وباكستان، بل تحوّلت إلى نزاع إقليمي يؤثر على الأمن الإقليمي والعالمي ويشمل الصين أيضًا، ما يعني أن باكستان لن تكون وحدها في هذا المسار. وقد يكون الموقف المتزن الهادئ الذي أظهرته باكستان في عدم الانجرار وراء استفزازات الهند، ودعوات التهدئة من المجتمع الدولي عاملًا مساعدًا في منع تصعيد الحرب أكثر.
ورغم أن تركيا قد دعت إلى التهدئة وضبط النفس بين الطرفين، إلا أنها عبّرت بشكل واضح عن دعمها لباكستان، غير أن التطلعات تتجاوز ذلك؛ إذ ما أحوج العالم الإسلامي اليوم إلى أن يتخذ موقفاً موحداً، انطلاقا من هذا الحدث الجلل، ليعبر عن تضامن صريح مع باكستان، ويكون ذلك أيضًا بمثابة تعبير عن التضامن مع المسلمين في الهند، الذين يتراوح عددهم بين 200 إلى 300 مليون مسلم.
فهل يمكن أن تكون هذه الأزمة فرصة لاتحاد المسلمين الذي عجزوا عن اتخاذ موقف تجاه غزة؟ وهل يمكن أن تستخلص الأمة درسًا من الفاتيكان، الذي انتخب البابا الجديد بالأمس مظهراً للعالم أجمع قوة وعظمة وأهمية الوحدة الدينية؟
وللأسف، من المرجح جدًا أن يُنظر إلى ما قلته على أنه تطلعات ساذجة للغاية.
إن من تُنتهك كرامتهم كل يوم في غزة ليسوا الفلسطينيين، فبمقاومتهم الباسلة وموقفهم المشرف يثبتون أنهم أهل عزة وكرامة. ولكن ما يُنتهك هناك تحديدًا هو شرف وكرامة قادة العالم الإسلامي الذين نأمل منهم أن ينهضوا ويتحركوا.
فبعض هؤلاء، تراه اليوم غارقًا في إشعال الفتن في رقعة أخرى من العالم الإسلامي، منشغلاً بحياكة المؤامرات ضد شعب السودان المظلوم، كي لا تقوم له قائمة ولا يلتئم له شمل.
الأخوة الإنسانية": وثيقة ألعوبانية
وهو نفس السبب الذي قام ذلك المجمع بتشكيل لجنتين، إحداهما للحوار بين الأديان والأخري لتنصير الشعوب، وكلا الفيلقان تحت رئاسة البابا مباشرة.
كيف نهبت فرنسا ثروات الجزائر وبنت حضارتها على الدم؟!
كيف نهبت فرنسا ثروات الجزائر وبنت حضارتها على الدم؟!
الأدب يُصوّر الجريمة
تحتاج الأمة إلى علماء وأدباء يعيدون كتابة تاريخها برؤية جديدة، ويمنحونها الذاكرة التي تمكنها من بناء علاقات عادلة مع دول الغرب، ومن أهم الحقائق التي ينبغي أن تعيها الأمة، أن التقدم الغربي قد بُني على نهب ثروات الشعوب واستغلال دمائها، ومن هنا لا بد من فتح هذا الملف بقوة، ولنبدأ بالاستعمار الفرنسي للجزائر، كمرحلة أولى في كفاح جديد يكمل ثورة الاستقلال.
يمكن للأدباء أن يكونوا في طليعة معركة العدالة التاريخية، من خلال تصويرهم للظلم الذي تعرّض له الشعب الجزائري من مختلف الزوايا، بما يشكل أساسًا لمطالبة فرنسا باسترجاع ما نهبته ظلمًا، فالتصوير الأدبي للتاريخ قادر على تعميق وعي الأمة بحقوقها.
أموال منهوبة وتقدّم زائف
تُظهر الحقائق التاريخية أنه لا حق للغرب في التفاخر علينا بتقدّمه، فهو تقدم شُيّد من ثرواتنا ودمائنا، فقبل احتلال الجزائر كانت فرنسا على وشك الإفلاس وتعيش في فقر مدقع، لكنها سرعان ما نهبت احتياطات الذهب والفضة ومخازن داي الجزائر التي ضمّت أطنانًا من الذهب، كما اغتصبت ممتلكات الجزائريين وثرواتهم المعدنية.
وقدمت فرنسا جزءًا من هذه الأموال لدول أوروبية مقابل مشاركة جيوشها في العدوان على الجزائر، بعد أن أوشك الأمير عبد القادر الجزائري ورجاله على هزيمة الجيش الفرنسي، فاستغاثت فرنسا بالدول الأوروبية “باسم المسيحية” لمحاربة المسلمين.
باريس الجديدة.. بدماء الشهداء
حرقت الجيوش الأوروبية المدن والقرى الجزائرية حتى تمكنت من كسر مقاومة عبد القادر، وبمجرد أن أحكمت فرنسا سيطرتها، أعلن نابليون الثالث عن مشروع بناء “باريس الجديدة”، وزيّن مداخل قصورها بجماجم الشهداء الجزائريين.
وعندما سُئل عن مصدر تمويل المشروع، أجاب: “من الأموال والثروات التي حصلنا عليها من الجزائر”، وهذا تصريح صريح بالنهب المنظّم.
الأدب يكشف الحقيقة رغم الرقابة
فرضت فرنسا، التي تتغنى بحرية الرأي، رقابة صارمة لمنع نشر الحقائق حول نهب الجزائر، لذلك لجأ الأدباء إلى الرموز للتعبير عن مواقفهم، وكان فيكتور هوغو -المعارض للاستعمار- من أبرز هؤلاء.
عُرف هوغو بنقده الاجتماعي، وصوّر في روايته البؤساء واقع البؤس الفرنسي، وقد نُفي عام 1851 إلى بروكسل ثم إلى جزيرتي جيرزي وغيرنزي، حيث قضى 19 عامًا في المنفى، بسبب رفضه لانقلاب نابليون الثالث على الديمقراطية، واتهامه له بالخيانة. في رسائله من المنفى، هاجم هوغو العدوان الفرنسي على الجزائر.
هوغو يرفض الإبادة باسم فرنسا
في خطبة له عام 1845 أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، هاجم هوغو المذابح التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر، وقال: “كل شيء أُبيد بالنار باسم الشعب الفرنسي”.
وفي رسالة من المنفى، كتب: “ما نسميه فتح الجزائر ليس سوى إبادة منظّمة. هل يمكن أن نحرق القرى، ونخنق الناس بالدخان في الكهوف، ونطردهم من أرضهم، ثم نزعم أننا جئناهم بالحضارة؟! هذا نفاق لا يمكن تبريره”.
وكان يشير إلى ما عُرف بـ”جريمة الدخان”، حين أحرق الجيش الفرنسي المقاومين أحياء في الكهوف.
القانون كأداة للقمع
في رواية البؤساء، أدان هوغو القمع باسم القانون، قائلًا: “ما يسمى بالنظام ليس إلا جريمة منظّمة ضد الضعفاء… فما الفرق بين عصابة لصوص بزي رسمي، وأخرى بلا زي؟”.
وأضاف: “فرنسا تتباهى بنشر الحضارة، لكنها في الجزائر تزرع الموت وتحصد البؤس. فالحضارة لا تأتي على ظهر المدافع”.
وقال في نص آخر: “أصبحنا أسيادًا على أرض لم نستأذن أهلها في دخولها، نقتل ونصادر، ونزعم أننا نحمل النور، ولكن النور لا يُفرض بالسيف، والعدل لا يولد من المدافع”.
فرنسا على جماجم الأبرياء
في مذكراته الإنسانية المقهورة (1853)، كتب هوغو: “هناك أمة تبكي جنوب المتوسط. أمة جُردت من أرضها باسم العلم، وفُرضت عليها لغة ليست لغتها، وقُتلت وهي صامتة… تلك أمة الجزائر، ونحن الجلادون الذين ندّعي الحضارة”.
وفي رسالة أخرى من منفاه، قال: “أخجل أن أقول إن فرنسا التي تكتب الشعر وتغني للحرية، هي نفسها التي تحاصر قرية جزائرية وتحرقها عن بكرة أبيها”.
وأشار إلى مذبحة ارتكبها الجنرال بيليسييه، حين حاصر 500 جزائري في كهف وأحرقهم بالدخان، مؤكدًا: “هذا ليس فعلًا عسكريًا، بل جريمة ضد الإنسانية، وكل من يسكت عنها فهو شريك فيها”.
وفي ديوانه أسطورة العصور، قال:
“قالوا إنهم أتوك بالنور،
لكنهم أتوك بالنار والسيوف…
فبأي حضارة يتكلمون؟!”.
الزيف الحضاري
رفض هوغو مظاهر الرفاهية الزائفة في فرنسا، التي بُنيت على حساب المستعمرات والفقراء، قائلًا: “الإمبراطور يصنع الحدائق في باريس، ويزرع المدافع في الجزائر”،
وهكذا ربط بين ثروة باريس ونهب المستعمرات، معتبرًا ذلك زيفًا حضاريًا يخفي جرائم بشعة، وبأن هذه “الحضارة” قامت على أنقاض شعوب مسحوقة.
كيف تساعد الصين في الخفاء مشروع الاستيطان الإسرائيلي؟
ترجمة وتحرير: نون بوست
قال صديقي أحمد، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، مازحًا: “لا داعي يا رزان للذهاب إلى الصين – تعالي إلى حوارة، فالصين هنا.” وعلى الرغم من طابعها الفكاهي، إلا أن هذه الكلمات حملت حقيقة مُرّة.وحوارة هي قرية فلسطينية صغيرة تقع قرب نابلس، تحيط بها بعض المستوطنات الصهيونية الأكثر عنفًا وتطرفًا أيديولوجيًا في البلاد، بما في ذلك مستوطنة يتسهار.
وعندما سألته عما يقصده، قال لي: “العمال الصينيون يعيشون ويعملون في المستوطنات المجاورة. أراهم بانتظام في شوارع القرية، يتسوقون من المحلات الفلسطينية المحلية”.
ودفعني هذا التعليق العابر قبل بضعة أشهر للتحقيق بشكل أعمق، فتحدثتُ مع فلسطينيين في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة وجمعتُ شهاداتهم. وقال علي، الذي يعيش في رام الله قرب مستوطنة بيت إيل: “رأيت عشرات العمال الصينيين يبنون المنازل والبنية التحتية في بيت إيل.”
وتذكر سعيد من الخليل أنه “خلال جائحة كوفيد 19، قام المستوطنون بعزل العمال الصينيين بشكل منفصل عن الآخرين”.
وتكشف هذه الشهادات عن حقيقة مزعجة، وهي أن العمالة الصينية تسهم بشكل فعّال وواضح في بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومن المفارقة أن هذا الواقع يتناقض بشكل مباشر مع السياسة الصين المعلنة؛ إذ أنها منعت قبل عقد من الزمن طواقم البناء الصينية من العمل في المستوطنات الإسرائيلية.
وفي سنة 2015، وقّعت الصين اتفاقية عمل ثنائية مع إسرائيل تضمنت شرطًا يمنع تشغيل العمال الصينيين في الضفة الغربية المحتلة. والجدير بالذكر أن هذا الشرط كان مدفوعًا بمخاوف تتعلق بالسلامة وليس بموقف مبدئي ضد عدم قانونية أو لا أخلاقية بناء المستوطنات.
ومع ذلك، بدا أن هذه المخاوف المتعلقة بالسلامة قد تراجعت في سنة 2016، عندما استحوذت الصين على شركة “أهافا“، وهي شركة مقرها داخل مستوطنة متسبيه شاليم.
وبعد سنة من ذلك، وقّع البلدان اتفاقية عمل جديدة لاستقدام 6000 عامل بناء صيني إلى إسرائيل وفق الشروط نفسها. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، إيمانويل نحشون، أن الاتفاق “استند إلى الحرص على سلامة وأمن العمال”. غير أن المسؤولين الصينيين ردوا بالقول إن “المسألة الحقيقية لم تكن تتعلق بالسلامة، بل باعتراض الصين على البناء في المستوطنات”.
ومع ذلك، فقد أوضحت مقابلاتي مع السكان – من نابلس إلى رام الله إلى الخليل – أن العمال الصينيين لا يزالون موجودين ومشاركين في توسيع المستوطنات، ويثير هذا الأمر تساؤلات جدية بشأن مدى صدق معارضة الصين المعلنة للنشاط الاستيطاني الإسرائيلي.
“رواد عصرنا”
وفي ظل الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، أعرب المسؤولون الصينيون علنًا عن قلقهم من تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. ففي سبتمبر/ أيلول من السنة الماضية، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، بأنه يجب على إسرائيل “وقف الأنشطة الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية”.
غير أنه في الوقت الذي تتحدث فيه بكين عن ضبط النفس، تمارس الشركات الصينية أفعالًا تدعم الاحتلال والمشروع الاستيطاني الاستعماري في فلسطين.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة “أداما للحلول الزراعية”، وهي شركة إسرائيلية سابقة أصبحت مملوكة بالكامل لشركة “كيم تشاينا” الصينية الحكومية. ففي ظل الحرب على غزة، قامت “أداما” بحشد عمّالها “لدعم المزارعين الذين يعانون من نقص في الأيدي العاملة… [بما في ذلك] مزارعي الجنوب، وسكان مستوطنات غلاف غزة، والمستوطنات الشمالية”، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”.
ونقلت الصحيفة نفسها عن ممثل شركة “أداما” قوله: “مزارعو البلاد، ولا سيما مزارعو المستوطنات المحيطة بغزة، هم رواد عصرنا، واستمرار عملهم ضروري للحفاظ على أمن البلاد”.
وأضاف: “في هذه الأيام، يعودون لزراعة أراضيهم رغم الألم الكبير ونقص الأيدي العاملة. ففي شركة أداما، لدينا الحق في مساعدتهم في أوقات الرخاء، والوقوف إلى جانبهم أيضًا في أوقات الأزمات.”
وفي يناير/ كانون الثاني 2024، ذهبت شركة أداما إلى أبعد من ذلك؛ حيث أطلقت صندوقًا للمنح الدراسية بقيمة حوالي مليون شيكل (275,000 دولار) لدعم الشهادات الأكاديمية في مجال الزراعة لسكان غلاف غزة والمستوطنات الشمالية.
ولدى شركة أداما تاريخ طويل من التعاون مع المؤسسات الاستيطانية، فقد استُخدمت منتجاتها في تجارب زراعية أجريت في المستوطنات الإسرائيلية في غور الأردن، والأمر الأكثر إزعاجًا هو أن أحد مبيدات الأعشاب التابعة لها استُخدم من قبل أحد المتعاقدين مع الجيش الإسرائيلي في الرش الجوي الذي أدى إلى تدمير الغطاء النباتي على طول الحدود مع غزة.
وفي حين تقدّم الصين نفسها كطرف محايد أو متعاطف في الصراع، فإن ملكيتها لشركة أداما تربطها بشكل مباشر بالتدمير العسكري لسبل عيش الفلسطينيين.
دعم ترسيخ الاستعمار
وهذه ليست حالة استثنائية؛ ففي السنوات الأخيرة، استثمرت عدة شركات صينية مملوكة للدولة، إلى جانب شركات صينية خاصة أخرى، بشكل مباشر أو غير مباشر في المستوطنات الإسرائيلية أو في الشركات التي تعمل داخلها.
وعلى سبيل المثال شركة تنوفا، وهي إحدى الشركات الإسرائيلية الكبرى لإنتاج المنتجات الغذائية في المستوطنات غير القانونية. وعلى الرغم من الدعوات الدولية لمقاطعة الشركة، استحوذت شركة برايت فود الصينية المملوكة للدولة على حصة قدرها 56 بالمائة في تنوفا سنة 2014.
وفي سنة 2021، فازت شركة تنوفا بمناقصة لتشغيل 22 خط للحافلات العامة تخدم 16 مستوطنة في منطقة ماتيه يهودا، والتي بُنيت جميعها على أراضٍ محتلة في شرق القدس والضفة الغربية. وهذه ليست مجرد حافلات، بل هي بنية تحتية تدعم ترسيخ الاستعمار، مما يجعل حياة المستوطنين أسهل وأكثر ديمومة.
مثال آخر هو استحواذ مجموعة فوسون الصينية سنة 2016 على شركة أهافا، وهي علامة تجارية لمستحضرات التجميل يقع مصنعها في مستوطنة متسبيه شاليم. وقد سبق تصنيف أهافا، التي تستهدفها حملة مقاطعة عالمية، من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة كجزء من المشروع الاستيطاني غير القانوني.
وفي الوقت ذاته، يواصل الدبلوماسيون الصينيون إطلاق دعوات لإسرائيل لوقف توسعها الاستيطاني. وقال السفير السابق تشانغ جون أمام مجلس الأمن الدولي في أواخر سنة 2023: “نحث إسرائيل على كبح تصاعد العنف الاستيطاني في الضفة الغربية، لتجنب تحول المنطقة إلى بؤرة توتر وانتشار الصراع”. وردد خليفته فو كونغ هذه الرسالة، داعيًا إسرائيل إلى “وقف أنشطتها الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية”.
غير أن السؤال هو: ماذا عن تورط الصين نفسها في هذه الأنشطة؟ فوكالة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تقدم تقارير دورية عن الشركات المتورطة في أنشطة المتعلقة بالاستيطان، ومع ذلك تواصل الشركات الصينية في مثل هذه التعاون.
ووفقًا للعديد من قرارات الأمم المتحدة، تُعد المستوطنات الإسرائيلية انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وتتناقض تصرفات الصين بشكل مباشر مع المبادئ القانونية التي تدّعي الالتزام بها، فبينما تعبّر بكين عن معارضتها للنشاط الاستيطاني، فإن علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل تعزز أُسس الاستعمار الصهيوني على حساب حقوق الفلسطينيين.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو كيف ظلت هذه الاستثمارات فعّالة إلى حد كبير تحت الرادار؛ حيث تدعم نظام الفصل العنصري في الخفاء، في الوقت الذي تتحدث فيه بكين عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
المصدر: ميدل إيست آي