السبت، 31 مايو 2025

دونالد ترامب.. خلفيات و وعود


دونالد ترامب.. خلفيات و وعود

أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية



ترامب: "أنا أفضل شيء يمكنه أن يحدث لإسرائيل"
 


إن كانت عبارة "أنا أفضل شيء يمكنه أن يحدث لإسرائيل"، التي قالها دونالد ترامب، هي تلخيص شديد الوضوح لموقفه ولكل ما سيقوم به من أجل الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، التي استولى عليها تقريبا، فما بقي منها من فتات لا يمت إلى كيان دولةٍ ما بأي حال من الأحوال، فإن ما وعد به ترامب في حملته الانتخابية يعطي صورة شديدة الوضوح لكل ما ينوى عمله من أجل مساعدة الصهاينة.. وقد تناولت ذلك في مقال سابق بعنوان "أقوال الصهاينة.. يا مسلمين". أما اليوم فأقوم بتوضيح عمق الصلة التي تربطه بذلك الكيان السفاح، القائم على أشلاء شعب وأنقاض دولة كانت ذات سيادة، شعب تُرك يواجه مصيره بكل جبروت بين كلمات جوفاء وصمت مهين.. علّ كل الحكام المسلمين والعرب يدركون ما تم وما سوف يتم بسبب ذلك الصمت والتواطؤ أو فتات بعض الشعارات الجوفاء..

ففي يوم 21 مارس 2016، في مدينة واشنطن، تحدث دونالد ترامب أمام حضور مكون من خمسة عشرة ألفا من اليهود، في اللقاء السنوي لمنظمة "آيباك" (AIPAC) وتعني: "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (American Israel Public Affairs Committee). وهو أقوى لوبي صهيوني موجود بالولايات المتحدة، تم إنشاؤه سنة 1951، أي بعد ثلاث سنوات من قرار إنشاء الكيان الصهيوني، لمساندته وتدعيمه لاقتلاع الفلسطينيين والاستيلاء على دولتهم بكل صفاقة إجرامية وتواطؤ دولي.

وتعتمد منظمة "الآيباك" على أكثر من سبعين هيئة ومؤسسة يهودية في الولايات المتحدة، ومن أهدافها المعلنة: تكوين لوبي شديد الفاعلية لدى الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض لحماية المصالح الإسرائيلية ؛ التأكد من أن الفيتو الأمريكي سيعترض على أي قرار لهيئة الأمم يدين أي تصرف إسرائيلي ؛ ضمان مساعدة مالية وعسكرية سخية لإسرائيل ؛ إعداد الأجيال القادمة الممالأة لإسرائيل ؛ مراقبة الانتخابات وتصريحات المنتخبين الأمريكيين فيما يتعلق بأي مسألة تخص إسرائيل من قريب أو من بعيد ؛ تنظيم وتوجيه تبرعات المانحين اليهود الأمريكان للمرشحين أثناء الانتخابات.

وحينما يكون مثل هذا التنظيم الأخطبوطي النزعة هو المسيطر على المجال السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، ندرك معنى الكلمات التي أعلنها دونالد ترامب أثناء لقاءه بأعضاء منظمة "الآيباك"..

فقد بدأ ترامب بتقديم نفسه بأنه "مساند أزلي" لإسرائيل، وأعلن أن "أمن إسرائيل لا تفاوض فيه". ومن أهم العبارات التي تفوه بها في ذلك الاجتماع:
* "عندما سأصبح رئيسا، ستنتهي الأيام التي تعد فيها إسرائيل كمواطن من الدرجة الثانية" ؛
* "أتحدث إليكم اليوم كشريك مدى الحياة وصديق حقيقي لإسرائيل" ؛
* "أحب القوم الموجودين في هذه القاعة، أحب إسرائيل (...)، وابنتي إيفانكا على وشك أن تضع طفلا جميلا يهوديا"..
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ابنة دونالد ترامب قد اعتنقت اليهودية سنة 2008 لتتزوج من الملياردير اليهودي جيرد كاشنر وأصبح اسمها يائل كاشنر، وتشغل وظيفة "نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة ترامب". أي إن الصهاينة موجودون بالفعل في عقر دار الرئيس المنتخب للولايات الأمريكية المتحدة..
أما فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، فقد أعرب ترامب أنه يتعيّن على الفلسطينيين أن يأتوا إلى مائدة التفاوض مع إسرائيل "وهم على أتم استعداد لوقف الإرهاب الذي يقومون به على إيقاع يومي" ! أي إننا في زمن يعد المدافع فيه عن حقه وبلده "إرهابي" لا بد من اقتلاعه..

وما أن تم اختيار دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة حتى بادر موقع "من يحكم أمريكا" بنشر قائمة تضم ستون اسما لمليارديرات يهود قاموا بمساندة الحملة الانتخابية لدونالد ترامب. وبعض الأسماء الواردة بها شديدة القرب لدونالد ترامب بما أنها تضم اسم ابنته وزوجها الذي ينافس حماه في حب اقتناء أبراج ناطحات السحاب. والأسماء واردة بالترتيب الأبجدي، مع مراعاة أنه فيما عدا مايكل عبود، الذي ينتمي إلى يهود السيفاراد، الشرقيين، فجميعهم من اليهود الأشكيناز، الذين لا ينتمون إلى الشرق أصلا، وهم من يهود أوروبا وسلالة الخزر. وفيما يلي رابط قائمة اليهود المساندين لدونالد ترامب في حملته الانتخابية: URL
 
شذرات عن ترامب :
أثناء الحملة الانتخابية أعلن ترامب أنه "يتعيّن على هيلاري كلينتون أن تكون في السجن". وما أن تم انتخابه حتى بدأ يتراجع، ففي لقاء مع مجلة "ستون دقيقة" على قناة "بي بي سي" أعلن ترامب أنه غير متأكد عما سوف يعمله بها موضحا: "لا أريد أن أجرح مشاعرهم فهم أناس طيبون" ! وقدم الشكر إلى هيلاري موضحا أن الأمريكيين يدينون لها بالكثير لكل ما قدمته للبلد".. ومعروف باعترافها هي شخصيا أن من بين ما قدمته للبلد وللعالم: إسهامها في اختلاق مرتزقة "داعش" وشركاه في محاولة مجنونة لاقتلاع الإسلام والمسلمين..
وحينما كان أحد رؤساء مجلس الشيوخ القدامى في هايتي قد سأله أثناء الحملة الانتخابية عن استيلاء الأموال وتحويلها إلى "مؤسسة كلينتون" وعن الفساد السائد فيها، وعد ترامب بالاهتمام بالموضوع أثناء مناقشاته الرئاسية. ولم يفعل شيئا.. والمعروف أن هيلاري كانت من شديدي تأييد التدخل في العراق، لكن يبدو ان الصمت والتعتيم على الفساد هو الذي سيسود، طالما هو متعلق بالإسلام أو لصالح الصهاينة. علما بأن ترامب قبل ذلك كان قد وصف آل كلينتون قائلا: "أنهم مجرمون، تذكروا ذلك جيدا، أنهم مجرمون".

أما موقفه من الإسلام والمسلمين، فتكفي الإشارة إلى أن كلا من مايكل فلين ومايكل ليدن قد اشتركا معا في كتاب صدر في يوليو الماضي بعنوان "كيف يمكننا كسب الحرب الشاملة ضد الإسلام الراديكالي وحلفاؤه؟"، فقام جيرد كاشنر، زوج ابنة ترامب، بنشر عرضٍ مسهب عنه في جريدة "ذي نيويورك أوبزرفر" التي يمتلكها.

ودونالد ترامب، الذي سيتولى مهام منصبه يوم 20 يناير 2017، يمتلك بعض ناطحات السحاب والممتلكات الأخرى، أهمها أكبر كازينوهين للقمار والمعروف تعاملهما مع المافيا وغسيل الأموال، على حد قول موقع "فوكس نيوز"..

وإن كانت برامجه وأقواله وأفعاله معروفة من حيث تشجيعه للانفلات المطلق لمختلف أنواع الشذوذ، إلا أن أهم ما لفت نظر المؤرخة سالي هاول، الأستاذة بجامعة ميتشيجان، فهي تقول إن مقترحات ترامب فيما يتعلق بهجرة المسلمين في أمريكا "قد أدت الي ظهور موجة من العداء ضد المسلمين لم تعرفها البلاد من قبل، فهي أعنف من ردود الأفعال التي أعقبت 11/9".. كما أشارت أنه في الشهور القليلة الماضية تم حرق أكثر من مائة مسجد، وكأن ترامب بتصريحاته، تلك المتعلقة بالإسلام، قد "قننت العنف ضد الإسلام" (وارد بجريدة لوموند الفرنسية بتاريخ 27 أكتوبر 2016).
ولو تأملنا من قام بالفعل في تعيينهم لأدركنا جدية وعوده، على الأقل التهديدية منها أو المتعلقة بإسرائيل، أذكر منهم على سبيل المثال: جيمس ماتيس، ليترأس وزارة الدفاع، وبذلك سيصبح أول جنرال متقاعد يترأس البنتاجون منذ 1950. والمعروف بأنهم يلقبونه "الكلب المسعور" من قسوة ما قام به في المعارك التي يقودها ضد المسلمين والعرب، وينتمي لليمين المتطرف المرتبط بأكثر المتطرفين تطرفا بالجيش الإسرائيلي.

كما قام بتعيين نكّي هالي، حاكمة جنوب كارولاينا، سفيرة أمريكية في هيئة الأمم. وهي أول سيدة يقوم ترامب بتعيينها لتخلف سامنتا بأول، وهي على حد وصف دونالد ترامب لها: "من البارعات في التفاوض، ولدينا الكثير علينا أن نتفاوض عليه"..

محاولة لربط الأحداث :
إذا ما استعدنا سريعا أكاذيب السياسة الأمريكية الصهيو صليبية التعصب، في حربها الصارخة الظلم ضد الإسلام، ومنها على سبيل المثال: أكذوبة "صدام حسين وأسلحة الدمار الشامل"، و"مسئولية القاعدة عن العديد من المعارك"، و"الأسلحة النووية في إيران"، و"استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية ضد شعبه"، أو الأكاذيب المتعلقة بالقذافي، أو غزو روسيا لأوكرانيا، وجميعها أحداث تدميرية وقعت بعد مسرحية 11/9 الصهيو أمريكية الصنع، التي تمت أساسا بطلب صريح من مجلس الكنائس العالمي، في يناير 2001 ، حين فشل في اقتلاع الإسلام وفقا لقرار مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، فأسند للولايات المتحدة بمهمة "اقتلاع الإسلام" وحدد لها عشرة أعوام عُرفت باسم "اقتلاع محور الشر" الذي هو الإسلام في نظرهم..

إذا ما استعدنا كل ذلك، وغيره كثير، وأضفنا إليه قائمة الستين مليارديرا صهيونيا داعما للحملة الانتخابية لدونالد ترامب، وأضفنا اليها بعض البنود التي أعلنها ترامب حديثا والتي سيعمل عليها في المائة يوم الأولي بعد توليه مهام منصبه رسميا، ومنها:
* أنه سيلغي كل القرارات التنفيذية التي أقرها أوباما حول هدم الوظائف، بما في ذلك قرارات مؤتمر الأمم المتحدة حول التغيير المناخي المنعقد في ديسمبر 2015 ؛
* سيلغي اتفاقية باريس حول المناخ ووقف دفع أية نفقات وضرائب دولاريه من الولايات المتحدة للاتحاد الأوروبي وبرامج الازدياد الحراري الشامل ؛
* إنقاذ صناعات الفحم والصناعات الأخرى التهديدية التي أقرتها أجندة هيلاري كلينتون المتطرفة ؛
* أي قانون ضار بالعمال أو غير ضروري أو مناقض للمصلحة القومية سوف يقشط تماما (الخط في النص الأصلي)؛
* أي قانون مستقبلي سيمر عبر اختبار بسيط: هل هذا القانون في صالح العامل الأمريكي ؟ إن لم ينجح في هذا الاختبار فذلك القانون لن يتم اعتماده..
وإن أمكن تلخيص ما تقدم في عبارة مقتضبة، فإن برنامج دونالد ترامب يعتمد أولا وأخيرا على استتباب وضع الصهاينة نهائيا ومحو ما بقي من خريطة فلسطين، بدليل إعلان ناتنياهو الصريح بعدم قبول "دولة فلسطينية" على الإطلاق واستمراره في بناء المستعمرات في القدس الشرقية.. إضافة إلى ذلك قد يهتم ترامب بالشأن الداخلي للمصلحة الأمريكية، فالتلويح بمصلحة العمال تتنافى منطقيا مع مصلحة أقرانه من المليارديرات الصهاينة..

أما الدول العربية والإسلامية فعليها السلام، بفضل مواقفها، إلا إذا ارتضي لها رب العلمين نهاية أخرى..

زينب عبد العزيز
5 ديسمبر 2016


رابط حملة ترامب التي يفضح فيها سياسة مؤسسة كلينتون:

تحرير دمشق هل يعني بداية تحرير القدس؟

 تحرير دمشق هل يعني بداية تحرير القدس؟

إضاءات شرعية سننية عمرانية  
مضر أبو الهيجاء 



القدس لنا

موعدنا القادم مع تحرير أرض الأنبياء فلسطين، ولكن بشروط، أولها أن تثبت دمشق على الصراط المستقيم، وثانيها أن تدخل مصر على الخط، ويتحرك فيها المارد العظيم.

 يا مسلم يا موحد، يا عباد الله هل ترون كيف تحررت دمشق.. فلا تقنطوا من رحمة الله في غزة والقدس وجنين وحيفا وعكا ويافا والضفة وعسقلان وخليل الرحمن.
إن لحظات سقوط الطاغوت، فرعون الشام، ذراع أمريكا وحارس إسرائيل، المستخذي للملالي الإيرانيين المجرمين، العبد الآبق بشار الأسد.. 
هي لحظات لا تنسى، ولا ينبغي أن تمر مرور الكرام أمام أعين المؤمنين الذين يبصرون الحقائق بشكل لا يبصره الذين على قلوبهم أقفال المعاصي والتيه والضلال.

 لا زالت عيناي تدمعان فرحا وقلبي يرفرف طربا كلما سمعت صوت الإمام يصدح في مساجد دمشق مهللا ومبشرا، أن سقط الطاغية فكبروا يا رجال الله وزغردي يا إماء الله.. فقد جاءتكم البشرى كما وعدكم الله، وأهلك الطاغية.

 أقولها وبيقين مطلق، إن لم نكن نحن فأولادنا سيشهدون تكبيرات المساجد في القاهرة وبغداد ودمشق واسطنبول والمغرب والجزيرة، وهي تصدح بالقول إن كبروا يا رجال الحق وزغردي يا إماء الله، فقد سقط المشروع الصليبي الغربي الأمريكي الجاثم على صدور الأمة، وتفككت أذرعه في المنطقة، سواء الكيان الإسرائيلي الحقير، أو النظم العربية التي تعمل كوكيل للغرب منذ لحظة نشوؤها وحتى اليوم.

 أيها الثوار الأحرار في أرض الشام المباركة، قد وهبكم الله نعمة عظيمة، فلا تتهاونوا برعايتها والمحافظة عليها والعمل باستحقاقاتها، وإياكم إياكم ثم إياكم أن يستزلكم شياطين الإنس، وتضعوا أيديكم بأيدي الصهاينة تحت أي عنوان وظرف، واعلموا أنكم لو فعلتموها -لا سمح الله- فسوف تسحب منكم نعمة النصر ويزهق التحرير وتعاد الكرة من جديد، وستعودون لعهد العبودية وتذوقون مراراته بألوان شتى وصنوف جديدة، تماما كما ذاقه بنو إسرائيل بعد أن نجاهم الله من فرعون فتركوا نبيهم وطلبوا المال وعبدوا العجل!

 إن سنن الله لا تحابي أحدا، وإن كتاب الله مليء بقصص بني إسرائيل، وهي موجهة لنا نحن المسلمون، وهو كلام الله العظيم الذي جاء مستعرضا ما وقع فيه بنو إسرائيل فاستحقوا اللعنة والطرد من رحمة الله، فإياكم وإياكم أيها السوريون الأحرار أن تعبدوا العجل، وتتوهموا أن السعادة والأمان في رفع العقوبات الاقتصادية إذا كان مقابلها تنازل عن دينكم وعقائدكم وأحكام شريعتكم وثوابتكم كمسلمين.

 والله سبحانه وتعالى يقول: ( ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ ) الحج : 41

 إن الاختبار الأصعب لأهل الشام الكرام قد بدأ للتو وبعد التحرير، حيث وصل الثوار والأحرار عطاشى للنهر والماء العذب، فهنيئا لمن سيكمل الطريق خلف طالوت، ويكتفي بغرفة ماء بيده، ويا لخسارة من سيستعذب الشرب فيهنأ لحظة يعقبها خسران مبين وعذابات مريرة!

 يقول سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة:249

 أيها الثوار والدعاة والمجاهدين والمصلحين الكرام، إن سألتم عن السبيل فهو صراط واحد وغيره ضلال، فعليكم به واستجيبوا لقول الله سبحانه وهو العليم الخبير: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ الكهف: 28

 مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 31/5/2025

الخاسرون في الشرق الأوسط الجديد

الخاسرون في الشرق الأوسط الجديد

لقد انقلبت الطاولة على الدول القوية في السابق

 ترجمة رقمية لــ تقرير   نشر على موقع الإيكونوميست بتاريخ ٢٩ مايو


قبل ثماني سنوات، كان عبد الفتاح السيسي محط الأنظار. استقبل دونالد ترامب الديكتاتور المصري بحفاوة في البيت الأبيض في أبريل/نيسان 2017. وبعد أسابيع قليلة، عندما زار السيد ترامب الرياض، دعا السعوديون السيد السيسي للانضمام إليهم. وحظي الجنرال السابق، الذي استولى على السلطة بانقلاب عام 2013، بمكانة مرموقة إلى جانب الرئيس الأمريكي والملك السعودي في حفل افتتاح مركز مكافحة الإرهاب.
ومع ذلك، لم يكلف أحد نفسه عناء استدعائه عندما عاد السيد ترامب إلى الرياض في مايو/أيار الماضي. كان حكام الخليج حريصين على التحدث مع الرئيس الأمريكي حول رؤيتهم للشرق الأوسط، ولم يكن السيد السيسي من بين هؤلاء. وبدلاً من ذلك، سافر إلى بغداد لحضور قمة جامعة الدول العربية غير المنظمة، حيث كان واحدًا من خمسة رؤساء دول فقط حضروا القمة (معظم أعضاء نادي الدول الـ 22 أرسلوا وزراء فقط).
هذه لحظة تحول في الشرق الأوسط. إيران ضعيفة. والحكومات الجديدة في سوريا ولبنان تريد إبقاء الوضع على هذا النحو. يحرص ملوك الخليج على تحقيق وفاق مع كل من إيران وتركيا، منافسيهم الإقليميين. ويتحدث السيد ترامب بأمل عن "يوم جديد مشرق"، وشرق أوسط يركز على التجارة بدلاً من الصراع.
المنطقة مكان صعب للمتفائلين: قد لا تدوم هذه اللحظة. وسواءً دامت أم لا، فإنها تُظهر كيف تغير الشرق الأوسط بالفعل. دول الخليج، الغنية والمستقرة ظاهريًا، هي محور الأحداث، بينما أصبحت بعض الدول التي كانت مؤثرة في السابق مجرد متفرجة.
تتصدر مصر هذه القائمة، ويتحمل السيد السيسي مسؤولية ذلك. فقد دمّر الاقتصاد المصري، وتراكمت عليه ديون عامة لا يمكن تحملها (حوالي 90% من الناتج المحلي الإجمالي) لتمويل مشاريع تافهة، ورفض الإصلاحات المنطقية التي قد تُعزز القطاع الخاص الراكد.
وقد دفع هذا مصر إلى الاعتماد على عمليات الإنقاذ. وقد تلقت مصر ما لا يقل عن 45 مليار دولار كمساعدات من دول الخليج منذ عام 2013، وفقًا لبيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث. كما أنها ثالث أكبر مدين لصندوق النقد الدولي. لكنها الآن تواجه منافسة. سيحتاج لبنان إلى 7 مليارات دولار على الأقل لإعادة الإعمار بعد حرب العام الماضي مع إسرائيل. وستحتاج سوريا إلى أضعاف هذا المبلغ.
على الأقل في الوقت الحالي، يبدو كلا البلدين استثمارًا أفضل من مصر. حكومتاهما تعدان بإصلاحات اقتصادية وسياسية جادة. تريد الحكومة السورية المؤقتة خصخصة الشركات الحكومية وجذب المستثمرين الأجانب. يريد الرئيس اللبناني جوزيف عون نزع سلاح حزب الله، الميليشيا القوية المدعومة من إيران. قد تساعد المساعدات المقدمة لتلك الدول في تحقيق تلك الأهداف؛ أما المساعدات المقدمة لمصر فلا تزيدها إلا عن كسب الوقت حتى أزمتها المالية القادمة.
يجد العراق نفسه على الهامش أيضًا. فقدت إيران أقرب حليف لها (نظام الأسد في سوريا) وأقوى ميليشياتها التابعة (حزب الله). هذا يجعلها يائسة للحفاظ على نفوذها في العراق، حيث تدعم مجموعة من الجماعات المسلحة. يصف بعض المسؤولين في الخليج العراق بأنه قضية خاسرة: فالميليشيات قوية جدًا ومتشابكة مع الدولة لدرجة يصعب معها اقتلاعها. لم يتمكن أحمد الشرع، الرئيس السوري الجديد، حتى من حضور قمة جامعة الدول العربية في بغداد بسبب تهديدات الميليشيات الموالية لإيران.
على أي حال، سافر إلى الرياض بدلاً من ذلك، حيث التقى بالسيد ترامب وحصل على وعد برفع أمريكا عقوباتها. يحرص السعوديون على دعم السيد الشرع جزئيًا لأن سوريا القوية ستشكل حصنًا منيعًا ضد النفوذ الإيراني. يقول مسؤول سعودي، مشيرًا إلى فترة كان فيها نظام الأسد خصمًا لديكتاتورية صدام حسين في العراق: "كانت سوريا تُسهم في تحقيق التوازن في العراق. ربما تستطيع لعب هذا الدور مجددًا"، هذه المرة مع إيران.
لطالما كان الفلسطينيون عديمو الدولة في قلب الشؤون العربية منذ عام ١٩٤٨. لكن هناك ما يدعو للاعتقاد بأنهم هم أيضًا يفقدون مركزيتهم. لم يفعل محمود عباس، الرئيس الفلسطيني الأبدي، شيئًا لتطهير إدارته الفاسدة في الضفة الغربية المحتلة. وتقدم حماس نموذجًا أكثر قتامة في غزة: فقد سمحت لإسرائيل بتدمير القطاع بدلًا من التنازل عن السلطة.
لا يزال القادة العرب يُقدمون وعودًا لفظية للقضية الفلسطينية. لكن عمليًا، يحاولون تقليص نفوذها. يريد السيد عون نزع سلاح الميليشيات الفلسطينية في مخيمات اللاجئين بلبنان (وقد أبدى بعض أعضاء حزب الله موافقتهم). وتعهدت الحكومة السورية الجديدة بفعل الشيء نفسه. ويدور حديث جاد في كلا البلدين حول السلام مع إسرائيل: ليس تطبيعًا كاملًا، بل على الأقل إنهاء عقود من الصراع.
كل هذا يُحدث تحولًا ملحوظًا. قبل عام، بدا لبنان وسوريا قضيتين خاسرتين أيضًا. كانت الأولى تحت سيطرة حزب الله، وفي حالة حرب مع إسرائيل؛ وكان اقتصادها لا يزال يعاني من أزمة مالية قلصت ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 40%. أما الثانية فكان دولة مخدرات لا تزال في قبضة نظام الأسد الذي كان يبدو صامدًا. والآن، تعتبرها دول الخليج وأمريكا قلب شرق أوسط أكثر ازدهارًا. وللحفاظ على هذا الوضع، سيتعين على حكوماتهم تحقيق نتائج.
بعد كل شيء، كان لدى العديد من حلفاء السيد السيسي العرب آمال كبيرة فيه أيضًا قبل عقد من الزمان. لكن تلك الآمال تبددت. على مدى عقود من الزمن، كان الشرق الأوسط منقسمًا على أسس أيديولوجية. وربما أصبح الانقسام الآن بين حكومات قادرة على الوفاء بوعودها وحكومات أخرى غير قادرة على ذلك.

النازية المتصاعدة في الهند.. عدوان عابر للحدود

النازية المتصاعدة في الهند.. عدوان عابر للحدود

ياسين اكتاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


تُعدّ قضية كشمير، التي دفعت الهند وباكستان مجددا إلى حافة الحرب وتكاد تزج بهما في أتونها، مشكلة مزمنة تتسم بطابع تأسيسي حاسم في رسم حدود العلاقات بين البلدين. 

فمنذ حرب الاستقلال عام 1947، كانت كشمير سببًا في وصول البلدين مرارًا إلى حافة النزاع المسلح، كما اندلعت بينهما حربان مباشرتان في عامي 1965 و1971. 

والمفارقة اللافتة أن هذه المسألة تعود جذورها إلى نفس الحقبة التي شهدت تأسيس الكيان الإسرائيلي المحتل. إذ لا يفصل بين الحدثين سوى عام واحد (1947 و1948)، غير أن تعاطي الهند مع كشمير يتقاطع في أحيان كثيرة مع ذهنية الاحتلال التي تعرف بها إسرائيل. 

ومع مرور الوقت، غدت إسرائيل مصدر إلهام قويًا للهند، التي انزلقت مؤخرا إلى مستنقع عنصري متصلب.

وفي الآونة الأخيرة، ينتهج الحزب الحاكم في الهند، سياسات قمعية وتمييزية وعنصرية ضد المسلمين ويوسّع من رقعة هذا النهج يوما بعد يوم. وكانت الذريعة التي لجأت إليها الهند لشن هجومها الأخير على باكستان هي الهجوم المسلح الذي وقع في منطقة باهالجام في جامو وكشمير في 22 أبريل. ودون أي تحقيق أو تدقيق، حمّلت الهند باكستان مسؤولية هذا الهجوم، واندفعت بلهفة كبيرة لشن الهجوم في تصرّف يكشف عن استراتيجية تصعيد متعمدة. 

وهذا بدوره يعزز من احتمالية أن يكون الهجوم قد تم تدبيره كجزء من مؤامرة داخلية هندية.

 

عداء الإسلام الخارج عن السيطرة في الهند

قبل كل شيء، لا بد من الإشارة إلى أن هناك مناخًا سياسيًا وأيديولوجيًا خطيرًا في الهند يدفعها ويحرّضها ويمنحها الدافع لخوض حرب ضد باكستان. 

إن الكراهية المتزايدة ضد المسلمين داخل الهند آخذة في التوسع، وثمة احتمال كبير بأن تتحول هذه الكراهية إلى عدوانية مفرطة يصعب السيطرة عليها. وكما ذكرنا سابقًا، فإن المسلمين الذين كانوا ولا يزالون جزءًا أصيلاً من الهند، بل وكانوا على مدى قرون حكامًا لها، يعانونا في ظل السياسات الانفصالية للحكومة الحالية من الظلم والاضطهاد، ويتعرضون لانتهاكات منهجية وجسيمة لحقوق الإنسان، فحالات الإعدام خارج القانون، والتعذيب، وسوء المعاملة، والقيود المفروضة على حرية المعتقد والتعبير، وجرائم القتل الغامضة، باتت شائعة ووصلت إلى أبعاد مروعة في أوساط المسلمين.

أما الخطاب العنصري والفاشي المعادي لهم، فقد بات مألوفًا إلى درجة أنه أفقد الجميع صوابهم. والأمر الأشد خطورة أن هذا النهج الفاشي لم يعد حكرًا على الحزب الحاكم، بل بدأت حتى الأحزاب التي تبدو "معتدلة" أو "طبيعية" تتبناه. وبلغ الأمر بأحد أعضاء البرلمان الهندي أن دعا علنًا إلى إبادة جماعية تطال مئتي مليون مسلم.

وفي ظل التعاون السياسي وشبه العسكري المشترك بين حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم حاليًا (BJP) والحركة الشبه عسكرية الرئيسية "راشتريا سوايمسيفاك سانغ"، تُظهر السياسات الرامية إلى "جعل الهند هندوسية" أن التمييز ضد المسلمين يتم وفق فلسفة وخطة محددة. وتُقارن السياسات المطبقة في هذا الشأن بالممارسات النازية.

ويعتقد هذا التحالف أو التعاون السياسي أن الهند تخص الهندوس فقط، وأن المسلمين والمسيحيين هم عناصر "دخيلة" لا تنتمي إلى هذه البلاد. 

وبطبيعة الحال، يتطلّب ترسيخ مثل هذا التصور تزييفًا للتاريخ وتحريفًا للحقائق الاجتماعية لبناء هوية وطنية جديدة على هذا الأساس. فالمسلمون لم يأتوا من خارج الهند،. ربما وصل إليهم في بداياته عبر بعض القادة والدعاة، لكن جزءًا كبيرًا من الشعب الهندي اعتنقه في الماضي دون أي إكراه، وبفضله أُسست في الهند دولة قوية وحضارة راسخة. وقد حكم المسلمون الهند لقرون طويلة، وجعلوا منها قوة فاعلة على الساحة الدولية. فالمسلمون في الهند هم الهند نفسها، وربما يكون تاج محل شاهدًا وحيدًا على ذلك، لكن الحركة الهندوسية العنصرية تحاول إنكار وجود المسلمين في الهند.

الهند على خطى النازيين تحت إشراف إسرائيل

وبينما يعمل ناريندرا مودي وحزبه على فرض عقيدة "هندوتفا" ـ التي تهدف إلى جعل الهند دولةً هندوسية خالصة ـ كسياسة دولة إلزامية للجميع، فإنهم يضعون ضمن أهدافهم الصريحة إبادة 200 مليون مسلم. ولتحقيق ذلك، ينفذون سياسات صارمة وقاسية، فعلى سبيل المثال، وفي إطار تطبيق يهدف إلى إعادة تعريف المواطنة، قامت الدولة حتى الآن بتجريد أكثر من مليوني مسلم من جنسيته، مستغلة عدم قدرة الكثيرين في المناطق الريفية على توثيق حياتهم المدنية (كالمواليد والزواج) بسبب ظروفهم المعيشية. ورغم وجود هندوس بين المتأثرين بهذه الإجراءات، فإن التطبيق يستهدف المسلمين بوضوح.

ومن اللافت أن الهند، رغم توتراتها الطويلة مع باكستان بشأن كشمير، لم تكن تعكس هذا التوتر داخليًا تجاه مواطنيها المسلمين بهذه الدرجة من العنف. 

غير أن تصاعد الكراهية العنصرية في الفترة الأخيرة، بدأ يحدد بشكل متزايد طريقة تعامل الدولة مع قضية كشمير، كما أن قضية كشمير نفسها باتت تُحدِّد نظرة الهند لمواطنيها المسلمين.

والأكثر إثارة للاهتمام أن تصاعد السياسات العنصرية والمعادية للإسلام في الهند يجري بوتيرة موازية للتطور المتسارع في علاقاتها مع إسرائيل. فالهند، في ظل إدارة مودي، لا تكتفي بإظهار عدائها للمسلمين في كشمير فحسب، بل تتعامل مع سائر المناطق ذات الغالبية المسلمة داخل البلاد بعقلية المستعمر المحتل. والنموذج الذي استلهمته واستوردته من إسرائيل هو الاحتلال، والإبادة الجماعية، وفي أحسن الأحوال نظام فصل عنصري، تمامًا كما هو الحال في فلسطين.

هل يمكن أن ينبثق من هذا المشهد وحدة إسلامية حقيقية؟

في خضم هذه التطورات، هل من الواقعي أن ينتظر المرء موقفًا عالميًا صريحًا منحازًا لصالح باكستان؟ ولا ينبغي تجاهل أن قضية كشمير لم تعد مجرد خلاف ثنائي بين الهند وباكستان، بل تحوّلت إلى نزاع إقليمي يؤثر على الأمن الإقليمي والعالمي ويشمل الصين أيضًا، ما يعني أن باكستان لن تكون وحدها في هذا المسار. وقد يكون الموقف المتزن الهادئ الذي أظهرته باكستان في عدم الانجرار وراء استفزازات الهند، ودعوات التهدئة من المجتمع الدولي عاملًا مساعدًا في منع تصعيد الحرب أكثر. 

ورغم أن تركيا قد دعت إلى التهدئة وضبط النفس بين الطرفين، إلا أنها عبّرت بشكل واضح عن دعمها لباكستان، غير أن التطلعات تتجاوز ذلك؛ إذ ما أحوج العالم الإسلامي اليوم إلى أن يتخذ موقفاً موحداً، انطلاقا من هذا الحدث الجلل، ليعبر عن تضامن صريح مع باكستان، ويكون ذلك أيضًا بمثابة تعبير عن التضامن مع المسلمين في الهند، الذين يتراوح عددهم بين 200 إلى 300 مليون مسلم.

فهل يمكن أن تكون هذه الأزمة فرصة لاتحاد المسلمين الذي عجزوا عن اتخاذ موقف تجاه غزة؟ وهل يمكن أن تستخلص الأمة درسًا من الفاتيكان، الذي انتخب البابا الجديد بالأمس مظهراً للعالم أجمع قوة وعظمة وأهمية الوحدة الدينية؟

وللأسف، من المرجح جدًا أن يُنظر إلى ما قلته على أنه تطلعات ساذجة للغاية.

إن من تُنتهك كرامتهم كل يوم في غزة ليسوا الفلسطينيين، فبمقاومتهم الباسلة وموقفهم المشرف يثبتون أنهم أهل عزة وكرامة. ولكن ما يُنتهك هناك تحديدًا هو شرف وكرامة قادة العالم الإسلامي الذين نأمل منهم أن ينهضوا ويتحركوا.

فبعض هؤلاء، تراه اليوم غارقًا في إشعال الفتن في رقعة أخرى من العالم الإسلامي، منشغلاً بحياكة المؤامرات ضد شعب السودان المظلوم، كي لا تقوم له قائمة ولا يلتئم له شمل.

الأخوة الإنسانية": وثيقة ألعوبانية

الأخوة الإنسانية": وثيقة ألعوبانية
أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية

نعم، وعلي الرغم من كل الحفاوة التي واكبتها، فإن تلك الوثيقة المعنونة بالأخوة الإنسانية عبارة عن بيان قائم علي الخداع والتلاعب بالألفاظ، وتندرج مباشرة تحت سلسلة المحاولات الملتوية التي تتسم بها مسيرة "الحوار بين الديان" الذي فرضه مجمع الفاتيكان الثاني. 
فهي جزء لا يتجزأ من منهج ذلك المجمع ووثيقته غير الأمينة، المعنونة: "في زماننا هذا"، كما تسير في ركاب الخطاب الفظ الذي ألقاه البابا بنديكت 16 في راتسبون سنة 2006، والذي اتهم فيه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، بأنه "لم يقم إلا بكل ما هو سيء وغير إنساني، وأنه نشر الإسلام بحد السيف". 
وخاصة مطالبته بضرورة حماية الأقباط الذين تحدث عنهم وكأنهم ضحايا يعيشون تحت نير الإسلام !. 
كما تعد هذه الوثيقة استمرارية لكل محاولات البابا يوحنا بولس الثاني والصلاة الجماعية التي أقامها في بلدة أسيز، والمحاولات العديدة غيرها، لاقتلاع الإسلام وتنصير العالم وفقا لما حدده المجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1965، حتي تبدأ الألفية الثالثة والعالم بأثره تحت رئاسة الفاتيكان. 
وهو نفس السبب الذي قام ذلك المجمع بتشكيل لجنتين، إحداهما للحوار بين الأديان والأخري لتنصير الشعوب، وكلا الفيلقان تحت رئاسة البابا مباشرة.

وإن كان الإسلام كما يقول البابا بنديكت 16: 
"عنيف بطبعه ولا يمت الي المنطق بصلة، فما الذي يمكن قوله حول 150000 آية عنف وإرهاب في الكتاب المقدس، كما تُعلن الموسوعة البريطانية، وما الذي يمكن قوله عن الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش، وحرق الناس أحياء، وآلات التعذيب التي تملأ متحف كركاسون بجنوب فرنسا، وخاصة قول يسوع، ذلك الحَمَل الوديع: "أما عن أعدائي الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فاتوا بهم هاهنا واذبحوهم قدامي" (لوقا 19: 24)؟

إن وثيقة الأخوة ليست بالنص الساذج، بما ان البابا أدرج فيها صراحة : "إما أن نبني المستقبل معا، أو لن يكون هناك مستقبل علي الإطلاق". وهي عبارة تفصح عن الكثير من النوايا من مختلف الأوجه، وذلك هو ما سمح له أن يصفها أثناء اللقاء العام يوم 6 فبراير 2019، صبيحة عودته من أبو ظبي، بأنها "مفاجأة من الرب"!
ويا لها من مفاجأة فعلا، فما من مسلم يمكنه فهم ما بهذه الوثيقة من خدع ويقوم بالتوقيع عليها !.

ونطالع أن النص كتبه إثنان ممّن يجيدون العربية، وإن كانت الأسماء غير معلنة، إلا أن تواجدهما في الصدارة يفصح عنهما، فأحدهما القبطي المصري المونسنيور لحظي جاد، السكرتير الخاص للبابا فرنسيس، ومحمد عبد السلام، المستشار السابق لشيخ الأزهر، والذي منحه البابا وسام بيوس التاسع، أعلي وسام في الفاتيكان والذي يُمنح لأول مرة في التاريخ لمسلم عربي، وذلك للجهد الذي بذله! وهو حاليا يحتل الصدارة في اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، تلك اللجنة التي يتعيّن عليها تطبيق كل ما ورد بالوثيقة المشئومة..

وأول ما يمكن الإشارة اليه فيما يتعلق بالأسلوب: فالعبارات ألعوبانية، وآيات القرآن الكريم غير مذكورة صراحة، وإنما معناها مذاب في سائل الوثيقة ويستخدم للزحلقة كخلفية مرجعية. 
وهناك عبارات وأسماء وكلمات غير مذكورة علي الإطلاق، من قبيل يسوع ـ المسيح، المسيحية، الأناجيل أو التنصير. 
أما المهزلة الكبرى فتمت بالتلاعب باسم "الله". فكلمة Dieu (الرب) بالفرنسية، صفة، تعني أو تشير يقينا إلي يسوع المسيح، بينما لفظ الجلالة "الله" فهو اسم عَلَم يدل فقط علي الخالق سبحانه وتعالي الذي ليس كمثله شيء. 
كما أن أسماء الشرق، الغرب، تتناثر عبر النص لكنها تتفادي تماما الإشارة الي حقيقة طبيعة ذلك الغرب الصليبي المتعصب، أو إلي مجمع الفاتيكان الثاني، الذي قرر تنصير العالم ووضَعَ الإسلام ضمن الديانات الأسيوية لاستبعاده تماما عن رسالة التوحيد. والنتيجة المخادعة تبدو وكأن الوثيقة تقول: إنهما منطقتان جغرافيتان بعيدتان تكمّل بعضهما بعضا من باب الأخوة!

من ناحية أخري، فإن هذه الوثيقة تعد سباقة أو جديدة تماما بالمقارنة بوثائق كنسية أخرى، فهي منسوجة علي خلفية إحترام شكلي لقيم الإسلام، خاصة إذا ما تمت مقارنتها بالمسيرة الممتدة الإقتلاعية التي يمارسها الفاتيكان والتي لم تتوقف منذ القرن الثامن عن محاربة الإسلام لاقتلاعه. وبما أنها لم تتمكن من حصاده فقد لجأت الي "حوار الصداقة"، ونصت بعض الوثائق أنه يتعين علي كل مسيحي أن يرتبط بصداقة ما مع أحد المسلمين لتكون منفذا للقاء والحوار بين الأديان علي مستوي الأفراد، كما يلجأ الفاتيكان الي الأقليات المسيحية سواء أكانت من المواطنين أو العمالة السيارة الخاضعة لعقود موقوتة، فهي تتسلل كالسوس لتغيّر من قوانين الدولة الإسلامية التي يعملون بها. ومطالبة البابا وإصراره علي منح تلك العمالة السيارة "حق المواطنة الكاملة" في هذه الوثيقة، فإنه يزود نفسه بفيلق تعداده مليون مسيحي في أبو ظبي وحدها، علي أرض شبه الجزيرة العربية، التي قال عنها البابا يوحنا بولس الثاني "أنه من غير المعقول أن يُطلق علي كل هذه المساحة أرض الإسلام، ويكفيهم سور المسجدان الحرم والمسجد النبوي، وباقي الأرض يجب أن تُرشق بالكنائس والصلبان" (وارد بكتاب الجغرافيا السياسية للفاتيكان).

إن فكر البابا والفاتيكان لم يتبدل علي الإطلاق، بل نلاحظ دس بعض العبارات المصيدة تتناثر عبر الوثيقة، من قبيل: "نطالب بذلك من منطلق إيماننا المشترك في الرب" والرب هنا هو يسوع المسيح. 
  ولا يسعني إلا قول: لا يا سيادة البابا، نحن لا نعبد نفس الإله علي الإطلاق. إن هذه العبارة الزائفة تقول: أن الرب، (يسوع ـ المسيح، الذي صُلب ومات ودُفن ثلاثة أيام وصحي وتم تأليهه في مجمع نيقية الأول سنة 325،) هو المنقذ الوحيد. وهو ما يعني أن تكون هذه الوثيقة مبادرة مصالحة، وأخوة دينية بين كل المؤمنين، حتي يمكن التخلص من الإسلام بصورة أسهل!

ولكي يمكن فرض هذه الخدع، تم تكوين لجنة عليا يوم 2 أغسطس 2019، وقد اجتمعت في مسكن البابا بسانت مارتر بالفاتيكان، يوم 11 سبتمبر 2019.. ومجرد إختيار هذا التاريخ الذي حدده البابا، يكشف إلي أي مدي تقود خطاة ارادة غير أمينة، لترسيخ تاريخ جريمة أخري قام مجلس الكنائس العالمي بفرض تنفيذها علي الولايات المتحدة في نفس يناير 2001، حين بدأت الألفية الثالثة ولم تتمكن من تنصير العالم. وهي الجريمة التي تم فرض تنفيذها علي المسلمين والتي بدأت بصيحة لا إنسانية من جورج بوش الإن قائلا: "ستكون حرب صليبية طويلة المدي"..

تري كم مليون مسلم تم حصدهم في هذه الحرب الإجرامية المفتعلة ؟ وكم بلد مسلم تم تدميره وحرقه ؟ ولا داعي لإضافة ان عبارة "توظيف الدين لخدمة العنف"، التي تتناثر عبر الوثيقة وتتكرر كضربة مطرقة طوال النص، لتذكر أن الإسلام هو الذي يدفع الي العنف والي إراقة الدماء، وأنه حان الوقت لتطهيره من كل ذلك. وما يسعي اليه الفاتيكان هو إلغاء كل تلك الآيات التي تشير الي ما قام به أتباع الرسالتين السابقتين من تحريف وتزوير، وهو ما يعادل تقريبا ثلث القرآن الكريم ..

وفي الرابع من ديسمبر 2019، التقي أعضاء اللجنة العليا بالأمين العام لهيئة الأمم،السيد أنطونيو جوتير، لمطالبته باختلاق يوما عالميا للأخوة. وقام السيد جوتير علي الفور بتعيين آداما ديينج مستشارا خاصا ليكون ممثلا لهيئة الأمم لدي اللجنة العليا. وكما هو واضح، فإن كل شيء معدّ مسبقا لفرض البرنامج الفاتيكاني.



وهناك نقطة أخيرة لا بد من توضيحها وهي: الإختلافات الكبرى بين المسيحية والإسلام:
* يسوع المسيح: ابن الرب، إنسان وإله، يجلس علي يمين الرب بعد أن تم صلبه ودفنه وصحي من الموت بعد ثلاثة أيام، وفقا للمسيحيين. وإن كان يسوع يؤكد "أنه لم يُرسل إلا من أجل خراف إسرائيل الضالة"، فذلك الشعب الذي أدار ظهره لسيدنا إبراهيم، خرج عن الشرع وعاد للعجل وقتل الأنبياء عن غير وجه حق، "ومعبدهم ليس إلا معبد شيطان" (سفر الرؤيا 2: 9).. أما بالنسبة للمسلمين فإن يسوع نبي مقتدر، حماه الله من الصلب.
* وحدوية الإله: ثالوث تم تكوينه وفرضه في مجمع القسطنطينية الأول سنة 381، بالنسبة للمسيحيين. وتوحيد مطلق فالله ليس كمثله شيء، بالنسبة للمسلمين.
* محمد: استبعدته الكنيسة بدأ من كتابات بولس وأعمال الرسل، وتم فرض هذه الفرية علي أنه لا توجد نبؤات بعد المسيح. أما بالنسبة للمسلمين فهو خاتم الأنبياء، أرسله الله عز وجل لتبليغ رسالة التوحيد وكشف كل ما تم من تلاعب في الرسالتين السابقتين.
* القرآن: بالنسبة للكنيسة هو نص غير منزّل مليء بالإستشهادات المحرّفة المنقولة من الكتاب المقدس. أما بالنسبة للمسلمين فالقرآن هو كلام الله الموحي إلي سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لهداية البشر، ويتضمن الأدلة القاطعة علي كل ما تم من تحريف في الرسالتين السابقتين.
* الإيمان: بالنسبة للكنيسة يرتكز حول الإيمان بيسوع. وبالنسبة للإسلام يلتزم بممارسة أركان الإسلام الخمسة.
إن كل هذه النقاط الأساسية من الإختلافات العقائدية، وكل ذلك الماضي الدامي والمزدوج الأوجه الذي خاضته الكنيسة ضد الإسلام والمسلمين، لا يسمح لها بوضع الإسلام والمسلمين، تحت عباءتها بفرض أخوة إنسانية مزعومة، لإذابة الإسلام وتنصير العالم. 
فإن كان البابا يبحث عن أخوة إنسانية حقة، ليقرّ هو ومن برأهم من تهمة قتل الرب، ويعترفوا بكل ما قاما به من تحريف علي مر التاريخ، وجميعها أحداث ثابتة مسجلة، ولهما أن يعيشا كيفما شاءا، دون اغتيال أشقائكما الحقيقيين، المسلمون، الذين هم علي سراط التوحيد المستقيم.

 زينب عبد العزيز   
  20 مايو 2020   


                                          
           ذات صلة
             

كيف نهبت فرنسا ثروات الجزائر وبنت حضارتها على الدم؟!

كيف نهبت فرنسا ثروات الجزائر وبنت حضارتها على الدم؟!

الأدب يُصوّر الجريمة

استاذ الإعلام بجامعة القاهرة

 تحتاج الأمة إلى علماء وأدباء يعيدون كتابة تاريخها برؤية جديدة، ويمنحونها الذاكرة التي تمكنها من بناء علاقات عادلة مع دول الغرب، ومن أهم الحقائق التي ينبغي أن تعيها الأمة، أن التقدم الغربي قد بُني على نهب ثروات الشعوب واستغلال دمائها، ومن هنا لا بد من فتح هذا الملف بقوة، ولنبدأ بالاستعمار الفرنسي للجزائر، كمرحلة أولى في كفاح جديد يكمل ثورة الاستقلال.

يمكن للأدباء أن يكونوا في طليعة معركة العدالة التاريخية، من خلال تصويرهم للظلم الذي تعرّض له الشعب الجزائري من مختلف الزوايا، بما يشكل أساسًا لمطالبة فرنسا باسترجاع ما نهبته ظلمًا، فالتصوير الأدبي للتاريخ قادر على تعميق وعي الأمة بحقوقها.

أموال منهوبة وتقدّم زائف

تُظهر الحقائق التاريخية أنه لا حق للغرب في التفاخر علينا بتقدّمه، فهو تقدم شُيّد من ثرواتنا ودمائنا، فقبل احتلال الجزائر كانت فرنسا على وشك الإفلاس وتعيش في فقر مدقع، لكنها سرعان ما نهبت احتياطات الذهب والفضة ومخازن داي الجزائر التي ضمّت أطنانًا من الذهب، كما اغتصبت ممتلكات الجزائريين وثرواتهم المعدنية.

وقدمت فرنسا جزءًا من هذه الأموال لدول أوروبية مقابل مشاركة جيوشها في العدوان على الجزائر، بعد أن أوشك الأمير عبد القادر الجزائري ورجاله على هزيمة الجيش الفرنسي، فاستغاثت فرنسا بالدول الأوروبية “باسم المسيحية” لمحاربة المسلمين.

باريس الجديدة.. بدماء الشهداء

حرقت الجيوش الأوروبية المدن والقرى الجزائرية حتى تمكنت من كسر مقاومة عبد القادر، وبمجرد أن أحكمت فرنسا سيطرتها، أعلن نابليون الثالث عن مشروع بناء “باريس الجديدة”، وزيّن مداخل قصورها بجماجم الشهداء الجزائريين.

وعندما سُئل عن مصدر تمويل المشروع، أجاب: “من الأموال والثروات التي حصلنا عليها من الجزائر”، وهذا تصريح صريح بالنهب المنظّم.

الأدب يكشف الحقيقة رغم الرقابة

فرضت فرنسا، التي تتغنى بحرية الرأي، رقابة صارمة لمنع نشر الحقائق حول نهب الجزائر، لذلك لجأ الأدباء إلى الرموز للتعبير عن مواقفهم، وكان فيكتور هوغو -المعارض للاستعمار- من أبرز هؤلاء.

عُرف هوغو بنقده الاجتماعي، وصوّر في روايته البؤساء واقع البؤس الفرنسي، وقد نُفي عام 1851 إلى بروكسل ثم إلى جزيرتي جيرزي وغيرنزي، حيث قضى 19 عامًا في المنفى، بسبب رفضه لانقلاب نابليون الثالث على الديمقراطية، واتهامه له بالخيانة. في رسائله من المنفى، هاجم هوغو العدوان الفرنسي على الجزائر.

هوغو يرفض الإبادة باسم فرنسا

في خطبة له عام 1845 أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، هاجم هوغو المذابح التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر، وقال: “كل شيء أُبيد بالنار باسم الشعب الفرنسي”.

وفي رسالة من المنفى، كتب: “ما نسميه فتح الجزائر ليس سوى إبادة منظّمة. هل يمكن أن نحرق القرى، ونخنق الناس بالدخان في الكهوف، ونطردهم من أرضهم، ثم نزعم أننا جئناهم بالحضارة؟! هذا نفاق لا يمكن تبريره”.

وكان يشير إلى ما عُرف بـ”جريمة الدخان”، حين أحرق الجيش الفرنسي المقاومين أحياء في الكهوف.

القانون كأداة للقمع

في رواية البؤساء، أدان هوغو القمع باسم القانون، قائلًا: “ما يسمى بالنظام ليس إلا جريمة منظّمة ضد الضعفاء… فما الفرق بين عصابة لصوص بزي رسمي، وأخرى بلا زي؟”.

وأضاف: “فرنسا تتباهى بنشر الحضارة، لكنها في الجزائر تزرع الموت وتحصد البؤس. فالحضارة لا تأتي على ظهر المدافع”.

وقال في نص آخر: “أصبحنا أسيادًا على أرض لم نستأذن أهلها في دخولها، نقتل ونصادر، ونزعم أننا نحمل النور، ولكن النور لا يُفرض بالسيف، والعدل لا يولد من المدافع”.

فرنسا على جماجم الأبرياء

في مذكراته الإنسانية المقهورة (1853)، كتب هوغو: “هناك أمة تبكي جنوب المتوسط. أمة جُردت من أرضها باسم العلم، وفُرضت عليها لغة ليست لغتها، وقُتلت وهي صامتة… تلك أمة الجزائر، ونحن الجلادون الذين ندّعي الحضارة”.

وفي رسالة أخرى من منفاه، قال: “أخجل أن أقول إن فرنسا التي تكتب الشعر وتغني للحرية، هي نفسها التي تحاصر قرية جزائرية وتحرقها عن بكرة أبيها”.

وأشار إلى مذبحة ارتكبها الجنرال بيليسييه، حين حاصر 500 جزائري في كهف وأحرقهم بالدخان، مؤكدًا: “هذا ليس فعلًا عسكريًا، بل جريمة ضد الإنسانية، وكل من يسكت عنها فهو شريك فيها”.

وفي ديوانه أسطورة العصور، قال:
“قالوا إنهم أتوك بالنور،
لكنهم أتوك بالنار والسيوف…
فبأي حضارة يتكلمون؟!”.

الزيف الحضاري

رفض هوغو مظاهر الرفاهية الزائفة في فرنسا، التي بُنيت على حساب المستعمرات والفقراء، قائلًا: “الإمبراطور يصنع الحدائق في باريس، ويزرع المدافع في الجزائر”،
وهكذا ربط بين ثروة باريس ونهب المستعمرات، معتبرًا ذلك زيفًا حضاريًا يخفي جرائم بشعة، وبأن هذه “الحضارة” قامت على أنقاض شعوب مسحوقة.


كيف تساعد الصين في الخفاء مشروع الاستيطان الإسرائيلي؟

كيف تساعد الصين في الخفاء مشروع الاستيطان الإسرائيلي؟


ترجمة وتحرير: نون بوست

قال صديقي أحمد، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية، مازحًا: “لا داعي يا رزان للذهاب إلى الصين – تعالي إلى حوارة، فالصين هنا.” وعلى الرغم من طابعها الفكاهي، إلا أن هذه الكلمات حملت حقيقة مُرّة.

وحوارة هي قرية فلسطينية صغيرة تقع قرب نابلس، تحيط بها بعض المستوطنات الصهيونية الأكثر عنفًا وتطرفًا أيديولوجيًا في البلاد، بما في ذلك مستوطنة يتسهار.

وعندما سألته عما يقصده، قال لي: “العمال الصينيون يعيشون ويعملون في المستوطنات المجاورة. أراهم بانتظام في شوارع القرية، يتسوقون من المحلات الفلسطينية المحلية”.

ودفعني هذا التعليق العابر قبل بضعة أشهر للتحقيق بشكل أعمق، فتحدثتُ مع فلسطينيين في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة وجمعتُ شهاداتهم. وقال علي، الذي يعيش في رام الله قرب مستوطنة بيت إيل: “رأيت عشرات العمال الصينيين يبنون المنازل والبنية التحتية في بيت إيل.”

وتذكر سعيد من الخليل أنه “خلال جائحة كوفيد 19، قام المستوطنون بعزل العمال الصينيين بشكل منفصل عن الآخرين”.

وتكشف هذه الشهادات عن حقيقة مزعجة، وهي أن العمالة الصينية تسهم بشكل فعّال وواضح في بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومن المفارقة أن هذا الواقع يتناقض بشكل مباشر مع السياسة الصين المعلنة؛ إذ أنها منعت قبل عقد من الزمن طواقم البناء الصينية من العمل في المستوطنات الإسرائيلية.

وفي سنة 2015، وقّعت الصين اتفاقية عمل ثنائية مع إسرائيل تضمنت شرطًا يمنع تشغيل العمال الصينيين في الضفة الغربية المحتلة. والجدير بالذكر أن هذا الشرط كان مدفوعًا بمخاوف تتعلق بالسلامة وليس بموقف مبدئي ضد عدم قانونية أو لا أخلاقية بناء المستوطنات.

ومع ذلك، بدا أن هذه المخاوف المتعلقة بالسلامة قد تراجعت في سنة 2016، عندما استحوذت الصين على شركة “أهافا“، وهي شركة مقرها داخل مستوطنة متسبيه شاليم.

وبعد سنة من ذلك، وقّع البلدان اتفاقية عمل جديدة لاستقدام 6000 عامل بناء صيني إلى إسرائيل وفق الشروط نفسها. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، إيمانويل نحشون، أن الاتفاق “استند إلى الحرص على سلامة وأمن العمال”. غير أن المسؤولين الصينيين ردوا بالقول إن “المسألة الحقيقية لم تكن تتعلق بالسلامة، بل باعتراض الصين على البناء في المستوطنات”.

ومع ذلك، فقد أوضحت مقابلاتي مع السكان – من نابلس إلى رام الله إلى الخليل – أن العمال الصينيين لا يزالون موجودين ومشاركين في توسيع المستوطنات، ويثير هذا الأمر تساؤلات جدية بشأن مدى صدق معارضة الصين المعلنة للنشاط الاستيطاني الإسرائيلي.

“رواد عصرنا”


وفي ظل الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، أعرب المسؤولون الصينيون علنًا عن قلقهم من تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. ففي سبتمبر/ أيلول من السنة الماضية، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، بأنه يجب على إسرائيل “وقف الأنشطة الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية”.

غير أنه في الوقت الذي تتحدث فيه بكين عن ضبط النفس، تمارس الشركات الصينية أفعالًا تدعم الاحتلال والمشروع الاستيطاني الاستعماري في فلسطين.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة “أداما للحلول الزراعية”، وهي شركة إسرائيلية سابقة أصبحت مملوكة بالكامل لشركة “كيم تشاينا” الصينية الحكومية. ففي ظل الحرب على غزة، قامت “أداما” بحشد عمّالها “لدعم المزارعين الذين يعانون من نقص في الأيدي العاملة… [بما في ذلك] مزارعي الجنوب، وسكان مستوطنات غلاف غزة، والمستوطنات الشمالية”، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”.

ونقلت الصحيفة نفسها عن ممثل شركة “أداما” قوله: “مزارعو البلاد، ولا سيما مزارعو المستوطنات المحيطة بغزة، هم رواد عصرنا، واستمرار عملهم ضروري للحفاظ على أمن البلاد”.

وأضاف: “في هذه الأيام، يعودون لزراعة أراضيهم رغم الألم الكبير ونقص الأيدي العاملة. ففي شركة أداما، لدينا الحق في مساعدتهم في أوقات الرخاء، والوقوف إلى جانبهم أيضًا في أوقات الأزمات.”

وفي يناير/ كانون الثاني 2024، ذهبت شركة أداما إلى أبعد من ذلك؛ حيث أطلقت صندوقًا للمنح الدراسية بقيمة حوالي مليون شيكل (275,000 دولار) لدعم الشهادات الأكاديمية في مجال الزراعة لسكان غلاف غزة والمستوطنات الشمالية.

ولدى شركة أداما تاريخ طويل من التعاون مع المؤسسات الاستيطانية، فقد استُخدمت منتجاتها في تجارب زراعية أجريت في المستوطنات الإسرائيلية في غور الأردن، والأمر الأكثر إزعاجًا هو أن أحد مبيدات الأعشاب التابعة لها استُخدم من قبل أحد المتعاقدين مع الجيش الإسرائيلي في الرش الجوي الذي أدى إلى تدمير الغطاء النباتي على طول الحدود مع غزة.

وفي حين تقدّم الصين نفسها كطرف محايد أو متعاطف في الصراع، فإن ملكيتها لشركة أداما تربطها بشكل مباشر بالتدمير العسكري لسبل عيش الفلسطينيين.

دعم ترسيخ الاستعمار



وهذه ليست حالة استثنائية؛ ففي السنوات الأخيرة، استثمرت عدة شركات صينية مملوكة للدولة، إلى جانب شركات صينية خاصة أخرى، بشكل مباشر أو غير مباشر في المستوطنات الإسرائيلية أو في الشركات التي تعمل داخلها.

وعلى سبيل المثال شركة تنوفا، وهي إحدى الشركات الإسرائيلية الكبرى لإنتاج المنتجات الغذائية في المستوطنات غير القانونية. وعلى الرغم من الدعوات الدولية لمقاطعة الشركة، استحوذت شركة برايت فود الصينية المملوكة للدولة على حصة قدرها 56 بالمائة في تنوفا سنة 2014.

وفي سنة 2021، فازت شركة تنوفا بمناقصة لتشغيل 22 خط للحافلات العامة تخدم 16 مستوطنة في منطقة ماتيه يهودا، والتي بُنيت جميعها على أراضٍ محتلة في شرق القدس والضفة الغربية. وهذه ليست مجرد حافلات، بل هي بنية تحتية تدعم ترسيخ الاستعمار، مما يجعل حياة المستوطنين أسهل وأكثر ديمومة.

مثال آخر هو استحواذ مجموعة فوسون الصينية سنة 2016 على شركة أهافا، وهي علامة تجارية لمستحضرات التجميل يقع مصنعها في مستوطنة متسبيه شاليم. وقد سبق تصنيف أهافا، التي تستهدفها حملة مقاطعة عالمية، من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة كجزء من المشروع الاستيطاني غير القانوني.

وفي الوقت ذاته، يواصل الدبلوماسيون الصينيون إطلاق دعوات لإسرائيل لوقف توسعها الاستيطاني. وقال السفير السابق تشانغ جون أمام مجلس الأمن الدولي في أواخر سنة 2023: “نحث إسرائيل على كبح تصاعد العنف الاستيطاني في الضفة الغربية، لتجنب تحول المنطقة إلى بؤرة توتر وانتشار الصراع”. وردد خليفته فو كونغ هذه الرسالة، داعيًا إسرائيل إلى “وقف أنشطتها الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية”.

غير أن السؤال هو: ماذا عن تورط الصين نفسها في هذه الأنشطة؟ فوكالة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تقدم تقارير دورية عن الشركات المتورطة في أنشطة المتعلقة بالاستيطان، ومع ذلك تواصل الشركات الصينية في مثل هذه التعاون.

ووفقًا للعديد من قرارات الأمم المتحدة، تُعد المستوطنات الإسرائيلية انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وتتناقض تصرفات الصين بشكل مباشر مع المبادئ القانونية التي تدّعي الالتزام بها، فبينما تعبّر بكين عن معارضتها للنشاط الاستيطاني، فإن علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل تعزز أُسس الاستعمار الصهيوني على حساب حقوق الفلسطينيين.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو كيف ظلت هذه الاستثمارات فعّالة إلى حد كبير تحت الرادار؛ حيث تدعم نظام الفصل العنصري في الخفاء، في الوقت الذي تتحدث فيه بكين عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

المصدر: ميدل إيست آي