الخميس، 11 أبريل 2013

اللهم أمتي .... أمتي

اللهم أمتي .... أمتي


بقلم أ د حاكم المطيري
المنسق العام لمؤتمر الأمة
ورئيس حزب الأمة - الكويت



(اللهم أمتي أمتي) بهذه الدعوات الكريمة، والعبرات الرحيمة، دعا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ربه عز وجل لأمته رحمة بها وشفقة عليها، كما في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني} وقال عيسى {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال (اللهم أمتي أمتي) وبكى!
 فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد فسله ما يبكيك؟ فأخبره فقال الله (يا جبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) .

يا لها من كلمات عظيمة تعبر عن مكانة الأمة عند الله جل جلاله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، وتؤكد تكريم الله لهذه الأمة وكرامتها عند ربها، فهي آخر الأمم وهي خيرها كما قال تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري مرفوعا ({وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} والوسط العدل) والعدل هم خيار الناس وعدولهم وأفاضلهم.

وعن علي مرفوعا كما في مسند أحمد بإسناد حسن (وجعلت أمتي خير الأمم) .

وكم يحتاج المسلمون اليوم عامة والمصلحون خاصة إلى معرفة حق الأمة عليهم، ومكانتها في شريعتها، ووجوب أن يكون الانتماء إليها قبل كل انتماء قومي أو وطني أو حزبي، وأن يعرفوا لها حقوقها التي جعل الله لها وأعظمها حقها في الشورى {وأمرهم شورى بينهم} {وشاورهم في الأمر} كما عبر عن ذلك الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه بقوله {الإمارة شورى بين المسلمين من بايع رجلا دون شورى المسلمين فلا بيعة له ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا}!

ومن حقوقها حقها في أرضها التي أورثها الله إياها واستخلفها فيها كما وعدها بقوله تعالى {ليستخلفنكم في الأرض}، وعبر عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (اعلموا أن الأرض لله ولرسوله وللمؤمنين)، وقال الفاروق كما في صحيح البخاري (والله إنها لبلادهم عليها قاتلوا في الجاهلية وعليها أسلموا، ولولا إبل الصدقة ما حميت لهم شبرا)!

لقد تراجع في هذا العصر مفهوم الأمة بمعناه القرآني الذي يعم كل شعوبها وكل مكوناتها وجماعاتها على اختلاف اجتهاداتها، لتتقدم عليه مفاهيم العصبية الوطنية والقومية والحزبية الضيقة!

وقد بلغ الانحراف في هذه المفاهيم حد تصور كل فئة أو جماعة أنها هي الأمة المرحومة وحدها وهي الطائفة المنصورة والفرقة الناجية! لتتخلى في المقابل عن مسئوليتها تجاه الأمة كلها وتسقط حقوقها من حساباتها! ولتراعي مصالحها الخاصة بها على حساب مصالح الأمة العامة! حتى بلغ الحال ببعضها الافتئات على الأمة وشعوبها لتتفاهم مع الاحتلال والاستبداد في هذه الدولة أو تلك بدعوى تحقيق المصلحة!

ولم يعد الطغاة وحدهم هم من يفرض الوصاية على الأمة وشعوبها بالافتئات عليها بل وشاركهم في هذا الطغيان جماعات وأحزاب كثيرة استخفافا بالأمة وحقوقها، وتوهما أن الله جعل لهذه الجماعات والأحزاب ما لم يجعل للأمة كلها!

وربما تصور بعض الجماعات أن بيعتهم أميرهم تلزم الأمة وشعوبها وتوجب على الأمة الدخول في طاعتهم!

وربما تصور بعضهم أنه لا يجب عليهم ما يجب على الأمة كلها من جهاد عدوها!


وإنما وقع هذا الخلل في تصوراتها وممارساتها حين وقع الخلل لها في حقيقة مفهوم الأمة وحقوقها!

إن الأمة كل الأمة مشمولة بالدعوة النبوية والخيرية الدنيوية حتى أن عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم يعرف لهذه الأمة كرامتها ومكانتها كما في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه قال (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعال صل بنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة)!

فالخيرية لهذه الأمة كما كانت لأولها فهي مدخرة لآخرها، فالأمة كالمطر حيثما وقع نفع ففي الترمذي عن أنس مرفوعا بإسناد حسن (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره)!

والأمة كل الأمة موعودة بالاستخلاف في الأرض والظهور على الأمم في أولها وآخرها فعن ثوبان كما في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها).

ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم آخر أمته بفتح القسطنطينية وفتح روما بشارة لها بظهورها وظهور دينها في آخر الزمان كما فتح أولها مكة وفارس والشام ومصر.

وقد بلغ من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ورحمته بها وشفقته عليها أن ضحى عمن لم يضح من أمته كلها أولها وآخرها لكرامتها ومكانتها عند ربها.

فعن جابر بن عبد الله كما في سنن أبي داود بإسناد صحيح (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش فذبحه وقال (بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) .

وتجلت شفقته صلى الله عليه وسلم بأوضح صورها في حرصه على التخفيف عن أمته في فروض دينها رحمة منه بها، ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه في حديث فرض الصلوات في المعراج عن النبي صلى الله عليه وسلم (فقلت يا رب خفف على أمتي) .

وفي الصحيحين (لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية) .

وفي الصحيح أيضا عن تأخير صلاة العشاء (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي).

وقال عن السواك (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).

كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عصمة أمته من الانحراف العام والاجتماع على الضلال فعن ابن عمر مرفوعا كما في الترمذي وهو صحيح بطرقه (إن الله لا يجمع أمتي أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة ويد الله مع الجماعة).

وعن ثوبان مرفوعا كما عند الترمذي بإسناد صحيح (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من يخذلهم حتى يأتي أمر الله).
كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عموم مغفرة الله وشمولها لجميع أمته بما في ذلك الظالم لنفسه منهم، فعن ابن مسعود في الصحيحين أصاب رجل ذنبا فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} فقال الرجل : ألي هذه خاصة؟ فقال (هي لجميع أمتي كلهم).

وكذلك الأمة كل الأمة مشمولة بالخيرية والشفاعة الأخروية ولهذا ادخر النبي صلى الله عليه وسلم دعوته وشفاعته لها يوم القيامة ففي صحيح مسلم عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله (أن هوّن على أمتي .. فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم).

وعن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما في حديث الشفاعة في صحيح مسلم (فيقال لي : يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول رب أمتي أمتي! فيقول انطلق فأخرج من النار من في قلبه حبة خردل من إيمان).

وفي رواية الترمذي عن أبي هريرة (يا رب أمتي يا رب أمتي يا رب أمتي).

وأخرج الترمذي بإسناد صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي مرفوعا (أتاني آت من ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا).

وعن أنس مرفوعا كما في الترمذي بإسناد صحيح (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي).

وعن أنس وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم (لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا) .

وكل هذه النصوص القرآنية والنبوية تحدد بجلاء مفهوم الأمة التي يجب الانتماء إليها ومعرفة حقوقها ومراعاة مصالحها والعمل على توحيدها وحمايتها والذود عنها واستعادة خلافتها في الأرض لتعود كما أراد الله لها (أمة واحدة.. وخلافة راشدة)!

الخميس
30 جمادى الأول 1434 هـ
11/ 4/ 2013م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق