الفتن الطائفية وبالٌ على الأوطان!
منذ إقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة وأعداء الإسلام لا يتوقفون عن صناعة الفتن وإشعالها بين أبناء الأمة؛ سعياً لهدم بنيان الدولة، وتمزيقاً لوحدة صف المجتمع المسلم، وقدحاً لنيران الحرب والاقتتال بين أبنائه، وقد دبر اليهود أكثر من مكيدة لإشعال الفتنة بين الصف المسلم، وبث الحقد والكراهية بين أبنائه. وقد سار الاستعمار قديماً وحديثاً على نفس الطريق في بلادنا العربية والإسلامية..
طريق إشعال الفتن بين الشعب الواحد، وبين الدول بعضها بعضاً؛ لدفع تلك الدول والمجتمعات إلى السقوط في دوامات من الخلافات والاقتتال والحروب التي تدمر الاقتصاد، وتعطل التنمية، وتنشر التخلف والفقر، وتورث دولاً متخلفة وشعوباً متنابذة ضعيفة، تصبح كلأ مباحاً للاستعمار ومشاريعه وغزوه الفكري والثقافي والحضاري والاقتصادي، وتتحول الشعوب إلى عبيد للتخديم على مشاريع الاستعمار..
هكذا يخططون، وهكذا ينفذون منذ أن احتلوا بلادنا في الماضي الغابر، وكان شعارهم المعروف للكافة «فرِّق تسُد».
وقد قام الاستعمار القديم خلال احتلاله في إيجاد نموذج طائفي في لبنان ولا يزال هذا البلد يعاني أيما معاناة من ذلك في حياته السياسية والمعيشية، كما ونجحت القوى العالمية مؤخراً في تقسيم السودان على أساس طائفي بين شمال مسلم وجنوب مسيحي تكريساً لإضعاف الأمة العربية..
واليوم تتجدد المحاولات، وتتواصل المؤامرات؛ لإشعال الفتن الطائفية؛ إحياء لمخططات الاستعمار عبر سماسرته وأزلامه الذين يتسمُّون بأسمائنا، ويعيشون بيننا، ويحملون هويات بلادنا، وينتسبون لتراب الأوطان، لكنهم باعوا دينهم بدنياهم، ويواصلون دق أسافين الفتن وإشعال نيرانها..
وما جرى في مصر قبل أيام من محاولة للوقيعة بين المسلمين والنصارى هي واحدة من تلك المحاولات التي لن تتوقف؛ سعياً لإفشال الثورة المصرية الناجحة، وإفشال أول رئيس منتَخَب في تاريخ مصر، وسعياً لكبح مصر عن الانطلاق والنهضة التي انتظرها الشعب المصري على أحرّ من الجمر، وسيخيب الله سعيهم إن شاء الله تعالى..
كما أن ما جرى - ويجري - في العراق من تقسيم وفرز طائفي مقيت على أيدي حكومة «المالكي» الطائفية التي قسَّمت البلاد والعباد داخل الوطن العراقي الواحد إلى شيع وفرق، وما يجري لأهل السُّنة هو خير مثال على ذلك، كما أن ما يجري اليوم من إعدامات لشبابهم بتهم ملفَّقة خير برهان.
ومن يستعرض الخريطة العربية سيجد أن هناك قنابل موقوتة يمكن أن تشعل الفتن في أي وقت؛ من خلافات حدودية بين الدول، وخلافات إثنية وعرقية ودينية، وواجب على الأمة شعوباً وحكومات التحرك سريعاً لحلها.
إن الفتن وبالٌ على الأمة، وما وُجد شيء أكثر دماراً للأمم من الفتن، ولقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الآيات القرآنية التي تقرع الآذان ليل نهار؛ تحذيراً من الفتن، يقول الله تعالى:
{ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "25"}(الأنفال)،
ويقول سبحانه: { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ }(البقرة:217)،
ويقول عز وجل: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "39"}(الأنفال).
كما حفلت السُّنة النبوية المطهرة بتحذيرات متتالية من الفتن والتعصب البغيض، وذلك واضح في أحاديث الرسول "صلى الله عليه وسلم" المتعددة. عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «من قاتل تحت راية عمية، يدعو إلى عصبية، أو يغضب لعصبية، فقتلته جاهلية». نسأل الله أن يقي بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن!
المصدر: مجلة المجتمع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق