الأحد، 12 مايو 2013

الجن المصري‏!‏

الجن المصري‏!‏   


 د‏.‏سلمان العودة
أرغب بالاعتذار لما حصل‏,‏ لم أكن أريد الإساءة لأي جهة‏,‏كنت وزملائي نسير وراء أحلام طفولتنا‏.‏ كان هذا جواب مجموعة من المصورين الروس الذين تسلقوا الأهرام في غفلة الحراس والتقطوا صورا مذهلة من فوقها كانت محل اهتمام رواد الشبكات الاجتماعية‏.‏
ما بين90 إلي130 هرما تفترش أرض مصر وتعد من عجائب الدنيا السبع واستطاع برنامج جوجل إيرث أن يكشف عن وجود أهرامات جديدة مطمورة تحت الأرض من تلك الأبنية العظيمة المشيدة منذ الآف السنين قبل الميلاد وتحديدا في عصر( بناة الأهرام) في الدولة الفرعونية القديمة. كانت مقابر للملوك والملكات عامرة بالمومياوات والممتلكات الذهبية الثمينة ومرفقات أخري تؤكد اعتقادهم بخلود الروح والبعث ووجود حياة أبدية ولكن غياب نور الرسالة السماوية ساق هذا الاعتقاد الي متاهات أسطورية.
ملايين القطع الحجرية المتساوية تزن ملايين الأطنان تم نقلها من جنوب مصر بواسطة جيش من المسخرين ظلوا يعملون أكثر من عشرين سنة وينحتون الصخر كما فعل رجال البلاد المستعمرة عند حفر الاندرجراوند في لندن, وظل المهندسون يشيدون هذه الأبنية الدقيقة من الفيوم إلي الجيزة بطريقة هندسية لا يزال العلم يقف مبهورا أمامها فقد وظفت الكثير من النواميس الكونية لمصلحة هذا الهدف وأصبحت الأهرام شاهدا علي واحدة من أهم وأقدم الحضارات الإنسانية.
يقول حافظ إبراهيم:

وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي!
ولست أوافقه الرأي فالمصري الحق من يقول ها أنذا وليس من يقول كان أبي!
كان كثيرون يعتقدون أن الجن هم بناتها, أو أن المصريين القدماء اكتشفوا سر خلطة خرسانية صلبة ومقاومة لتغيرات الطقس وقاموا بصب هذه الصخور في أماكنها وبذلك يكون أصلها من الماء والكلس والطين, وقد أشار القرآن إلي ما يدل علي استخدام الفراعنة للطين وتعريضه لدرجة حرارة عالية لغرض البناء كما في قوله تعالي عن فرعون صاحب موسي( وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان علي الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلي إله موسي)
وقد ظلت الأهرام لأكثر من ستة الآف سنة أعلي الأبنية في الأرض, ومتي ثبتت حقيقة المادة التي بنيت بها الأهرام فستعين علي فهم النص القرآني وأما قبل ذلك فيظل الأمر في دائرة الاحتمال.

 وجاء في القرآن الكريم ذكر( فرعون ذي الأوتاد) وهي إشارة إلي طغيانه وظلمه وفساده الذي أفضي إلي أخذه وعائلته بالعذاب العاجل والآجل( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب).
والأهرامات تشبه الجبال, والجبال سميت في القرآن أوتادا, وهي من أهم معالم الدولة الفرعونية فيناسب أن يشار إليها, ونسبتها إلي فرعون صاحب موسي لا تعني أنه بانيها لكنه صاحبها حينذاك باعتباره ملك الزمان ولذا اختار بعض العلماء أن الأوتاد هي الأهرام, واختار آخرون أنها المسلات التي كانوا يرقمون عليها أسماءهم ومعلوماتهم.
حين دخل المسلمون مصر حافظوا علي تراثها العلمي والمعماري والحضاري ولذا ظلت هذه المعالم باقية ظاهرة ناطقة بما أقدر الله عليه الإنسان من الكشف والمعرفة, وبما يملكه الإنسان المصري من استعداد للإبداع والسبق وها نحن نشهد صنع المصريين لألواح الكمبيوتر وقاطرات السكك الحديدية ومنتجات أخري واعدة وبداية نهوض مراكز البحث العلمي, ربما لا يكون المصريون بحاجة إلي تحفيز بقدر حاجتهم إلي الحرية ومناخها المولد للإبداع.
كتب ابن عبد الحكم-257 هجري- كتاب( فتوح مصر والمغرب) ولعله أول من تكلم من مؤرخي الإسلام عن الأهرام, وكتب السيوطي( تحفة الكرام في أخبار الأهرام) ولا خوف علي الأهرام من تصريح تضخمه وسائل الإعلام وتنسبه لإسلاميين وهو خبر معزول لولا تصديره في صفحات الإثارة, بل الخوف علي الأهرام من الإهمال بينما نتحدث عن رجال من الشرق والغرب يكتشفون المدافن ويعكفون علي الدرس والتحليل, ونتحدث عن شركات عابرة للقارات تستأجر المواقع السياحية ثم تحولها إلي استثمار خيالي لا يحصل منه أهله إلا علي القليل وهم يعيشون في المقابر من الفقر.
تحت هذه الأبنية الباذخة تجتمع آمال سائق بسيط يبحث عن بضعة جنيهات في إركاب سائح غريب, وآمال سائح أو عالم جاء من بعيد ليشهد هذا المنجز النادر ويكشف ما تحته من أسرار!
إن كانوا يظنون أن الجن هم بناة الأهرام فليعلموا أن الله منح البشر من الطاقة والعقل والتفضيل ما يستحقون به أن يكونوا مضرب المثل متي استعانوا بالرحمن وتحرروا من قيود الطغيان, وسمحوا لأرواحهم أن تمارس الحلم ولعقولهم أن تسعي إليه!


لمزيد من مقالات د‏.‏سلمان العودة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق