الصمت المرذول
فهمي هويدي
يوم الأربعاء الماضي 8/5 صوت مجلس النواب الأردني على قرار، طالب الحكومة بطرد السفير الإسرائيلي من عمان، وباستدعاء السفير الأردني لدى تل أبيب، في تعبير عن الاحتجاج والغضب على تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى..
الخبر نشرته الصحف المصرية وقرأه الملايين، لكنه لم يحرك ساكنا لا في جهاز الدولة ولا في مجلس الشورى، بأغلبيته الإخوانية والسلفية.
وأغلب الظن أن الإخوان حرصوا على عدم إحراج الحكومة والرئيس اللذين آثرا الصمت، في حين أن السلفيين لم يكترثوا بالمسألة لأنهم يعتبرون أن معركتهم ضد الشيعة هي قضية الساعة وواجب الوقت.
أدري أن المزاج العام في مصر منكفئ بشدة على الشأن الداخلي، وأنه لم يعد يُسمع في إعلامنا صوت يعلو فوق صوت معركة التشهير بالإخوان وإسقاط الرئيس مرسي، الأمر الذي غيب عن كثيرين حقيقة الدور الذي ينبغي أن تقوم به «الشقيقة العربية» الكبرى، ناهيك عن أن تلك الشقيقة التي هي مصر ترأس في الوقت الراهن منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تأسست في عام 1969 بسبب إحراق الجزء الشرقي من المسجد الأقصى.
وهو أمر لا يخلو من مفارقة، لأن الحريق الذي شب في جزء من المسجد وقتذاك استنفر الأمة الإسلامية كلها، حتى تداعت إلى قمة طارئة شكلت فيها المنظمة المذكورة، أما إهانة المسجد كله وتعريضه للانهيار في أية لحظة فإنها لم تحرك ساكنا في مصر والعالم العربي فضلا عن الإسلامي.
لقد اقتحم 120 مستوطنا المسجد الأقصى تحت حراسة الشرطة الإسرائيلية. ومنعوا الصلاة فيه، وتم اعتقال مفتي القدس لعدة ساعات. وكانت تلك حلقة من سلسلة طويلة من الانتهاكات التي جعلت مستقبل المسجد في خطر داهم. فقد سبق أن أعلنت بلدية القدس أن كل ساحات المسجد مستباحة للمستوطنين باستثناء المسجد القبلي وقبة الصخرة.
وأمام الكنيست مشروع لتقسيم المسجد بين اليهود والمسلمين، على غرار ما حدث في الحرم الإبراهيمي. بما يعني منع المسلمين من الدخول إليه في أيام معينة، أو في ساعات معينة من النهار من السابعة صباحا إلى الواحدة والنصف ظهرا، بحيث يحتله اليهود في تلك الفترة لإقامة طقوسهم وصلواتهم التوراتية. وبعدما أصبح باب المغاربة حكرا على المستوطنين والسياح، فإنه يجرى الآن إقامة جسر جديد بديلا عن جسر المغاربة لاستخدامه في إدخال الآليات والجنود، ولا تسأل على الحفريات التي تقام تحت المسجد، وبمقتضاها يتم إنشاء أكثر من كنيس لليهود، وتشق الطرق التي تجعل الأقصى في نهاية المطاف معلقا في الهواء ومعرضا للسقوط بتأثير أي هزة أرضية بسيطة.
وفي حين يُحاصر المسجد الأقصى وتُنتهك حرمته على ذلك النحو، فإن عملية تهويد مدينة القدس وتغيير تركيبتها السكانية تتواصل بشكل حثيث على مرأى ومسمع من الجميع. ومعلوم أن ثمة مشروعا لإقامة 50 ألف وحدة سكنية استيطانية جديدة بالمدينة خلال السنوات العشر القادمة. وهذه العملية تتم بهدوء الآن، بحيث تقام كل فترة عدة مئات من الوحدات السكنية في إطار الخطة الموضوعة.
من المفارقات أن الخارجية المصرية استدعت السفير الإسرائيلي في القاهرة يعقوب عميتاي وأبلغته احتجاجها على سوء معاملة أعضاء سفارتها في تل أبيب أثناء توجههم للمشاركة في قداس عيد القيامة بالقدس، في ذات اليوم الذي أعلن فيه قرار البرلمان الأردني طرد السفير الإسرائيلي من عمان احتجاجا على العربدة الإسرائيلية التي تمارس في القدس.
وطبقا لتصريح المتحدث باسم الخارجية المصرية فإنه أثناء اللقاء ـ وبالمرة ـ أبلغ السفير بإدانة مصر للغارات التي قامت بها إسرائيل في العمق السوري أخيرا. لكن المتحدث المصري لم يشر من قريب أو بعيد لموقف مصر مما تفعله إسرائيل بحق المسجد الأقصى ومدينة القدس.
ليس مفهوما سكوت مصر الرسمية، بقدر ما يستعصى على الفهم سكوت مصرالشعبية التي يفترض أن يعبر عنها مجلس الشورى في الوقت الراهن.
وكان واضحا أن المظاهرة التي انطلقت من الأزهر بأعداد محدودة احتجاجا على العدوان على الأقصى لم يلتحق بها الإخوان بأعدادهم الكثيفة التي نعرفها.لم أجد تفسيرا مقنعا لذلك الإحجام الذي لم نسمع فيه أصوات مصر الشقيقة الكبرى، أو صوت مصر التي ترأس منظمة المؤتمر الإسلامي، كما أننا لابد أن نستغرب سكوت مجلس الشورى، رغم أن بعض أعضائه من قيادات الإخوان طالبوا في وسائل الإعلام بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة إذا كنا قليلي الحيلة إلى ذلك الحد الذي يدفعنا إلى الاستسلام للصمت المرذول، فما بالك لو كان المطلوب منا فعلا مسؤولا وليس مجرد كلام نسجل به موقفا شريفا في إحدى اللحظات الحرجة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق