الأربعاء، 8 مايو 2013

أحترس من عصابات «ثورة الشك»


أحترس من عصابات «ثورة الشك»
وائل قنديل

حتى لا ننسى: الثورة السورية التى انطلقت من مدينة درعا قبل أكثر من عامين قدمت حتى الآن ما يقرب من مائة ألف شهيد، ومئات الآلاف من الجرحى، ومليون مواطن سورى مشردين فى العواصم العربية، وملايين آخرين مشردين فى الداخل السورى.

كل ذلك لا يجب أن يغيب أبدا عن أذهان الذين يتعرضون الآن لجرعات مكثفة من الابتزاز «القومى» ومداعبة العواطف الكارهة بالفطرة للعدو الصهيونى لصالح قاتل طائفى يمارس جريمة إبادة كاملة الأركان ضد شعبه.

إن محاولات دءوب تنشط منذ أسابيع للترويج إلى سيناريو آخر طفح فجأة لثورات الربيع العربى، يحاول صناعه ومروجوه حرق يقين المواطن العربى فى قدرته على الغضب والثورة من خلال تسميم آبار الوعى بكميات هائلة من مسحوق التشكيك فى جدارة العرب بالثورات، وملاءمة الثورة للشخصية العربية التى أدمنت القمع والقهر والإذلال السلطوى.

وتقوم هذه الموجات من «ثورة الشك» التى تسعى بعض النخب لفرضها على المواطن العربى على أن ثورات العرب ليست من صنع العرب، وإنما منتجات أو بذور أو شتلات غربية تتم تجربة زراعتها فى التربة العربية، وذلك من خلال تكتيكات مغرقة فى الدهاء فى قصف دماغ المواطن العربى بأسئلة مفخخة، تهز ما استقر فى يقينه ووجدانه من فخر واعتزاز بقدرته على إحداث تغيير تحدث عنه العالم كإنجاز فريد للشعوب العربية.

وبالتوازى مع زرع «ديناميت الأسئلة» تبدأ وسائل إعلام هى غائط الأنظمة الساقطة فى نشر تسريبات محبوكة سينمائيا تسعى لتشكيل وعى جديد ــ مزيف ــ وفرض رواية مغايرة للثورات تقود إلى أن الربيع العربى كان مؤامرة خارجية نفذها متآمرون بالداخل.

وهكذا رأينا فى مصر من لا يمانع فى التضحية بدماء الشهداء وبطولات الجرحى والمصابين فى سوق النخاسة الإعلامية المفتوحة على مصاريعها، بما تتمتع به من استثمارات ضخمة يجرى إنفاقها بدون حد أقصى لنشر «ثورة الشك» لالتهام ما ترسخ واستقر فى وجدان المصريين عن ثورتهم.

ولقد كان التجلى الأكبر لهذه الحالة من القابلية للتضحية بالثورة من أجل هزيمة الإخوان فى جلسة محاكمة مبارك الأخيرة، عندما اكتشف أهالى شهداء الثورة أن لا سقف يحميهم من زمهرير الثورة العكسية نتيجة انشغال «الكتل الثورية» بما غرقت فيه من المهارشات والمكايدات السياسية لنظام محمد مرسى وجماعته.

وعلى ضوء هذه الحالة من الغيبوبة الثورية يمكن فهم المواقف الجديدة من الثورة السورية، والتى تحاول ابتزاز الجماهير الكارهة بالفطرة للعدو الصهيونى ومقايضتها بين الانحياز لثورة الشعب السورى، أو السكوت عن عدوان الطيران الإسرائيلى على أهداف تخص جيش بشار.

وتلك هى السفسطة فى أعتى مراحلها، ذلك أنه ليس بالضرورة أن يكون المواطن رهينا لمعادلة «إما هذا.. أو ذاك» لأن الموقف الأخلاقى الصحيح أن تكون ضد عربدة الصهاينة ووحشية بشار معا وفى اللحظة ذاتها..فكلاهما خصم وعدو للشعب السورى، وقد حسم رئيس وزراء الكيان الصهيونى المسألة حين وجه رسالة لشريكه فى المجازر يقول له «اطمئن غاراتنا لا تستهدف إسقاطك».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق