فاتحة القول
تمرُّ الأمة الإسلامية اليوم بمرحلة هامة من تاريخها ستكون ذات تأثير بالغ على حاضرنا ومستقبلنا، وسيسجل التاريخ مواقفنا وأعمالنا في هذه المرحلة، ونحن وحدنا المسئولون عن هذه الأعمال والمواقف ولا ندري هل ستكون في صحائف الكرامة والبطولة والإيجابية؟ أم - لا قدر الله- تُسجل علينا في صحائف التقصير والخور وقلة الحيلة والتدبير؟!!
ففي هذه المرحلة يواجه الإسلام والمسلمون والإسلاميون تحديات جمّة ومن مصادر متعددة ومتنوعة، داخلية وخارجية، فالغرب والشرق وإسرائيل متفقون على حرب الإسلام والمسلمين والإسلاميين؛ ولأسباب دينية وسياسية واقتصادية وثقافية، فالإسلام هو الخصم الحقيقي لهذه الجهات، فالإسلام بعقيدته الحقة والحية هو من زعزع أركان اليهودية المحرّفة، والنصرانية الضالة، والعلمانية الجائرة، والشيوعية المجرمة، فعقيدة التوحيد الصافية إذا دبت في النفوس لم يقف أمامها شيء، والإسلام هو الذي سيقضي على سياسات الظلم والانحياز وسرقة الثروات، بعدله ورحمته التي وسعت البشرية بأجمعها قرونا عديدة، لأن الإسلام جاء ليخرج الناس من عبادة الناس إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، كما قال ربعي بن عامر رضي الله عنه.
والإسلام هو الذي سيفسد على المفسدين إفسادهم، فهو حرب على المحتكرين والغشاشين والمقامرين في تجاراتهم النجسة بالأعراض والمحرمات والملهيات، من الذين استعبدوا الشعوب عبر التجارة والاستهلاك والموضة والصراعات وصناعة السينما ومافيات المخدرات والدعارة، والإسلام بحقه وعدله وقسطه هو الذي سيبطل زيف الثقافة المادية والإلحادية التي يروج لها شياطين الجن والإنس.
أما على صعيد الجبهة الداخلية فإن الأمة تعاني من عملاء وأتباع الغرب والشرق وإسرائيل على كافة المستويات، وتعاني من مكائد ومخططات الفرق الضالة؛ كالشيعة والقاديانية والبهائية، التي تكيد للأمة في دينها وأخلاقها، وتمارس أبشع أنواع الإجرام ضد المسلمين في بلاد كثيرة؛ كإيران والعراق وسوريا واليمن والبحرين وغيرها.
وتعاني أمتنا من حالة فساد عريض في دولها وحكوماتها، جعلت بعض الشعوب تثور على طغاتها، فزال بعضهم، وبعضهم لا يزال يمارس طغيانه فيقتل عشرات الآلاف ويدمر البلد على رؤوس الناس، ويهلك الحرث والنسل.
كما تعاني أمتنا من عجز الإسلاميين الذين وصلوا للحكم في بعض الدول عن تقديم ما كان ينتظره المسلمون منهم من العدل والرحمة والإنجاز، ومردّ ذلك إلى تخبط في الأداء وقصور في القدرة والرؤية من جهة أخرى، وبسبب كيد أعدائهم بزرع الفخاخ في طريق مسيرتهم.
وتعاني أمتنا من صراعات واعتداءات متكررة في مناطق مختلفة، فالأقصى يُستباح، وغزة تُقصف، وفي بورما يذبح إخوتنا، وفي الصومال ومالي حروب ومآس، وغيرها كثير.
ومع كل هذه التحديات فإنّ على المسلم الصادق أن لا ييأس ولا يفتر، بل تبقى جذوة الأمل فيه وقّادة وإن في طيات هذه المحن والفتن منح كثيرة، منها:
- عودة المسلمين للدين وامتلاء المساجد هو منحة، فيروى كبار السن في مكة أن حضور صلاة التراويح في الحرم قبل 35 سنة لم يكن يتجاوز 3 صفوف!!
- ارتفاع صيحات التكبير والتهليل كشعار للناس، وما أجمل أن يتعلم أطفال المسلمين في العالم صيحة: ما إلنا غيرك يا الله، بعد أن كان المسلمون في عصور سابقة حين يدهمهم الأعداء يلجؤون للأولياء والقبور!!
- انتشار روح الجهاد بين المسلمين اليوم – مع رفضنا لتطرف بعضهم – هو من علامات الصحة والعافية وهذا باكورة بإذن الله لتجاوز مرحلة الذلة كما قال رسولنا الكريم "ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا".
- انكشاف خطر التشيع والرافضة وكذب ودجل حزب الله اللبناني ورئيسه هو منحة ربانية ورحمة إلهية.
- حرية الدعوة الإسلامية والاعتزاز بالشعائر الربانية في بلاد كانت الصلاة والحجاب واللحية والدعوة تعد فيها جريمة يعاقب فاعلها، وما تركيا وتونس وليبيا ومصر وسوريا إلا مصداق لذلك.
مما يجب معرفته أن هذه المحن والفتن هي من سنن الله الكونية التي لابد من التعامل معها بالواجب الشرعي: الصبر والمدافعة بالأسباب الصحيحة وأولها العلم بالشرع والعلم بالواقع.
والمسلم الصادق يجب عليه أن يحافظ على بوصلته لتشير إلى الاتجاه الصحيح في خضم هذه التحديات والمحن والفتن، وهو نُصرة الإسلام والمسلمين دوماً، وذلك عبر النقاط التالية:
1- يجب دوماً تحقيق المستطاع من الأمر الشرعي في كل قضية قال تعالى: (فاتـقوا الله ما استطعتم) ورسولنا الكريم يقول : "ما أمرتكم به فاتبعوه ما استطعتم".
2- ليس هناك أولوية مطلقة لكل الأمة، بل لكل منطقة أو جماعة أو هيئة أولويتها الخاصة بحسب المصلحة الشرعية، بشرط أن لا تعطل المصالح الشرعية للآخرين، فمثلاً: من كانت أولويته الشرعية العلم والدعوة، لا يجوز له أن يبطل أو يعطل جهد من أولويته الشرعية الجهاد والقتال، وهكذا.
3- سيكون هناك قصور عند جميع الأطراف والفصائل والأفراد، فعالج الخطأ بأن تنصح أو تصحح أو تدع – بحسب المصلحة الشرعية – ولا تهدم الحق الذي عندهم، مثلاً: جماعة الإخوان في الحكم تخطئ حين تناور – في أحسن الاحتمالات- بورقة الشيعة وإيران، فيجب التصدي لهذا الخطأ وبقوة وعلانية، ولكن بدون أن نهدم حكم الإخوان لمصلحة خصوم الإسلام والمسلمين، فالحرية الدعوية في ظل الإخوان – بشرط قوتنا- أفضل من قمع الدعوة الإسلامية مع لجم التشيع سياسياً.
4- معالجة الخطر القريب من منافقين وعملاء وباطنية لا تغفلنا عن التصدي للخطر الخارجي بمستوياته العسكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
5- ارتفاع الإسلاميين لمستوى النموذج الإسلامي ضرورة لازمة للنجاة أمام الله عز وجل أولاً، وللحفاظ على الدعوة الإسلامية.
6- العمل على بث وزيادة الوعي والعلم والفكر الصحيح هو الضمانة من انحراف المسيرة الإسلامية الإصلاحية؛ من شهوات الحكم والسلطة والمال، وشبهات الخصوم الرافضين للمشروع الإسلامي.
7- يجب مضاعفة جهود العلماء وطلبة العلم ليتقدموا الصفوف ويقودوا المسلمين، وإلا تحملوا الوزر أمام الله عز وجل بالتقصير عن هداية الخلق وإرشادهم.
8- كل فرد منا مسؤول أمام الله عز وجل عن المشاركة في رد التحديات فـ "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق