السبت، 10 أكتوبر 2015

الاتحاد الاشتراكي السيسي


الاتحاد الاشتراكي السيسي
وائل قنديل


لا مفاجأة على الإطلاق أن يواصل حمدين صباحي لعب الدور المحدد له، بوصفه الدوبلير الخاص بالجنرال عبد الفتاح السيسي، بإطلاقه دعوة لتعبئة الأحزاب التي عاونت وزير الدفاع في انقلابه على الديمقراطية، داخل كيان واحد، يعلق على واجهته الخارجية "معارضة"، بينما هو من الداخل يمكن اعتباره "تنظيم أنصار بيت السيسي".
 المفاجأة الحقيقية أن دعوة صباحي أسالت لعاب "مقاولي معارضة الانقلاب"، فلم يعطوا أنفسهم فرصة للتمحيص والتدقيق فيما هو مطروح، وأظهروا استجابة فورية، وإن كانت مشروطة، للدخول في "اتحاد اشتراكي"، أو "تنظيم طليعي" جديد، على الرغم من أزيائهم الليبرالية البرتقالية الفاقعة.
ما يطرحه صباحي، بحسب ما نشر، هو تدشين حزب يوحد أحزاب الدستور والتيار الشعبي والكرامة والتحالف الشعبي والعدل ومصر الحرية والكتلة العمالية، بصفتها مكونات تحالف التيار الديمقراطي مع حزب المصرى الديمقراطي الاجتماعي، وأي كيان آخر يقبل فكرة التوحد داخل هذا الحزب، من أجل قيادة الكتلة الديمقراطية في مصر.
وبيت القصيد في المسألة كلها تلخصه عبارة نقلها موقع "اليوم السابع"، على لسان جورج إسحاق، أحد بناة التنظيم المقترح، والذي يوصف بأنه عضو المجلس الرئاسي لتحالف التيار الديمقراطي، قال فيها "إن التيار يدرس، في الوقت الراهن، دعوة لتوحيد مجموعة من الأحزاب، كمرحلة أوسع من التنسيق فيما بينهم، عقب الانتخابات البرلمانية لتبني الأفكار المنبثقة عن ثورة 25 يناير و30 يونيو".
إذن، القصة كلها محاولة لتذويب انبعاثات 30 يونيو السامة، في نهر 25 يناير الصافي، وتلك كانت الكيمياء التي أنتجت الانقلاب العسكري، المحمول فوق ثورة مضادة، امتطت بدورها زعامات الكيانات والأحزاب التي تريد، الآن، أن تندمج في تيار واسع. وبذلك، تكون النتيجة المباشرة لهذه المناورة "العميقة" أن عبد الفتاح السيسي قرّر أن يبني معارضة، بمواصفاته وشروطه، بالطريقة نفسها التي بُنِيٓ بها الاتحاد الاشتراكي في زمن جمال عبد الناصر، واستمر قائماً في العصر الساداتي، وإن اتخذ طوراً جديداً، بإنشاء منابر ثلاثة، أطلقوا عليها اليمين والوسط واليسار، شكلاً، غير أنها، في الجوهر، كانت تياراً واحداً لمعارضة مصنوعة على عين السلطة. وللتذكير، فإن قانون إنشاء الاتحاد الاشتراكي عام 1962 نص على أن هذا التنظيم هو "الطليعة الاشتراكية التي تقود الجماهير، وتعبِّر عن إرادتها وتوجِّه العمل الوطني، وتقوم بالرقابة الفعّالة على سيره وخطِّه السليم في ظل مبادئ الميثاق".
ولا تختلف الحجج التي يسوقها مروجو التيار الجديد عما ورد في بيان تأسيس الاتحاد الاشتراكي، أيام عبد الناصر، حيث يتكرر الكلام نفسه عن صف الجماهير للدفاع عن أهداف "الثورة والانقلاب على الثورة" في مشروع واحد، وهنا قمة التناقض في الجوهر، والفساد في المنطق، إذ يذهب الداعون إلى أن دافعهم لذلك "أن الأحزاب الآن تعاني من الاختناق، بسبب عودة السياسات القديمة، وأن الشارع لا يجد نفسه في ممارسات السلطة، وكذلك ممارسات التيار الإسلامي، وكذلك لا يجد نفسه فيمن أسقطوهم في الماضي من أعضاء الحزب الوطني المنحل". وينسى هؤلاء المعارضون الظرفاء أن هذه الحالة التي يشخصون بها الوضع ناتجة عن ذلك الذي جرى في 30 يونيو/ حزيران 2013، ذلك اليوم الذي تحالفوا فيه مع الدولة العميقة، وفي القلب منها "رجال الوطني المنحل"، نكاية في "الإخوان المسلمين"، وكانت المحصلة أنهم أعادوا النظام القديم، فوق ظهورهم، وتحولوا هم إلى كائنات، وكيانات، ورموز، هامشية، غير مسموح لها إلا بوظائف تجميلية للنظام العائد إلى الانتقام من ثورة يناير. الطريف أن أصواتاً محسوبة على الليبرالية، تزعم، طوال الوقت، أنها تعبر عن قيم وأيديولوجيات شديدة التباين مع هذا الخليط من الذين يصيحون بشعارات الاشتراكية والناصرية، ويغازلون "قوى الشعب العامل"، لم تجد غضاضة في إبداء الرغبة في ركوب "قطار حمدين" الذي يسير بالفحم السيسي، من دون أن يكونوا مدعوين أصلا للصعود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق