وائل قنديل
عزيزي صهيب: مبروك الجسر البري
لا يهم الطفل "صهيب" ما إذا كان مشروع الجسر البري، الرابط بين مصر والسعودية، وهماً من الأرشيف العتيق، تم تعاطيه أكثرَ من مرةٍ، أم حقيقة.
ما يهم "صهيب" هو أن ساقه الممدودة، في ضمادها الكثيف، داخل الزنزانة التي دخلها طفلا، لن يصيبها مكروه، وأن هناك من يتذكر مأساته، التي بدأت وهو تلميذ في الرابعة عشرة من عمره، واستمرت حتى الآن، حيث دخل مرحلة "شرخ الشباب" معتقلا، مثل عشرات الآلاف من معتقلين آخرين، سلبت حرياتهم، ودمرت حياتهم، فيما يبني المانحون جسورا مع الاستبداد والوحشية، مكافأة لجنرال جاء ليقتل أجنة الأحلام في أرحام الأمم المتطلعة إلى التغيير والتحرر.
بدأت مأساة الصبي "صهيب عماد" في الحادي عشر من فبراير/ شباط 2014، ذكرى اليوم الذي رأت فيه الثورة المصرية وميض انتصارها الخاطف، بخلع الدكتاتور العجوز، وقدمته للمحاكمة، على الرغم من محاولات إلهائها بحزمة من المليارات، عرضها المانحون ثمنا لعدم محاكمته.
في ذلك اليوم ألقت القوات ذاتها، التي قتلت "جوليو ريجيني" وخمسة أبرياء، لاتهامهم بقتله، القبض على الصغير، في منزله بعد أن داهمته، كما روت والدته، في تمام الساعة السابعة والنصف المنزل وألقت القبض عليه هو وشقيقه بدون إذن نيابة، وبعد تحطيم المنزل وتكسيره، وسرقة اللاب توب والتليفونات المحمولة الخاصة بكل أفراد الأسرة.
أكثر من 26 شهرا قضاها"صهيب" حتى الآن، محبوسا احتياطيا، متهما بحرق أربع مدرعات شرطة، وضرب أربعين ضابطا وفرد أمن، لا يستطيع أن يقف على قدميه، بعد أن نهشت وحشية السجن والسجان إحدى ساقيه، فاضطروا لإجراء جراحة بها، لستر بصمات فاشيتهم، ثم أعادوه إلى محبسه، مقيدا في الأغلال، ممنوعا من تلقي العلاج، والمتابعة الطبية، حتى ساءت حالتها، وباتت الساق الأخرى بحاجة إلى عملية جراحية، ليستقبل عامه السادس عشر مهددا بالإعاقة.
يمثل "صهيب" أمام جلسة محاكمة جديدة، اليوم السبت، في موعد اختاره التاريخ بدهاء، أيضا، وكما اختار له 11 فبراير، عيد انتصار ثورة جيله، على المستبد العجوز، موعدا لتدشين رحلة العذاب والقهر، اختار له محاكمة في يوم مكافأة الدكتاتور الصغير، بكل معاني الصغر.
لن يهتم"صهيب" بأن الجسر المعلن عنه أمس، للربط بين مصر والسعودية، سبق الإعلان عنه في احتفال كرنفالي مماثل عندما كان الصغير المعتقل ست سنوات فقط، حين أُعلن في القاهرة والرياض أن حسني مبارك والملك عبد الله سيوقعان الاتفاق التاريخي لمشروع القرن والقرون السابقة واللاحقة، بإنشاء جسر بري يربط البلدين الشقيقين.
لا يهمه أنه ذات يوم من أيام 2007 نشرت "أهرام أسامة سرايا" مانشيت أحمر عريضا يقول: مبارك في جدة اليوم ليشهد مع ملك السعودية إطلاق إشارة بدء تنفيذ الجسر.
ثم تكون فضيحة سياسية وإعلامية بجلاجل، عندما يصدم المتابعون بأن مبارك لم يذهب إلى جدة، والجسر ليس إلا مشروعا وهميا "فنكوش" قيل إن جهات في الدولة المصرية اعترضت عليه لخطورته الاستراتيجية، وأجبرت مبارك على التراجع عنه، والإدلاء بتصريحات مرتعشة لصحيفة "مساء سمير رجب" قال فيها "إن ما أثير مؤخراً عن وضع حجر أساس لهذا الجسر مجرد إشاعة لا أساس لها من الصحة، و لم يتحدث إلينا أحد في هذا الموضوع" وأضاف قائلا: "أرفض تماماً إقامة الجسر أو أن يخترق مدينة شرم الشيخ".
لا يعرف أحد ماذا حدث وقتها يا عزيزي صهيب، غير أن روايتين راجتا في ذلك الوقت، ذهبت الأولى التي ترددت همسا في دهاليز السياسة، إلى أن القوات المسلحة عارضت المشروع، كون تنفيذه سيدمر جزيرتي "تيران وصنافير" وهما القاعدتان الوحيدتان لمصر في حالة نشوب مواجهة بحرية مع الكيان الصهيوني، وأن المشروع يرمي إلى حرمان مصر منهما إلى الأبد.
أما الرواية الأكثر ذيوعا، يا عم صهيب، فهي التي رددها حسني مبارك في تصريحاته وفيها أن مرور الجسر بمدينة شرم الشيخ سيؤدي إلى الإضرار بالفنادق والمنشآت السياحية ويفسد الحياة الهادئة والآمنة هناك".
عفوا يا عزيزي، أدرك أنه من ضروب الرفاهية السفيهة أن نرهقك بحكايات من هذا النوع، وأنت تنظر إلى ساقيك بقلق، وتكتب لوالدتك بخطك الجميل من زنزانتك قائلا
"كونك تسمعي عني أي أخبار في حد ذاتها نعمة من الله لا يتنعم بها كثير من الناس".
فقط أردت أن أقول لك إنهم يمدون جسورهم فوق آلامك وآلامنا، وينشغلون عنك بتدبيج بيانات الترحيب والاستعطاف، وبناء الحلول فوق أنقاض الثورة، لكن، ومع ذلك، هناك كثيرون يتذكرونك ويناضلون، بحق، من أجلك، وأمثالك، يرفعون شعار
" خلي الضمير صاحي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق