الجمعة، 17 مايو 2019

ماذا أبقوا لنا من الدِّين ؟

ماذا أبقوا لنا من الدِّين ؟


أحمد درويش

في ظلِّ سياسات المنطقة التي يتفق معظمنا على أنها سياسات استبدادية ، كانت هناك فئة من الناس لا تزال تدافع عن نفسها وعن سطوتها في المجتمعات العربية والاسلامية باعتبارها ذات شأن وعلم، بل وفضل على الشعوب.

إنها فئة المشايخ أو من يُسمّون أنفسهم “رجال دين”، تلك الفئة التي تمتاز في معظمها بقربها من الأنظمة الإستبدادية ومؤسسات الفساد، فتقتات على آلام الشعوب وطموحات الشباب وأحلامهم.

ما يهمنا في هذا المقال أن نكشف عن الدور الذي تقوم به هذه الفئة، سواءً المتمثل في تثبيت عروش الطغاة أو تعزيز مجدهم الشخصي الذي بدأ يتآكل مع الأيام. صحيح أن هذا يحدث ببطء نسبيا، لكنه أصبح واقعا، ومع الأحداث والأيام القادمة سيتآكل أكثر فأكثر.
علماء السلطة
ونحن اليوم كشباب يطمح بواقع سياسي واقتصادي واجتماعي بل وديني أفضل؛ تتجسد مهمتنا أن نُسقط هذه الأقنعة المزيفة التي تتستر باسم الدين والمصلحة والوطنية، وذلك من خلال توضيح مجموعة من الحقائق العقلية، والتي ستجعل من دورهم في مجتمعاتنا ضعيفا.
أول هذه الحقائق: أننا لا نحتاج لمن يفسر لنا الدين
تلعب هذه الفئة دور المُفسر لدين الله، والقائم على توصيله للناس، وهي بهذا تأخذ مكانة عالية في نفوس الناس بادعائها الفهم والعلم، والأصل أن كتاب الله ودينه واضحان وضوح الشمس، فهو كتاب عربي مبين، أتى بلغة يفهمها الناس، وهم إن احتاجوا لشرح كلمة أو معنى لا تعجزهم قواميس اللغة عن ايجاد وتوضيح بعض الكلمات القليلة التي قد تُشكل عليهم.
كما أن الدين بيِّن، فإن الحرام ما حرَّمه الله، والحلال ما أحلَّه الله، فما بالنا اليوم ننتظر من يُحرِّم ويُحلِّل لأن فلان قال كذا أو لأن علان رأيه كذا !
وإن جادل أحدهم بأن هذا لا يمنع من سؤال أهل العلم والتقوى؛ ردننا عليه بأن سؤال شيخ لا يعني أن أستقي منه كل ما يخص الدين، فيصبح فهمه للدين هو فهمي، ورأيه هو رأي، ويخرج عقلي وعقلك من المعادلة بالكامل، وكأننا أمام ألغاز ومعادلات لا يفك رموزها إلا من يسمي نفسه رجل دين أو عالم شريعة.
إننا أمام تعاليم واضحة أمرنا المولى بالتفكر والتدبر بها مرات ومرات، وأمرنا بسؤال أهل العلم إن كنا لا نعلم، أما إن علمنا وفهمنا وتدبرنا فلا يلزمنا وسطاء بيننا وبين الله.
ثانيًا: الفشل في الواقع
تعالوا ننظر اليوم إلى ما قدمه رجل الدين في حل إشكاليات وأزمات الواقع حتى نعطيه هذه المكانة العالية في مجتمعاتنا؟
هل قدَّم لنا رجال الدين حلاً للفقر والبطالة؟ هل ساهموا بأي تقدم في مجتمعاتنا؟ هل وقفوا مع المظلومين؟ هل تقدموا الصفوف في الثورة على الديكتاتوريات؟
بل ماذا قدمت العلوم الشرعية التي تدرس اليوم على أيديهم في جامعاتنا؟
هل أخرجت لنا أفكارًا ومشاريع غيّرت من واقعنا شيئًا واحدًا للأفضل، في أي مجال من مجالات الحياة؟
الفتوى اليوم سوى أداة من أدوات الإستبداد السياسي والإجتماعي التي تجعل من حياة الناس وعقولهم لا قيمة لها ولا وزن !
إننا أمام حالة كاشفة من الفشل في مجابهة تحديات الواقع، حالة تكشف أن رجل الدين اليوم هو جزء من أزماتنا، فهو عندما يدعو للعبادة يفصل العمل الدنيوي بمعظم أشكاله عن كونه عبادة يؤجر عليها الإنسان، ويركز على الشعائر التعبدية الفردية، وهو يدعو باستمرار إلى أن العلم الشرعي هو الأصل وما دون ذلك مكملات، مع أن الواقع يقول بعكس ذلك في كل قضاياه وتحدياته.

إن رجل الدين يحيلنا دومًا إلى الحلم الأُخروي، فهو يقوم بتخدير الناس في خطبه وكتبه من خلال تأجيل حل إشكالياتنا بوعد الآخرة ودخول الجنة، ولا أعلم كيف يدّعي هؤلاء دخول الجنة وقد تركوا العلم والعمل في شؤون الدنيا التي هي طريق الآخرة، ثم يروجون أن قول “لا إله إلا الله” تكفي لعزة الدنيا والفوز في الآخرة دون أي اعتبار لثقل الإستخلاف في الأرض الذي حملّه القرآن للناس.
ثالثًا: بين كثافة الفقه وفقدان القيم
لقد فشل رجل الدين في إيجاد منظومة قيمية حاكمة رغم أن القرآن كتاب قيمي بامتياز، فلا تُخطىء عين كل من يقرأ القرآن أنه كتاب يدعو للعدل والاحسان، ودفع الظلم وأداء الأمانة، وصون كرامة الانسان، كل هذا تم الغاؤه وتعظيم دور القضايا الفقهية، حتى في الفقه، فقد اختاروا أصغر دائرة فيه وجعلوها هي الدائرة الأساسية في الحياة، وشغلوا الناس في قضايا الفقه الثانوية مقارنة بالقيم الكبرى المؤسِّسة لمجتمع العدل والكرامة الإنسانية.
كم من المجلدات والكتب والمحاضرات والبرامج التلفزيونية التي شغلت الناس في قضايا هامشية بعيدة كل البعد عن احتياجات الانسان الحقيقية ؟
إننا أمام حالة من تشتيت أنظار الناس وعقولهم عن المشاكل الحقيقية، فلا يحتاج أي مسلم عاقل كما يقول الغزالي إلا لبضع ورقات لفهم عقيدته ووضوئه وصلاته.
الماضي هو الماضي ولن يغيره جدالنا فيه شيئًا، المهم أن نقوم بدورنا الحاضر ليكون للأجيال القادمة شيئًا يذكروننا بالخير فيه.
وما نراه اليوم هو سيول جارفة من التكرار المتعمد لقضايا ومواضيع فقهية فردية صغيرة لا تقدم شيئًا في حال مجتمعاتنا وتطلعاتها.
أما قضايانا الكبرى في تداول السلطة والحياة السياسية فلا نسمع لهم صوتا !
وقضايانا الكبرى في تحسين معيشة الناس واستقرارهم ونموهم؛ لا نرى لهم فيها حسا !
وقضايانا الكبرى في تعزيز قيم العدل والحرية ليست في عقولهم ولا أجندتهم !
رابعًا: تقديس الماضي

يعشق رجال الدين التغني بماضي غيرهم، فصلاح الدين حرر القدس، وابن تيمية هو شيخ الاسلام، والأندلس كانت دولة الانجازات. حالة من التقديس الأعمى لأقوال وشخصيات قدمت ما قدمته ومضت إلى ربها، ونحن ما زلنا نتجادل في خصالهم وانجازاتهم !
صلاح الدين الأيوبي

وكأننا نملك فائضًا من الوقت حتى نتسلى بذكرهم عن واقعنا البائس.
يتفنن رجل الدين باللعب المستمر في هذه الدائرة ، فهي تعطي ارتياحًا نفسيًا للناس أننا كنا أمة عظيمة، وتبدأ المناقب في فلان وعلان ولا تنتهي، ويبدأ الجدل حول هذه الشخصيات ومواقفها بين مؤيد ومعارض، كل ذلك دون أن ينتبه معظم الناس إلى ما لنا ولهؤلاء القوم من قبلنا؟
هل يا ترى انشغلوا في أيامهم بما ننشغل به اليوم، أم أن ذكر انجازاتهم لا يلفت الإنتباه إلى أنهم كانوا يقومون بما يرونه صحيحًا حينها؟ فما بالنا اليوم نسكر طربًا على ذكر ما قاموا به، وننام على واقعنا الكئيب ببركة ما يرويه لنا رجال الدين عنهم !
الماضي هو الماضي ولن يغيره جدالنا فيه شيئًا، المهم أن نقوم بدورنا الحاضر ليكون للأجيال القادمة شيئًا يذكروننا بالخير فيه.
خامسًا: لا فتوى بعد اليوم
نعيش اليوم في عصر الثورة، ثورة التكنولوجيا والمعلومات، وثورة السباق نحو الإبداع والإبتكار، عالم جديد تمامًا لا مكان فيه لـ”يجوز” أو “لا يجوز” بعقلية الفقيه التقليدية، بل لعقل منفتح وقلب سليم ينظر ويتأمل ويقرر بنفسه ما الذي يحقق مصلحته ومصلحة مجتمعه.

لم تمنع الفتوى أحدًا من فعل شيء حرام يريد فعله، ما يفعل ذلك هو سلامة الضمير والقيم الداخلية التي يؤمن بها الإنسان، إنها البوصلة الداخلية للفرد، فهو مكلّف فردًا وسيُبعث فردًا وسيُحاكم فردا. ثم كيف نثق بمن يُغيّر فتواه بما يتماشي مع مصلحة ولي أمره، فالخروج على هذا الحاكم حرام، لكن يجوز الخروج على غيره، والمظاهرات في هذه البلاد حرام حرام، أما في دولة معادية فهي مطلوبة. والتصوير حرام، ثم عند الإنتخابات تصبح حلالًا ومن أعظم الواجبات. وسياقة المرأة مضرة لمبايضها، ثم هي من المباحات شرعا !
الفشل بعد التجربة هو أفضل مئة مرّة من عيش سكرة الماضي، فالمؤكد أن الماضي ذهب أهله وانجازاتهم، والواقع يعطي العاقل فرصة تلو الفرصة ليثبت فيها انجازاته ويحقق أحلامه.
عشرات الفتاوى السامة التي كبلّت عقول الناس وحياتهم، وجعلتهم في حالة من الفزع والإعتماد الكامل على مجموعة من الأشخاص ادّعوا دجلًا أنهم أفهم وأحكم وأقدر الناس على فهم مراد الله ومصلحة خلقه، كل ذلك لم يعد له تبرير ليبقى، فليست الفتوى اليوم سوى أداة من أدوات الإستبداد السياسي والإجتماعي التي تجعل من حياة الناس وعقولهم لا قيمة لها ولا وزن، وبعد كل ذلك ماذا بقي لنا من الدين؟
بقي لنا أن نُعمل عقولنا التي وهبنا الله إياها، ونقرر بأنفسنا كشباب خاض غمار الحياة وتجاربها القاسية أن:
  • الدين فهمه يقوم على عاتق كل واحد منا، فلكل منا تجربته في الحياة، وفي التدبر والتفكر في علاقته بخالقه وخلقه.
  • الواقع أقوى من النص، فتحديات الواقع تقتضي العمل والتجربة وتصحيح الخطأ من واقع التجربة لا من واقع أن هناك نص مكتوب فقط، فالنص لا يحل المشاكل، بل يسلط الضوء عليها.
  • الدنيا هي دار العمل، وهي دار الاختبار، فالعمل السياسي والإقتصادي والإجتماعي والعلمي عبادة، وهو من متطلبات العصر التي لا جدال بأهميتها، وإن كنا نؤمن حقًا بأننا سنحاسب على أعمالنا فلننظر لما نقدمه اليوم من انجازات في تلك المجالات.
  • تقديس قيم الحرية والعدل واعتبارها واجب العصر، فمعركة المجتمعات اليوم هي معركة إثبات وجود الإنسان وقيمه الكبرى، فلا وجود ولا عيش حقيقي من دون القتال والدفاع عن هذه القيم.
  • الفشل بعد التجربة هو أفضل مئة مرّة من عيش سكرة الماضي، فالمؤكد أن الماضي ذهب أهله وانجازاتهم، والواقع يعطي العاقل فرصة تلو الفرصة ليثبت فيها انجازاته ويحقق أحلامه.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق