الأربعاء، 22 مايو 2019

1- طفولة قلب

"السيرة الذاتية"  طفولة قلب


1- طفولة قلب


  الاحد 15 شوال 1425 

الموافق 28 نوفمبر 2004


خمسة وأربعون عاماً مضت ...
والمشهد؛ هو قرية هادئة
وطفل صغير
يحمل ثلاث سنوات من عمره!
قلبه –أيضاً- صغير مليء بالبراءة والابتهاج

وطن النجوم أنا هنا            صدقاً أتذكر من أنا؟!
ألمحت في الماضي البعيد                فتى غريراً أرعنا
جزلان يمرح في الحقول           كما النسيم مدندنا
يتسلق الأشجار               لا ضجراً يحس ولا ونا
ويعود بالأغصان يبريها                  سيوفاً أو قنى
أنا ذلك الولد الذي              دنياي كانت ها هنا

صبي يقفز مع الصغار, وأحياناً يزاحم الكبار, يبحث عن رغبات, وأمنيات تنساب في ينابيع طفولته الطريّة!
أقصى ما يتمنى؛ حلوى يلعقها, أو قطعة بسكويت يتملاها قبل أن يقضمها, أما الكاكاو, فلم يكن له وجود في عالمه!!
وحب, وحنان من تلك الأم الرؤوم.
وهناك الفوز الأعظم؛ حين يرتمي في حضنها الدافئ قبل إخوته؛ ليحتله بالكامل, وينتشي بابتسامة عذبة, حينما تتمتم بأدعية لا يفهمها؛ ولكنه واثق أنها حتماً تدعو له بخير ,وتدبر أموره على خير.
في الخامسة؛ انتبه إلى أن هناك رجلاً في الدار يجب أن يحوز على إعجابه ورضاه ويثبت أمامه رجولته!
وكم كان يعجبه أن يبدو كوالده رجلاً!
هو رجل بسن الخامسة!
غترته الطويلة تصل أجزاؤها إلى الكعبين فيما يشبه الثوب, ومحاولات للتسلل إلى (الدكان) حيث الرجال, والحلوى, والحب.
حلم بدأ بأمه, ثم أبيه, وينمو, ينمو حلمه, ويكبر, ويكبر معه تماماً , كما تلقي بحجر في بحيرة, فتلاحظ الدوائر تحيط بمكان سقوطه, صغيرة, ثم تكبر تباعاً, وربما تحور الحلم, أو تبلور, أو تغير حسب مراحل حياته.
جدران بيتهم الصغير لم تعد حدوداً لذاك الحلم فقط!
نما وخرج إلى الشارع
فالرفاق
فالحارة
ثم المدرسة
فالمركز
اتسع وتشعب, كشعاع الشمس.
عندما قطع جزءاً من مرحلته الابتدائية؛ كان حلمه أن يصبح أحد إخوته طبيباً, ولكن ليس هو, فهو يكره رؤية الدم!!
ولماذا طبيب؟!
لأن والدته كانت تعاني من (القيلون ) ـ حسب تعبيرها! ـ الذي يرهقها؛ فيعز عليه ألمها.
مَن حوله يثني على لغته, وحفظه, ولكن الأفكار كانت عاجزة عن فهم ما هية قدراته.
إيحاء الفكرة اخترق حلمه؛ فشعر بالتميز, وانطلق نحو الأفق؛ فذاك الإحساس المشع لا يجب أن يُهمل, وهو دافع لإلهاب المخيال اليافع تجاه المستقبل الذي تخبؤه الأيام الحبلى.
أخذ ينهل من العلم؛ فقد أوتي نهماً للقراءة!!
بدأ يظهر, ويكبر
والأب خير معين
إذا لم يقف في طريق خطواته, ولم يحاول تحجيم أحلامه إطلاقاً , ما دام يسير في الطريق الصحيح, لم يكن والده متعلماً بما يكفي, لكن حكمة الأيام والتجارب كانت مدرسة طالما نهل منها وعانى مرارتها, ولا زال يذكره وهو يتلو القرآن من مصحفه الكبير بتحزين وتخشع.
بدأ عقله يسابق جسده في النمو ؛ لدرجة أنه أغفل أو اغتال لهو الطفولة البريء, إلى جد الرجولة الجريء!!
قرأ, وعرف, واتسعت ثقافته!
وتظل بؤرة الانطلاق ذاك الطفل الذي أراد أن يصبح رجلاً موزون الكلمة, عالي الهمة...
وكلما نضج, علم أن ثمت هدفاً لم يبلغه بعد.
لم يلزم نفسه بأكبر من طاقتها ...
حدد أهدافه...
فمن لا يعرف إلى أين يتجه؛ قد تنتهي به خطواته إلى مالا يحب أن يكون, ولا يستمتع بما وصل إليه.
مؤمن بأن الفشل ليس نهاية المطاف
والخطأ ليس ذريعة للتقوقع ...
المهم أن لا تسلب ثقتك !
تشرب مبدأ : حافظ على توازنك في جميع أمورك.
رسم صورة في ذهنه لمستقبل مشرق بدرجة كافية,صورة تزوده بالأمل في لحظته الحاضرة ...
طاقة إيجابية؛ تدفعه ليحقق الحلم, وتشعره بأهليته.
إذاً فليثبت ذاته بجدارة!
النزعة الكمالية لم تكن أبداً مطلبه؛ لأنه يعلم أن العيش بتلك الطريقة سيثقل كاهله, ويبطئ خطاه, ويضيع وقته, ويشعره –أيضاً- بأنه سيموت عندما يرتكب خطأ ما.
لذلك قرر:
أنه اجتماعي بطبعه, كما اكتشف وأدرك, فليحكم شبكة علاقاته مع الآخرين فهو يشعر بالانجذاب إليهم بقدر ما يشعرون هم بذلك نحوه!
كما قرر أن الكمال بالجماعة لا الفرد
وأفضل اللحظات تلك التي ننسجم فيها مع الآخرين, ونتعاون معهم
فهنا القبول والرضا منهم!
بل –وأيضاً- كسب ثقتهم, بشكل كاف؛ ليحبوه ويسمحوا له بأن يحبهم.
كان واضحاً مع نفسه, ومتقبلاً لها؛ لذلك استخدم معاييره الشخصية, ومعايير المجتمع؛ ليحقق الامتياز الذي سعى نحوه.
إذن: كان ذلك الطفل يحلم بالحلوى "المصّاصة" مثل التي مع ابن العمدة ...
فمع التقدم تحولت الحلوى إلى ميكرفون؛ يلتقط كلماته؛ ليصبها في آذان مستمعيه!
ينظر إلى ماضيه وحاضره ومستقبله؛ فيرى أنه في مرحلة الحضانة؛ لم يعلم أنه سيكون ذلك الصبي في الابتدائية, وفي المتوسطة, لم يعلم أن ذاك الفتى سيكون فتى النشاط والتوهج في الثانوية, وإن كان يحلم بأن يكون.
والآن ذلك الشاب لم يكن يعلم أنه سيكون كما هو اليوم
وإن كان يتوقع موقعاً مشابهاً , إن حالفه الحظ, وتكللت مساعيه بالنجاح.
وبرغم كل شيء؛ فإنه لا يعلم أين سيكون في مرحلته المقبلة ...
كل ما يعلمه أنه يرجو أن يأخذ ربه بيده إلى طريق الخير!!
هو هو لا يزال ذلك الطفل الذي يشعر بالبراءة في أعماقه, ويسعد بصفاء النفس مع الآخرين, ويتتلمذ بطواعية تجاه الدروس العفوية الممتعة التي تزخر بها الحياة من حوله ويتلقنها من الصغار في عفويتهم , ومن الكبار في ميادين تجربتهم, ومن القراءة في حقول المعرفة.
أجمل ما يحس به, أنه يعرف جهله, فلا يغره إطراء المادحين, ويعرف صدق مقصده؛فيؤمن أن الله اللطيف سيرعاه, ويمنحه القوة والصبر على عنت الحياة و تجاوز الأحجار التي يضعها من لا يفرحون بالنجاح.
من تجربته الصغيرة آمن بطفولة القلب, ولم يؤمن بطفولة العقل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق