الثلاثاء، 21 مايو 2019

أسست الدولة وهمشت الشعب.. هل حررت الناصرية مصر حقا؟

أسست الدولة وهمشت الشعب.. هل حررت الناصرية مصر حقا؟


ترجمة: سارة المصري.
مصدر المقال مأخوذ عن E-International Relations 
موقع أكاديمي سياسي


بانتهاء الاستعمار في أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط، طرأت تغييرات تاريخية في المنطقة، وبدأت فترة عم فيها التضامن والتفاؤل وتغير فيها التفكير بشكل جذري. صممت الدول عبر القارة مشاريع جديدة للتنمية الاقتصادية والسيادة السياسية آخذة بالاعتبار الحدود التي فرضها الحكم الاستعماري. وكانت الخطوط الفاصلة بين ما هو دولي ومحلي ضبابية عمدًا من أجل صياغة أشكال جديدة من التضامن الدولي. وإلى حد ما، تجاوزت هذه المشاريع الأمة وتخيلت نظامًا عالميًا جديدًا نزع مركزية الأمة باعتبارها الفلك الذي تدور فيه السياسة فقط.
  
كان ذلك بالتأكيد هو الحال في مصر، محور هذا المقال. ومع ذلك، فإن طرق تخيل هذا الشكل الراديكالي من التعاون الدولي تختلف اختلافًا كبيرًا من فاعل لآخر؛ لا سيما أشكال التضامن المتخيلة للجماعات المصرية المتشددة مثل النسويات والعمال والطلاب التي غالبًا ما أفلتت من قبضة التصور الإقصائي للدولة القومية التي دائمًا ما كانت تعود لتفرض نفسها في تصريحات القادة وممثلي الدولة. وفي حين أن طرفي هذا الطيف داخل حركات مناهضة الاستعمار أرادا إنهاء الاستعمار الذي كان عالميًا، إلا أن الطرق التي تصورا بها حدوث ذلك كانت مختلفة كليا.

  تغير مفهوم الدولي

في كتابها "موضوع ما بعد الاستعمار: المطالبة بالسياسة والحكم في ظل الحداثة السائلة"، صاغت فيفيان جبري مصطلح "دولي استعماري" لوصف مجالٍ دولي لا يزال مُخترقًا من قبل الإمبريالية. وفقًا لجبري، يجب النظر للتغييرات التي طرحها قادة ما بعد الاستعمار مثل جمال عبد الناصر في مصر باعتبارها محاولات للوصول إلى الدولية. والدولية كانت استعمارية كما صاغتها فيفان جبري، وذلك يرجع لأنه لم يكن ينظر لكل الدول الأمم باعتبارها صاحبة سيادة، في الواقع، انطبق هذا على أغلبية الدول. وخانت تصنيفات مثل "تحت الحماية" و"تفويضات" هذا المنطق المعادي للاستعمار، حيث كانت بعض الدول دولًا قومية محتملة؛ تجسد السيادة، ولكن للوصول إلى هذه المرحلة يعني بلوغ وضع حضاري معين. يلاحظ أنتوني آني [1]قائلا" وجدت السيادة بشكل يشبه استمرارية خطية، بناءً على قربها لمثال الدولة القومية الأوروبية".
  موضوع ما بعد الاستعمار: المطالبة بالسياسة والحكم    
     في ظل الحداثة السائلة لـ "فيفيان جبري" (مواقع التواصل)  

كان يُنظر إلى استعادة السيطرة على مؤسسات الاقتصاد السياسي الدولي باعتبارها الطريق إلى الاستقلال، مع أنها هي ذاتها المؤسسات التي أعادت إنتاج اللامساواة العالمية. ومع ذلك، كانت هذه النظرة دائمًا تتم مقارنة بما هو دولي؛ إنها المقارنة الضاغطة التي تتوسط أي شيء وكل شيء تفعله الدولة في مرحلة ما بعد الاستعمار. كانت لحظات مثل مؤتمر التضامن الأفروآسيوي عام 1955 في باندونغ محاولاتٌ لتأسيس مفهوم دولي جديد؛ وهي محاولات فشلت في النهاية إذ رأينا عودة الأممية الاستعمارية في أواخر الستينيات. وفي جميع أنحاء إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، تجسدت مقاومة الحكم الاستعماري بطرق متنوعة ومتداخلة، سواء من خلال دعواتٍ للتصنيع المستقل أو التجديد الثقافي أو تقرير المصير السياسي أو تأميم الأصول.
   
في سياقات مثل مصر، لم يكن مشروع ناصر مجرد مشروع للاستقلال الوطني، بل كان محاولة لإنهاء الاستعمار على الصعيدين الوطني والدولي. ولم تكن المقاومة تعني إخراج الإنتاج المصري من هذا المجال الدولي الذي كان بحد ذاته مستعمِرًا فحسب، بل إنشاء وصياغة مشاريع اجتماعية وسياسية جديدة تجاوزت ثنائيات الشرق والغرب كذلك. وكان الاقتصاد السياسي في فترة إنهاء الاستعمار محوريا في هذه المحاولات الساعية إلى "إنهاء استعمار ما هو دولي". إليك مثلا البيان الصادر بعد المؤتمر في باندونغ، الذي دعا إلى التعاون داخل الجنوب العالمي وخلق الخبرات التقنية والبحث والتطوير وتبادلها وإنشاء هيئات دولية لتنسيق التنمية الاقتصادية وتقرير المصير بما يتسق مع السياسة الاقتصادية. والأهم من ذلك، أن المبادئ تحدد بوضوح برنامجاً للتنمية الوطنية يعتمد على التصنيع. حيث دعا المبدأ الرابع إلى تثبيت تجارة السلع في المنطقة، ويعترف المبدأ الخامس بأهمية السلع الأولية وموقع العالم ما بعد الاستعمار في توفيرها. كما يلاحظ بارثا تشاترجي ،[2] يشير البيان إلى أن معظم البلدان في المؤتمر رأت نفسها "مُصدرة للسلع الأولية ومستوردة للمنتجات الصناعية". حيث تم تصور التنمية الاقتصادية بقيادة الدولة من خلال التصنيع بوصفها وسيلة لإيقاف الاعتماد على رأس المال العالمي.

 فخاخ الناصرية

في مصر، تشكلت الناصرية، المشروع الذي وصف نفسه بأنه معادٍ للاستعمار، في أوائل الخمسينيات. وكان تفكيك النخبة المصرية، وبرنامج الإصلاح الزراعي (المحدود)، وإدخال التعليم والرعاية الصحية المجانيين، وضمان العمالة بعد التخرج نماذجًا لبعض التحولات المادية التي وضعها مشروع الناصرية. كما تندرج تحت التحولات المادية مشاريع البنية التحتية الرئيسية التي شرعت فيها الطبقة الناصرية الحاكمة، بما في ذلك تأميم قناة السويس وبناء السد العالي.
  
غيرت هذه التحولات قدرة العديد من المصريين جذريًا على الوصول إلى الخدمات الاجتماعية والحراك الاجتماعي. ولكن لم يكن أي من تلك الأمور فوق مستوى النقد، فعلى الرغم من تمثيلها كجزء من مشروع بناء دولة مناهضٍ للاستعمار، إلا أنها اعتمدت بدرجة كبيرة على إعادة إنتاج التطور الرأسمالي. وأعادت التغييرات التي أُدخلت تأكيد الفهم الاستعماري للسيادة ما أعاد في النهاية إنتاج الدولة القومية كحاملٍ لما هو سيادي. ويرجع ذلك جزئيًا إلى مركزية الأمة والقومية بالنسبة لهذه المشاريع. كما أنه نتيجة تبني الناصرية للتنمية الرأسمالية التي تقودها الدولة. 
  
في الواقع، شخّص الكتاب والمثقفين اليساريين بالفعل فشل المشروع الناصري من منظور اقتصادي في وقت مبكر، بما فيهم باحثين مثل سمير أمين، الذي بيّن "الفخاخ" الكامنة في تبني التنمية الرأسمالية، حتى لو كانت تقودها دولة معادية للاستعمار. وبالنظر إلى أن توسع الرأسمالية في مصر كان مرتبطًا بتوسع الإمبريالية منذ البداية، يصبح من الصعب فصل أحدهما عن الآخر. وهذا هو ما جعل قرار ناصر بتبني التنمية الرأسمالية التي تقودها الدولة مثار جدل. وفي حين استند التصنيع إلى مفاهيم التقدم العلمي والتخطيط الحديث ومركزية الدولة في الإنتاج الرأسمالي؛ من الصعب تجاهل الأهداف الحديثة المندرجة تحت مفهوم التصنيع باعتباره التنمية، وربما كان يمكن لعملية إنهاء الاستعمار بلوغ غايتها القصوى من خلال الرفض التام.

دور النسوية والعمال

  الانتقال إلى لمحات عن مسارات بديلة لمناهضة الاستعمار خلال فترة إنهاء الاستعمار في مصر، نجد في الواقع، أن الكثير من أسس المشروع الناصري وضعت قبل تولي ناصر السلطة. حيث كان النسويات والعمال جزءًا لا يتجزأ من عملية إنهاء الاستعمار في مصر، حتى لو كان تاريخ هذه العملية يروى كثيرًا من خلال عدسة ناصر والدولة المصرية بعد الاستعمار.
  
بدأت النسويات منذ الأربعينيات فما تلاها في تقديم شكل مميز للقومية حيث أصبحت معاداة الرأسمالية أكثر بروزًا. ومن ناحية النوع الاجتماعي، فقد قدمت الحركة النسوية نفسها في سبيل فهم اللامساواة ودعت إلى مزيد من التحولات الجذرية. كان هذا بلا شك مرتبطًا بزيادة أهمية النظرية الاشتراكية والماركسية على الصعيد العالمي، بما في ذلك انتشار المنظمات والمؤتمرات التي ربطت بين النسويات في عالم ما بعد الاستعمار، وهي مؤتمرات كانت اللامساواة الرأسمالية موضوعًا رئيسيًا فيها.
  
أمد ذلك النسويات بالأدوات التحليلية، بما في ذلك سبل تحليل النزاع الطبقي، وتحليل موقف مصر من عالم سريع التغير، كما وفر طريقة لتحليل ما اعتبره الكثيرون المشكلة الرئيسية التي تواجه مصر: وهي اللامساواة الاجتماعية. من الأمثلة على ذلك إنجي أفلاطون[3]، التي ذهبت بصفتها مندوبة من رابطة الطالبات والخريجات في مصر، المنظمة النسائية الشيوعية، إلى المؤتمر العالمي للمرأة الذي عقد في باريس في عام 1945، حيث قالت: "أعددت خطابا قويا للغاية ربطت فيه اضطهاد المرأة في مصر بالاحتلال البريطاني والإمبريالية. وأنا لم أستنكر البريطانيين فحسب، بل الملك والسياسيين أيضًا. لقد كان خطابًا سياسيًا للغاية دعوت فيه إلى التحرر الوطني وتحرير المرأة".

      إنجي أفلاطون       

ومن بين الناشطات الأخريات، الناشطتين الشيوعيتين لطيفة الزيات وثريا أدهم. وكان هذا جزءًا من زخمٍ دولي متزايد حول التضامن النسوي الوطني والمناهض للاستعمار. كتبت لورا بير[4]: "مع إقامة تحالفات جديدة على الساحة الدولية، توزعت مجموعات من الناشطات والكاتبات والطالبات والسياسيات في إطار المؤتمرات الدولية والوفود الزائرة واجتماعات القمة واجتماعات اللجان. وكانت التبادلات شبكات العلاقات الناتجة جزءًا مما حقق التخيلات التي فاقت حدود الدولة القومية".

    التصنيع كمرادف للتنمية

في مصر، كان المثير للاهتمام هو تقاطع المشروع النسوي مع الناصرية كمشروع تقوده الدولة وكيفية انفصاله عنها، وكذلك الطريقة التي عبرت بها النسويات عن القلق بشأن عمل المرأة، داخل وخارج المنزل على حد سواء، في دول ما بعد الاستعمار. في مقالٍ مفعم بالحيوية، كتبت مي طه النقاشات التي أجرتها النسويات المصريات من خلال مفهوم "المصنع الاجتماعي".
  
تجادل فيه بأن مشاريع مثل مشروع ناصر جعلت من المصنع والتصنيع مركزًا لتنمية الدولة القومية المصرية الحديثة، بينما تجاهل مسألة التنشئة الاجتماعية، التي تقع إلى حد كبير على عاتق النساء. لذلك تركزت بعض المناقشات النسوية حول هذا الإحلال، ودعت إلى تشكيل دولة ما بعد استعمار تأخذ الرعاية الاجتماعية وفوائد التنشئة الاجتماعية على محمل الجد. ركز الكثير من هذا النقاش على الطبيعة الجنسانية للعمل، والطرق التي يمكن بها صياغة الخدمات الاجتماعية العامة لتلبية العمل المكثف الذي واجهته النساء في مواقع متعددة. كان دخول النساء إلى القوى العاملة أحد الركائز الرئيسية للمشروع النسوي لدولة ناصر، وتم إقرار قوانين العمل الجديدة التي تضمن فرص العمل لمن لديهن المؤهلات المناسبة.
  
استجابةً لذلك، تم التعبير عن مطالب النساء بالمساواة في الأجر وإجازة الأمومة ومراكز الرعاية النهارية. ويمنح قانون العمل لعام 1959 النساء إجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة خمسين يومًا ويطلب من أرباب العمل توفير مرافق الرعاية النهارية (حضانات للأطفال) في أماكن العمل. كما أتاحت القوانين الجديدة للمرأة الوصول المتساوي إلى التعليم العالي وحددت يوم العمل للمرأة تسع ساعات.
  ومع ذلك، كان توفير هذه الحقوق من خلال تشريعات الدولة له ثمن:"فمن خلال التشريع، تمكنت الدولة من التدخل في شبكات الدعم المجتمعي للنساء من خلال تقنين الحياة الاجتماعية في المجالين العام والخاص، بدلا من السماح للنساء بتصميم ظروف عملهن الخاصة". بالإضافة إلى ذلك، لم تتحقق الكثير من الوعود، مما أدى إلى نقص في الخدمات مثل الرعاية النهارية. ومع ذلك ننظر هنا إلى كيفية التعبير عن مطالب النساء حول عمل المرأة، داخل المنزل وخارجه، وكيف كان لذلك تأثير على مشروع الدولة النسوي.
  
ننظر تحديدا إلى فهم النسويات لدور الدولة في تخفيف أو تكثيف عبء العمل الذي يراعي الفروق بين الجنسين، وبالتالي الطرق التي عاشت بها النسويات حياتهن. في بعض النواحي ، يبدو أن المطالب التي طالبت بها النسويات حول الرعاية اليومية، والمساواة في الأجر وإجازة الأمومة التي تم التعبير عنها من خلال عدسة مشروع وطني، والتي سمحت للنسويات بالتفاوض مع مشروع الدولة الناصرية جزئيًا بسبب التزامها بالرفاه الاجتماعي والتنمية الاقتصادية و"الاشتراكية العربية" - ضعيفة بقدر الحال الذي انتهى إليه هذا الطلب.
  
من ناحية إذن، دعم العديد من النسويات المشروع الناصري-غالبًا مع بعض التحفظات- لأسباب كثيرة معقدة ؛ كما ذكرنا سابقًا، واستطاع ناصر استخدام هذه الطاقة في توسيع نطاق مشروعه. وهذا لا يعني أنهن رأين أنه المسؤول الوحيد عن جميع المكاسب التي تحققت خلال هذه الفترة، وسيما في مجالات التعليم والتوظيف؛ وقالت النسوية المصرية البارزة وداد متري "طالبت الحركة النسائية في مصر دائمًا بحق المرأة في التصويت وانتخابها كجزء من أي ديمقراطية شعبية حقيقية، وفي عام 1956، قدم جمال عبد الناصر هذا الحق لنا. لكن بالطبع لم يحدث هذا من تلقاء نفسه. لقد نتج عن صراع أجيال وأجيال من النساء".
  
من ناحية أخرى، فمن المهم للغاية التوجه للمستقبل البديل الذي كان يلمح إليه المشروع النسائي نفسه، أويعد به لكن الوعد لم يتحقق. كانت هذه التعبيرات النسائية المناهضة للاستعمار والقومية ومعادية للرأسمالية أكثر راديكالية من تلك التي قدمتها الدولة ونخبها. نهتم هنا بالنظر إلى هذا على المستوى الإقليمي والدولي؛ فكيف تشير الروابط والمناقشات بين النسويات في جميع أنحاء العالم ما بعد الاستعمار إلى المزيد من الفهم الجذري لإنهاء الاستعمار، وماذا يعني وكيف ينبغي تحقيقه. 

راية العمال

وبالمثل، يمكننا أن نرى في تاريخ مصر الغني بالمنافسات العمالية أن مفاهيم مناهضة الاستعمار المرتبطة بمناهضة الرأسمالية كانت متأصلة بقوة في النشاط السياسي. فطوال القرن العشرين، شهدت مصر حركة عمالية نشطة كانت قومية ومعادية للاستعمار بقوة. ارتبطت التغييرات التي واجهها العمال والفلاحون إلى حد كبير بتوطيد الرأسمالية وتوسيع الإمبريالية. وهاتان العمليتان لم تكونا منفصلتين: حيث تعتمد كل منهما على الأخرى. وهكذا رأى العديد من العمال وجود صلة بين معاداة الإمبريالية والنضال من أجل العمل، وبالنسبة للحركة العمالية المصرية وكذلك النسويات، لم يكن هناك انفصال سهل بين القومية وقضايا أخرى مثل معاداة الرأسمالية أو النسوية.
  
بتسليط الضوء على هذه الحركات والدور الذي لعبته القومية معهما يتكشّف سبب تمكن المشروع الناصري من توسيع نفسه بسرعة وبشكل كامل من خلال الاعتماد على هذه الطاقات واختيارها. ويبرز أيضًا القومية بسبب صلتها بالسيادة؛ فبالنسبة لجميع هذه العناصر الفاعلة المختلفة، كانت السيادة، وطريقة تحقيقها وما ستبدو عليه، هي السؤال الأهم. بالنسبة إلى النسويات والعمال وغيرهم من المجموعات، كان هذا دائمًا لا محالة يشتمل على موقف مناهض للرأسمالية. لم يمكن تصور السيادة إلا من خلال الابتعاد عن الرأسمالية العالمية ؛ لم تكن الإمبريالية والرأسمالية كيانين منفصلين بل حقيقتين مشتركتين.

 استبعاد الشعب

استنادا إلى الفيلسوف الاجتماعي فانون، فإن استبعاد العمال والفلاحين، والنسويات، من مشروع إنهاء الاستعمار الناصري يعني أن المشروع الناصري لم يكن قادرًا على توسيط الصراع الطبقي وغيره من أشكال النضالات الراديكالية وتحرير نفسه تمامًا من الأممية الاستعمارية: "لأنك إذا كنت تعتقد أنه يمكنك إدارة بلد ما دون السماح للشعب بالتدخل، وإذا كنت تعتقد أن الشعب يخرب اللعبة لمجرد وجوده، سواء ما إذا كان يبطئها أو عن طريق جهله الطبيعي؛ فلا يجب أن تتردد في أن تبقي الشعب خارج اللعبة". كما قال فانون إنه على الحكومة الوطنية أن تتنازل دائمًا عن سلطتها للشعب. ينبغي عليها، في الواقع، حل نفسها. لأن الوعي القومي خلال اللحظة المعادية للاستعمار يأتي من الشعب وهذا هو المكان الذي يجب أن يستقر فيه.
   
يتركنا هذا مع مسألة ما إذا كان، في ضوء حدود التاريخ، كان أي سيناريو آخر ممكنًا؛ ولم تكن دول ما بعد الاستعمار في منتصف القرن العشرين بدلاً من ذلك في ظروف عصيبة، وهي ظروف لم تقدم انتصارًا سهلاً. ومع ذلك، هل هذا الموقف مستحيل كما يبدو؟ إن من المهم أرشفة سيناريوهات المستقبل البديلة التي تخيلتها مجموعات متعددة في الماضي، وكذلك ذكرها في مقدمة المناقشات حول عملية إنهاء الاستعمار الجارية. إن فهم الماضي عبر النظر لكيف تم تخيل المستقبل يخبرنا الكثير عن آليات السلطة في فترة ما بعد الاستعمار المعاصرة.

هوامش:
[1] أستاذ قانون في جامعة سنغافورة الوطنية.
[2] عالم السياسة والأنثروبولوجيا الهندي.
[3] فنانة مصرية تنتمي إلى رواد الحركة الفنية التشكيلية في مصر والعالم العربي.
[4] باحثة في الاقتصاد والأنثروبولوجيا.

ترجمة: سارة المصري.
مصدر المقال مأخوذ عن E-International Relations 
  
  
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق