الاثنين، 13 مايو 2019

صفقة القرن.. و"الطبخة الحرام"

صفقة القرن.. و"الطبخة الحرام"

روجت الثورة المضادة عندما كشفت عن وجهها القبيح في عهد الرئيس محمد مرسي أن مرسي تنازل عن سيناء لأمريكا في مقابل توطين أهل غزة وحماس فيها
محمد عبد الشكور
في إحدى الحفلات جلست امرأة بجوار الكاتب الإنجليزي الكبير جورج برنارد شو على المائدة فقال لها بكل هدوء: سيدتي هل تقبلين أن تقضي معي ليلة بمليون جنية إسترليني؟فابتسمت وقالت له: طبعا بكل سرور يا سيدي، فقال لها: هل من الممكن أن نخفض المبلغ إلى عشرة جنيهات؟ فصرخت المرأة في وجهه قائلة: أنت تظنني من؟
فقال لها " شو" بهدوء: لقد عرفنا من أنت، ولكن خلافنا الآن على الأجر فقط!
ولم يذكر التاريخ اسم المرأة التي جلست مع "برنارد شو" على المائدة ولكنه ذكر لنا أسماء الكثيرين من المنافقين من الإعلاميين والسياسيين ورجال الدين الذين جلسوا على موائد الحكام ليحللوا للحكام الطغاة المستبدين أفعالهم.
مرسي وبيع سيناء لأوباما
ولأن هناك مثلا شعبيا مصريا لا يمكن ذكره هنا يتحدث عن رمي الشرفاء من قبل غيرهم بالتهم التي هم يفعلونها في الحقيقة، فقد روجت الثورة المضادة عندما كشفت عن وجهها القبيح في عهد الرئيس محمد مرسي أن مرسي تنازل عن سيناء لأمريكا في مقابل توطين أهل غزة وحماس فيها، بل وذكروا قيمة المبلغ وهو 8 مليارات دولار تقاضاها مرسي عداً ونقداً ، وكنت ضيفا في أحد البرامج على إحدى الفضائيات في مناظرة بعد 30 من يونيو/حزيران 2013 وحدث للإخوان ما حدث وكذلك حدث للرئيس محمد مرسي ما هو معروف، ووجدت الضيف الآخر وهو محام يدعى الخبرة يردد أيضا حكاية بيع الإخوان ومرسي لسيناء مقابل 8 مليارات دولار ، فقلت له بكل هدوء وأين أودع مرسي تلك الدولارات وأمريكا تراقب تحركات كل دولار في العالم؟ وأين العقد الذي تم بمقتضاه تنازل مرسي عن سيناء لأوباما رئيس أمريكا حينذاك، فبهت الذي كذب، وقال إن الصحف كتبت ذلك وكذلك الفضائيات تحدثت في هذا الأمر، فقلت له ساخرا إذا من حق باراك أوباما بموجب هذا العقد أن يطالبنا إما بتنفيذ العقد أو رد مبلغ الـ 8 مليارات دولار. فسكت صاحبنا عن الكلام المباح.
أبواق صهيونية عربية
عندما جاء الحديث فعليا وحقيقيا هذه المرة عن صفقة القرن وتنازل مصر من قبل عن جزيرتي تيران وصنافير، وأن الصفقة التي ظهرت بعض جوانبها تظهر أن هناك تنازلا في الطريق لكي يعطى من لا يملك من لا يستحق ومن ليس له الحق، اختلفت ردود الأفعال هنا وظهر الفرق كبيرا عن التصيد الكاذب وغير الحقيقي لاختلاق بيع مرسي لسيناء وتنازل آخرون عن الأرض.
لذلك ليس بغريب عندما بدأت الأبواق الصهيونية والعربية تروج لصفقة القرن بترحيل الفلسطينيين إلى دول عربية مجاورة، وأن رفض الصفقة يعني الحرب بين مصر وإسرائيل وسقوط الحكم الحالي وحلول الإخوان محله، وكأن بيع الأوطان والتنازل عن الحقوق التاريخية البديل عنها هو الحرب أو "بعبع الإخوان" الذي يخوفون به الشعب، رغم أن الشعب ما عاد ينخدع بمثل هذا الكلام ولكن يخشى فقط من القوة الغاشمة التي تجثم على أنفاسه بقوة السلاح، رغم ما يتم من أمور زائفة.
ونري آخرين ينكرون "صفقة القرن" ويصرحون بأنهم لا يعلمون عنها شيئا، رغم أن "جاريد كوشنر" مستشار البيت الأبيض كشف بعض تفاصيل صفقة القرن لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفق الرؤية الأمريكية ومن معها، وأكد أن هدفه "جعل الإسرائيليين والفلسطينيين في وضع أفضل"، وقال كوشنر " إنه كان يجري العمل على هذا الأمر على مدار عامين، ولا يزال هناك القليل من الناس الذين يعرفون الخطة".
خطة ترمب
إذن هناك خطة تم العمل عليها على مدار عامين وهناك خريطة عمل سيتم الإعلان عنها كما قال بعد شهر رمضان، وأهم ما جاء في الخطة أنه لا وجود فيها لحل الدولتين، وأن المشاركين في الخطة من المجتمع الدولي وبعض الدول العربية يرون أن ذلك الحل هو الأفضل لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حسبما قالت الإدارة الأمريكية وحسب رؤيتهم أيضا.
وحتى يكون الكلام كما يقول المثل "على عينك يا تاجر" كشفت صحيفة "يسرائيل هايوم" العبرية عن تسريب من وزارة الخارجية الإسرائيلية تفصيلا شبه كاملا عن تلك الصفقة وذكرت منها عدة نقاط منذ أيام وأهمها:
أن الاتفاق بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وحماس، على أن تقام دولة فلسطينية يطلق عليها "فلسطين الجديدة" على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، من دون المستوطنات القائمة وإخلاء الأرض، وتبقى الكتل الاستيطانية كما هي تحت السيطرة الإسرائيلية، وستنضم إليها المستوطنات المعزولة، على أن تمتد مساحة الكتل الاستيطانية لتصل إلى المستوطنات المعزولة.
وبخصوص القدس، فلن يتم تقسيم مدينة القدس، وستكون مشتركة بين إسرائيل وفلسطين الجديدة، وينقل السكان العرب ليصبحوا سكانا في فلسطين الجديدة، وليس إسرائيليين، بلدية القدس تكون شاملة ومسؤولة عن جميع أراضي القدس، باستثناء التعليم الذي تتولاه فلسطين الجديدة، وفلسطين الجديدة هي التي ستدفع لبلدية القدس اليهودية ضريبة "الأرنونا والمياه".
وأضافت الصحيفة العبرية "يسرائيل هايوم"، أنه لن يُسمح لليهود بشراء المنازل العربية، ولن يُسمح للعرب بشراء المنازل اليهودية، ولن يتم ضم مناطق إضافية إلى القدس، على أن تبقى الأماكن المقدسة كما هي اليوم.
وبالنسبة لغزة، قالت الوثيقة الإسرائيلية إن مصر ستقوم بمنح أراض جديدة لفلسطين، بهدف إقامة مطار ومصانع ومكان للتبادل التجاري والزراعة، من دون السماح للفلسطينيين بالسكن فيها، على أن يشق طريق أوتوستراد بين غزة والضفة الغربية، ويسمح بإقامة ناقل للمياه المعالجة "أنفاق" بين غزة وبين الضفة.
وذكرت الصحيفة أن من ضمن الدول المؤيدة التي وافقت على المساعدة في تنفيذ الاتفاق ورعايته اقتصاديا، الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، على أن يتم رصد مبلغ 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات لمشاريع تخص فلسطين الجديدة، ويتم توزيع المساهمات بين الدول الداعمة - الولايات المتحدة الأمريكية 20 % - الاتحاد الأوربي 10 % - دول الخليج المنتجة للنفط - 70%.
كما سيقام جسر معلق "أوتوستراد" يرتفع عن سطح الأرض 30 مترا ويربط بين غزة والضفة وتوكل المهمة لشركة من الصين، وبالنسبة لغور الأردن يظل في أيدي إسرائيل، كما هو اليوم
أما بالنسبة للجيش فيمنع على فلسطين الجديدة أن يكون لها جيش وسلاح قوي، والسلاح الوحيد المسموح به هو سلاح الشرطة، وسيتم توقيع اتفاق بين إسرائيل وفلسطين الجديدة على أن تتولى إسرائيل الدفاع عن فلسطين الجديدة من أي عدوان خارجي، بشرط أن تدفع فلسطين الجديدة لإسرائيل ثمن هذه الحماية، ويتم التفاوض بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة على قيمة ما سيدفع للجيش الإسرائيلي ثمنا للحماية، وتفكك حماس جميع أسلحتها، وتسليحها، ويشمل ذلك السلاح الفردي والشخصي لقادة حماس، ويتم تسليمه للمصريين.
مصر والصفقة الحرام
مصر حاضرة في الصفقة وخططها ويأتي من يمثل على الشعب ويتذاكى عليه بأنه لا توجد ما يسمي بصفقة القرن ، ولكن الحقائق على الأرض تكذب ذلك والأقوال والأفعال تؤكد على معرفة مصر بالطبخة ولكن تحاول أن تمهد الطريق للقبول بهذا من خلال الانكار مرة والتخويف بفزاعة الحرب والإخوان تارة ، وتارة أخري بأنها مخرج اقتصادي ممتاز لمصر يجعلها تستفيد بعشرات المليارات من الدولارات وأنه لا يوجد بيع، ثم إن الأرض التي سوف نتنازل عنها أرض صحراء ليس لها قيمة وسوف نكسب مالا ونمنع الإرهاب، كما نشر أحد اليهود نعيا لابنه فى إحدى الصحف  وهو أصلا تاجر ساعات وحتى يستفيد بقيمة الإعلان كما كتب "الخواجة كوهين : ينعى ولده، ويصلح ساعات"، وعلى هذا يفكر النظام في مصر، للهروب من الأزمة الاقتصادية الطاحنة، على أساس أن المهم هو الدولار سواء منحة أو بيع أو قروض، فلا يهم النظام أرضا ولا غيرها وإنما الاستمرار على الكرسي وإرضاء الكفلاء وسيدهم ترمب.
تنفيذ مخطط نتنياهو
ومن الغريب أن صفقة القرن كما تم الترويج لها ليست سوى تنفيذ لأفكار بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي التي طرحها في كتابه "مكان تحت الشمس" قبل سنوات، وقام محمد عودة الدويري بترجمته للعربية، وقد تناول نتنياهو في كتابه قضايا كثيرة تمس جوهر القضية الفلسطينية؛ وما طرحه من أفكار في كتابه يستحق أن يلقى الاهتمام من النخبة السياسية الفلسطينية والعربية؛ لتتعرف على ماهية الشخص الذي استطاع الفوز بمنصب رئيس الوزراء لثلاث فترات، فهو لا يعترف أصلا بوجود الشعب الفلسطيني، كما كتب فحسب.
حيث يقول في نظريته لا يمكن حل مشاكل الأقليات، ويقصد الشعب الفلسطيني الذي لا يعترف بوجوده، بإعطائهم حُكما يضمن لهم السيادة على أي قطعة أرض يهودية، ويشرح الكيفية التي يمكن لإسرائيل أن تقيم سلام مع العرب بدون القيام بإجراءات تعرض أمنها للخطر، وقال عن أسباب تأليفه للكتاب، أنه أراد إثبات كذب الفرضيات التي تعرضها الدعاية العربية لحل الصراع العربي– الإسرائيلي. وقد أسس لاعتراضه هذا على المجال الأخلاقي، بعرضه الحق الذي لا يقبل النقض بحق الصهيونية في فلسطين، وكشفه زيف الادعاءات العربية بالأرض اليهودية، وفي المجال العملي عرض نظريته السياسية والأمنية لحل الصراع، كما يراه من وجهة نظره.
في النهاية يتبقى دور الشعوب على الأرض فهي القادرة على إفشال أية صفقة قادمة والشعوب تعرف قيمة الأرض ودائما ما تربطها بالعرض، فلن يتنازل الفلسطينيون عن أرضهم بسهولة حتى وإن ضحوا بالدماء - كما يفعلون الآن - ولن يقبل المصريون التفريط فى شبر من أرض سيناء التي رويت بدماء شباب مصر، وتظل صفقة القرن طبخة فاسدة لن يتذوقها سوى من طبخوها.
















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق