سيف الهاجري
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ
لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾
إن من كمال دين الله عز وجل هو وضوح أصول النظام السياسي في الإسلام العقائدية والفقهية وهو ما قام به النبي عليه الصلاة والسلام بإنشاء الدولة في المدينة على هذه الأصول وبينها قولا وعملا، وسار على هديه صحابته الكرام في العهد الراشدي وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة»…ومن أعظم هذه الأمور المحدثة والتي حذر منها النبي عليه الصلاة والسلام في السلطة والحكم هي الفكرة الاستشراقية بأن ليست الخلافة من الدين التي تبناها علي عبد الرازق وأصلها في كتابه المشؤوم (الإسلام وأصول الحكم) بوحي من ربيب الاستشراق الفرنسي طه حسين ليصدروا صكا شرعيا يخفف من الصدمة على الأمة جراء إلغاء الخلافة التي ألغتها بريطانيا بفرضها شروط اللورد كرزون على تركيا…
وبعد قرن من سقوط الخلافة وقيام الدويلات القطرية والوطنية لا زال خطاب علي عبدالرازق هو الخطاب المعتمد في المؤسسات الشرعية الرسمية والشعبية، ويتبني رجالها هذا الخطاب الاستشراقي ليضفوا بعدا شرعيا وفقهيا على الواقع السياسي القطري والوطني الذي أقامته بريطانيا في المشرق وفرنسا في المغرب…
فهذه البدعة الاستشراقية أصبح لها منظروها ودعاتها حتى أصبحوا بدعوتهم بأن الإسلام جاء بمبادئ وأصول ولم يحدد للأمة نظام سياسي محدد لا يختلفوا عما يتبناه دعاة العلمانية بأن الدولة كونها تقيم الحرية والعدل والمساواة فهي دولة مدنية وتحقق المبادئ التي جاء بها الإسلام المنصوص عليه في الدستور كدين فلا حاجة لقيام دولة دينية إسلامية…
حقيقة موقف هؤلاء المبتدعة الجدد الذين يرفضون الخطاب السياسي الإسلامي النبوي والراشدي والذين فتحت لهم المؤسسات والاتحادات والمنابر هو أنهم اصطفوا في خندق النظام العربي المستبد الذي ثارت عليه الشعوب ويريدون ببدعتهم هذه اختراق حصون الثورة فكريا ليسهل احتوائها باسم الشريعة والإسلام كما فعل علي عبدالرازق من قبل…
فهؤلاء لهم دور وظيفي شرعي وفكري كما لجماعاتهم واتحاداتهم ومجالسهم العلمية، ولم يدركوا حالهم حال رعاتهم مدى عمق الثورة وبعدها الإسلامي الذي ينمو في قلوب شعوب الأمة الثائرة والتي أدركت بأن القوى الدولية وقوانينها ومؤسساتها الدولية ما هي إلا واجهة لاحتلال وهيمنتة أجنبية منذ سقوط الخلافة…
فالأمة بثورتها كسرت طوق التبعية الفكرية والثقافية لهؤلاء المبتدعة الجدد الذي يريدون حرف الأمة عن الخطاب السياسي النبوي والراشدي إلى البدع الاستشراقية والعلمانية باسم الشريعة ويقطعوا صلة الأمة بتاريخها السياسي العريق وتراثها الفقهي والعلمي الذي نهض به الصحابة ومن بعدهم من علماء الأمة محدثوها وفقهاؤها بإيمانهم بكمال الإسلام وعلوه، وبفهم عميق لم يدركه هؤلاء المبتدعة الجدد رجال الملوك والسلاطين والجنرالات…
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ﴾
سيف الهاجري
الاثنين 22 رمضان 1440هـ
27 / 5 / 2019م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق