السبت، 4 يناير 2020

ادفنوا مريم

ادفنوا مريم

لو كان عند القوم بقية من إنسانية لأخرجوا أحد أقاربها ولو مؤقتا لدفنها، أو لاستدعوا أحدا من أهل سيناء للقيام بذلك، أو حتى دفنها في مقابر الصدقة.
د. محمد الصغير
أخبر الله الملائكة بخلق آدم أول البشر واستخلافه في الأرض:
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَ اعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
فجاء جواب الملائكة بالحديث عن الإفساد في الأرض بصفة عامة، وخصوا من جملة الفساد جريمة القتل، وسفك الدم الحرام على وجه الخصوص!
وبالفعل كانت جريمة القتل أولى الجرائم التي وقعت على وجه الأرض، لما قتل قابيل أخاه هابيل، وكان أول من سن القتل في ذرية آدم وأصبح عليه وزرها، وكفل من وزر كل نفس قتلت بعدها إلى قيام الساعة. ونظرا لأنها الجريمة الأولى فلم يعرف القاتل كيف يتعامل مع جثة المقتول
(فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)
فجعل الله القاتل تلميذا للغراب الذي علمه الدفن، وكيف يواري جثة أخيه!
دفن الميت
وثابت في أحكام الشريعة أن دفن الميت فرض كفاية لقول الله عز وجل: ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: « معناهُ: أكرمَهُ بدفنِهِ» لأنّ في تركِ الدَّفنِ هتكاً لحرمةِ الميّتِ.
ومعنى فرض الكفاية أنه يلزم الحاضر المستطيع فإن قام به سقط الواجب عن الباقين، وإلا لحق الإثم الجميع!
بل أجمع فقهاء المذاهب الأربعة على أنه إذا مات كافر بين المسلمين لزمهم دفنه ومواراته كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي جهل وأمية بن خلف، ومن خرج معهم لقتاله في يوم بدر حيث دفنهم النبي صلى الله عليه وسلم في القليب .
إذن فإكرام جثة الميت بدفنها يدور بين الفريضة الدينية، والحقوق الإنسانية،
حرمة امرأة
لكن التاريخ سيسجل أن السيسي ونظامه تجردوا من ذلك كله، وهتكوا حرمة امرأة حية وميتة، حيث تعمدوا إهمال علاج السيدة مريم سالم بعد ولادتها، ونقلوها إلى عنبر الجنائيات في سجن القناطر، ثم فرقوا بينها وبين ولدها فماتت حسرة وكمدا بعدما نهشها المرض من كل صوب وحدب.
ومرت عشرة أيام حتى الآن على وفاتها، ومازالت جثة مريم في ثلاجة الموتى، ولم تصرح الجهات المسئولة بدفنها لأنه لم يتقدم أحد لاستلامها! ويرجع السبب في ذلك إلى أن كل أقاربها رهن الاعتقال رجالا ونساء وفيهم أمها وخالتها!
ويخشى أقرباؤهم من التقدم لاستلامها فيحاسبوا على تعاطفهم، لاسيما وأن الأجهزة الأمنية تتعامل مع أهل سيناء جميعا على أنهم من المجرمين والإرهابيين!
إلى هذا الحد بلغ تسلط الدولة العسكرية التي لا تقيم وزنا لشعائر الدين، ولا نوازع الإنسانية بل انحطوا إلى أقل من درجة الحيوان الذي أهال التراب على أخيه الميت....
  لو كان عند القوم بقية من إنسانية لأخرجوا أحد أقاربها ولو مؤقتا لدفنها، أو لاستدعوا أحدا من أهل سيناء للقيام بذلك، أو حتى دفنها في مقابر الصدقة.
لكن الذي لا يبالي بإزهاق أرواح الأحياء لن يتمعر وجهه من أجل جثث الموتى.....
ستبقى قصة مريم سالم شاهدة على أبشع جرائم العسكر، وأكثرها دناءة وخسة، وفجرا في الخصومة إلى درجة ما بلغتها سلطة احتلال على كثرة ما تعاقب على مصر وشعبها.
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
                        إن كان في القلب إسلام وإيمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق