الثلاثاء، 7 يناير 2020

خذلتْ الرئيس المنتخب.. واصطفتْ خلف مقاول العسكر!!

خذلتْ الرئيس المنتخب.. واصطفتْ خلف مقاول العسكر!!

أحمد عبد العزيز
(1)
إنها المعارضة المصرية البائسة التي لا ترى أبعد من أنفها!!

تلك المعارضة غير الراشدة، وغير الرشيدة التي هدمت (بكل إصرار، وصلف، وعناد) أول تجربة تداول سلمي على السلطة في تاريخ مصر، ووأدت حلم الشعب المصري، لأجيال قادمة، في حياة كريمة كانت على وشك أن تتشكل ملامحها، على يد الرئيس المنتخب محمد مرسي، رحمه الله!!

تلك المعارضة التي تسببت، بأدائها الأرعن، في إراقة دماء الآلاف من المعتصمين السلميين، في بضع ساعات من نهار 14 آب/ أغسطس 2013، ثم اعتقال عشرات آلاف آخرين من خيرة المصريين، في ظروف غير آدمية بالمرة، سواء من حيث المعاملة المهينة، أو السجون القذرة سيئة التهوية والمرافق، أو منع العلاج عن أصحاب الأمراض المزمنة، حتى يخرجوا منها جثثا هامدة!! كما تسببت (هذه المعارضة) في معاناة مزمنة، لمئات الآلاف من ذوي الشهداء، والمعتقلين، والمطاردين، والمنفيين؛ فقد غاب الأب عن أطفاله، وغاب الابن عن والديْه المُسِنّيْن، وغاب الزوج عن زوجته الشابة لسنوات!! وكانت قاعات المحاكم هي أول الأماكن التي يزورها أطفال رُضَّع!! وبلغ آخرون سن الثامنة، ولم تجر كلمة "بابا" أو "أبي" على ألسنتهم، وربما لن تجري إلى الأبد!!

ثم كان فشل هذه المعارضة المريع في إدارة الشأن العام، بعد أن تحقق لها ما أرادت، وأطاحت بالرئيس المنتخب، مستعينة بالجيش؛ لحماية "مدنية الدولة" من "فاشية الإخوان الدينية"!! ثم وصل بها التردي والتقزم إلى الاصطفاف خلف محمد علي، الشخص المجهول، نصف المتعلم، خادم العسكر المخلص لنحو ستة عشر عاما!!

(2)
كنت ولا أزال أرى أن المقاول (الممثل) محمد علي، ليس سوى واجهة لـ"قوة" لا يُستهان بها في مصر. وعند استخدام مفردة "القوة"، في الحالة المصرية، يجب أن تنصرف الأذهان (تلقائيا) إلى العسكر. وما جِيء بمحمد علي إلا ليقوم بالدور الذي يقوم به اليوم، ألا وهو "احتواء المعارضة" وتوظيفها، في تسوية "الأزمة المصرية"، والتلويح (الدائم) بثورة جديدة، الأمر الذي نجح بدرجة كبيرة في كبح جماح الجنرال المنقلب عبد الفتاح السيسي، بعد أن أصابه سُعار السلطة، فلم يعد يرى إلا نفسه، وأولاوده، وزوجته، وتنكَّر (تماما) لأولئك الذين أوصلوه إلى السلطة، بالانقلاب على إرادة الشعب، والرئيس المنتخب! وما جنوا من وراء فعلتهم تلك سوى انضمامهم إلى قوائم الخونة، في التاريخ، ومرتكبي "جرائم ضد الإنسانية"، لا تسقط بالتقادم!!

وعليَّ أن أعترف، بصفتي مختصا في عدد من مجالات الاتصال، أن "الجهة" التي تخطط لـ"القوة" التي تقف خلف محمد علي، تتميز بذكاء نوعي، بدا واضحا، في اختيار الشخص الذي يتمتع بمواصفات فطرية، تؤهله (بعد صقلها) للعب دور البطل الشعبي، على النحو المشهور في التراث المصري، ذلك الشخص القادر على إهانة "الفتوة الظالم"، وإفقاده اعتباره، أمام الجماهير الذكي الذي يعرف كيف "يؤمِّن نفسه" فلا يقع فريسة سهلة في يد عدوه، الفصيح الذي يجيد الحديث بلغة أولاد البلد "الجدعان". وقد زاد محمد علي (بحكم التطور) فاستخدام ألفاظا إنجليزية، كونت شعورا لدى المواطن البسيط بأنه شخص "مِتْعلم وفاهم"، كما تركت انطباعا لدى المثقف بأنه ليس جاهلا، إلى حد تجاهله، وعدم الاكتراث به!!

بدأ محمد علي "نشاطه" بالحديث عن "مظلمة شخصية"، ثم توَّجَه، بعد شهور قليلة، بـ"زعامة المعارضة المصرية" كلها!! تلك المعارضة المتحللة التي لم ترض بمحمد مرسي، أستاذ الجامعة الفذ، البرلماني الجسور، الخطيب المفوَّه، رئيسا منتخبا لمصر، ثم رضيت بمحمد علي، حامل المؤهل المتوسط، معدوم الثقافة السياسية، زعيما لها!! فإن كانت هذه المعارضة التي لا تدرك دورها في الحياة السياسية، قد أرهقها التعامل مع شخص جدير بموقع الرئاسة، مثل محمد مرسي، وتتصور أن التعامل مع المقاول محمد علي سيكون أكثر سلاسة، فهي واهمة!!

(3)

واهمة؛ لأن الرئيس مرسي، رحمه الله، كان مستعدا للتفاهم (بحق) مع الجميع، وقد برهن على ذلك عمليا، فلم يستثن أحدا من التواصل معه، وعرض المناصب الكبرى على "رموز" المعارضة، بل وعيّن طاقما استشاريا من كل أطياف المعارضة (السياسية والفكرية والدينية)، وفوَّض قيادة حزب الوسط "المعارض"؛ للتنسيق مع كل أطياف المعارضة، لتتوافق على تعديل مواد الدستور التي كانت مثار "إزعاج" لها!! وأعلن موافقته مقدما على نتيجة هذا التوافق، حتى وإن كان ضد قناعاته!! ولم يسمح لقيادة الإخوان المسلمين بفرض أي قرار عليه، كما لم يطلعها على أي سر من أسرار الدولة المصرية، وهذا ثابت، وإن لم تكن للشعب المصري معرفة بذلك من قبل، فها أنا أصرح به اليوم، عن علم ويقين.

أما محمد علي، أو بالأحرى "القوة" التي "صنعته" وتقف خلفه، لن تسمح لهذه المعارضة بأن تتصرف معها، كما تصرفت مع الرئيس مرسي، طيب الله ثراه!!

على المعارضة المصرية أن تدرك أن هذه القوة قد صنعت انقلابا "ناعما ناجحا" على عبد الفتاح السيسي، مساء يوم 20 أيلول/ سبتمبر 2019، كان محمد علي رأس الحربة فيه!! وفرضت على السيسي شروطها، فقبل بها مُرغما، لئلا يخسر كل شيء، ثم يجد نفسه في الزنزانة الانفرادية نفسها التي حبس فيها رئيسه المنتخب ست سنوات كاملة، ثم اغتاله بدم بارد في قاعة المحكمة!!

ولعل من المفيد (عزيزي القارئ) استدعاء واستعراض الأحداث التي مرت بها سلطة الانقلاب، منذ 20 أيلول/ سبتمبر، وحتى اليوم؛ لتتأكد من صحة "ادعائي" هذا، فقد أبعد السيسي ابنه محمود من أكثر المواقع أهمية وحساسية، بالنسبة له، وأعاد قادة عسكريين إلى "الخدمة"، كان قد أخرجهم منها قبل أكثر من عام، وأعاد آخرين إلى المشهد، بعد تغييب لأكثر من عامين، وأطلق سراح الفريق سامي عنان، وإجراءات كثيرة أخرى.

كل هذه التغييرات وقعت في قمة هرم المؤسسة العسكرية التي تملك "القوة"، في مصر، ما يعني أن عبد الفتاح السيسي أضحى تحت سيطرة "الانقلابيين الجدد"، أي القوة التي تحرك محمد علي، حتى إشعار آخر!! ويعني أيضا، أن الثورة المصرية قد دخلت في غفوة، لا يعلم مداها إلا الله!!

ولكي تتم السيطرة على مجمل المشهد المصري، تم تكليف محمد علي بـ"استدعاء" المعارضة إلى لندن، وأقنعها (معرفش ازاي) بكلام إنشائي، لا يخدم إلا "القوة" التي أملته، وأخرجته، تحت عنوان "وثيقة التوافق المصري".. وهذا موضوع آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق