ما إشكالية استطلاعات الرأي؟
خواطر صعلوك
محمد ناصر العطوان
هل تؤيد المساواة بين الجنسين؟
هل تتحرش بمرأة عابرة؟
هل توافق على عدم التمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس؟
هل تعتقد أن الأقليات المهمشة في حاجة إلى مزيد من الحقوق؟
هل تعتقد أن الاحتباس الحراري مشكلة تحتاج منا المزيد من العمل؟
قبل أن تجيب عن هذه الأسئلة بـ«نعم أو لا»، دعني أوضح لك كيف يكذب العقل وتصدق الممارسة، وكيف أننا نعيش نفاقاً واسع الانتشار معتقدين أننا فعلاً نعني ما نقول، وكيف أن نتائج الاستطلاعات لا تمثل قولاً حاسماً للواقع، وأقصى ما يمكن اعتبارها هو أنها أدلة مساندة تحتاج إلى معطيات بجانبها.
تشير الإحصائيات إلى أن الكثير من الرجال المشاركين في إحصائيات أخرى، يعيشون حالة ازدواجية ما بين ما يقوله العقل والمنطق وما بين ما يُمارس في اليومي والمُعاش، فالذين يضربون زوجاتهم ولا يسمحون لبناتهم أن ينطقن بحرف واحد لكي يعبرن عن مشاعرهن أمامهم، هم أنفسهم مَنْ يزيدون نسب الإحصائيات التي تشير إلى أننا حققنا الكثير جداً مما يصبو إليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأننا أصبحنا متحررين ومستنيرين أكثر من إنارات الشوارع.
حسب استطلاع الرأي الذي قامت به world public opinion. Org، والذي شمل 15000 مشارك من 16 دولة ومنهم دول عربية، فإن 71 في المئة منهم يعتقدون أن النساء قد أحرزن تقدماً في طريق المساواة وأنهم يدعمون ذلك، رغم أن فيهم رجالاً طلبوا عمليات إجهاض من نسائهم عندما اكتشفوا أن المولود القادم فتاة!
ومنهم مَنْ كان بالأمس يشتكي لصديقه في المقهى بأن المرأة كائن قصير الفكر طويل الشعر فقط!
90 في المئة من المشاركين يعتقدون أنه لا ينبغي أن يُحرم الناس من حقوقهم على أساس عرقي أو ديني أو جنسي، ورغم ذلك فإن السمة العامة للدول المشاركة في الدراسة، هي ممارسة التمييز على أساس العرق أو الدين أو حتى على قطعة القماش التي على رأس غيرهم!
عقلياً ومنطقياً نحن لا نقبل العنصرية أو التمييز أو العنف، بل وتكون إجاباتنا في الاستبيانات واستطلاعات الرأي منفتحة ومستنيرة جداً، ولكن الواقع يختلف كلياً.
يعتقد «بيتر سينغر» الكاتب الأخلاقي، أن الإجابات التي يدلي بها المشاركون المزدوجون، ستكون لها عواقب إيجابية، لأن ما يقوله أحد الأجيال دون أن يؤمن به، فإن الجيل الذي يليه قد يؤمن به أو حتى يتصرف على أساسه.
فقط فات السيد سينغر أن ينظر أيضاً إلى الجانب غير المشرق الذي يتمثل في تقديم معلومات مغلوطة ومزدوجة تؤدي إلى عدم الاعتراف بوجود المشاكل أو الضحايا، التي ستجلب جيلاً مُحترقاً بنور الاستنارة العقلية، ومتفحم بممارساتها الواقعية.
فوفقاً لتقرير الشرطة، ووفقاً لكلب تعقب الأثر، فإن العالم الإسلامي أصبح متسامحاً جداً في ما يتعلق بملابس المرأة وحريتها في اختيار وظيفتها، ولكنه على الجهة الأخرى من النهر يتسابق في تحطيم الأرقام القياسية للتحرش،
فقلي بالله عليك ما شكل الجيل القادم الذي يجيب أبوه «بنعم» على أسئلة واستطلاعات الرأي، بينما يتحرش بالمرأة، رغم أن أمه امرأة!
وهكذا عزيزي القارئ نكتشف أن العقل يكذب، والممارسة تصدق، والإعلام يخلق الحاجات والحكومات تخلق عدم القدرة على تلبيتها، والإحصائيات تزييف الواقع... سلباً وإيجاباً... وكل ما لم يذكر فيه اسم الله... أبتر.
@moh1alatwan
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق