السبت، 8 أغسطس 2020

المحاصصة الطائفية والفساد..

المحاصصة الطائفية والفساد.. 

محنة بيروت بدأت منذ أعوام وليس اليوم


مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
اهتزت بيروت مساء يوم الثلاثاء على وقع أحد أعنف الانفجارات في تاريخ البلاد، الذي وقع في مرفأ بيروت المعروف بكونه من بين أكثر المرافئ نشاطاً ومن النقاط الحيوية في الاقتصاد اللبناني، لتتحول المدينة إلى ما يشبه ساحة حرب.
حسب التقييمات التي أجريت حتى الآن، لقي قرابة 200 شخص حتفهم بينما جُرح أكثر من 5 آلاف، إلى جانب تشريد مئات الآلاف.
لا تزال فرضية تسبب هجوم في هذا الانفجار مطروحة بين عدة فرضيات أخرى، ولكن لا توجد أي أدلة تؤكدها. ولكن المؤكد أن 2750 طناً من مادة نترات الأمونيوم، المخزنة في مستودعات الميناء منذ 2014، هي أهم عامل تسبب في هذا الانفجار الهائل.
وبما أنه من غير الوارد أن تشتعل مادة نترات الأمونيوم من تلقاء نفسها، فإن ذلك يعني أن الانفجار كان نتيجة حادث سببه خطأ ارتكبه أحد العاملين في المستودع، أو أنه هجوم خارجي. وإذا كان الانفجار سببه هجوم، فمن غير الممكن البحث عن فاعل آخر غير إسرائيل، المشتبه بها في كل مرة. 
مهما كانت الافتراضات، فإن الخطأ الجسيم الذي يبحث اللبنانيون عن مرتكبيه حالياً، هو ترك تلك المواد الخطرة في هذا المكان الحساس من المدينة، الذي يمثل شريان الحياة لبيروت وكامل لبنان.
قيل الكثير حول هذه المأساة، وحتى إذا تبين أن هذا الانفجار هو نتيحة هجوم خارجي نفذته إسرائيل، فإنه سيبقى من غير المعقول التسامح مع قرار ترك هذه المواد في المرفأ كل هذه السنوات.
لا مفر من أن تتجه كل الأنظار إلى حزب الله نظراً لأن إدارة المرفأ تقع تحت تصرفه، وترك هذه المواد التي تعرف إسرائيل بوجودها منذ وقت طويل خطأ يتحمل عواقبه الحزب. لذلك من المؤكد أن محاسبة المسؤولين ستكون ذات أبعاد سياسية، الأمر الذي سيخلف الكثير من التوترات.
نحن ندخل الآن فترة يجب فيها على كل الأطراف أن تتوخى الحذر حتى لا تقود التوترات إلى نتائج أكثر سوء على لبنان، في ظل التعدد الطائفي الذي حقق توازناً هشاً بين مختلف مكوناته. 
من الواضح أن نظام الحكم في لبنان القائم على التوازنات السياسية التي ظهرت بعد الحرب الأهلية، هي التي قادت البلاد إلى هذا الوضع. يحكم لبنان اليوم نظام المحاصصة السياسية المبني على الطوائف الدينية -الذي طبق في العراق أيضاً- وهو ما يعرقل بشكل كبير جهود إرساء نظام ديمقراطي أكثر انفتاحاً مبنيّ على المساواة والمواطنة، من أجل التصرف في موارد البلاد بشكل أكثر فاعلية ومحاسبة المسؤولين. 
تعد الصعوبات التي يمر بها لبنان نتيجة حتمية لنظام المحاصصة السياسي الطائفي، في بلد يغرق في أزمة اقتصادية حادة ولا يوجد أي مخرج منها في الأفق. تعتبر بيروت واحدة من بين أربع عواصم سنية تفتخر إيران بأنها تتحكم فيها. ولكن شأنها شأن العواصم الأخرى الثلاث، لم تجن بيروت شيئاً غير الدمار السياسي والاقتصادي، وتقويض الاستقرار في ظل السيطرة الإيرانية. ولئن كان لبنان يبدو أفضل حالاً من بغداد ودمشق وصنعاء، فإن وقوع هذا البلد تحت سيطرة حزب الله وإيران يقود إلى نتائج معروفة.
بعد هذا الحادث المأساوي الذي شهدته بيروت، ألم يحن الوقت لتسأل إيران نفسها حول طريقة تحكمها في المنطقة، وكلفة ذلك على العالم الإسلامي وعلى الشعب الإيراني نفسه؟ في علاقتها بهذه العواصم الأربع المذكورة، قد تعتقد إيران أنها فازت وسيطرت عليها، ولكن هذه البلدان لم تستفد شيئاً من هذا الوضع. وبسبب أسلوب الهيمنة الإيراني، فقدت طهران سمعتها في العالم الإسلامي، وأصبحت نشاطاتها ترتبط في ذاكرة الناس بالقتل والتدمير على نطاق واسع. 
لماذا لا يقوم حزب الله، الذي سيطر على مختلف القطاعات في لبنان لعدة سنوات ويمتلك بنية تنظيمية متعددة الهياكل، بالمساهمة في الاقتصاد والتنمية في لبنان؟ ربما يكون هذا الانفجار الأخير حادثاً، وربما يكون أيضاً من عمل إسرائيل رغم نفيها ذلك. ولكن من الواضح في كل الأحوال أن هذا الحادث سلط الضوء على إيران والدور الذي تلعبه في لبنان عبر حزب الله، ومن المفترض أن يدفعها لمراجعة أدوارها في العالم الإسلامي. فإلى متى ستتجاهل إيران هذا الواقع؟ 
سارعت المنظمات والجمعيات الإنسانية في تركيا منذ اللحظات الأولى لورود أخبار هذا الانفجار، بتقديم المساعدة بشكل فوري للشعب اللبناني. وقد وجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسالة إلى نظيره اللبناني ميشال عون عبّر فيها عن تضامنه، كما وصلت طائرتا شحن تركيتين محملتين بالمساعدات في صبيحة اليوم الموالي. 
لطالما عُرف عن تركيا استعدادها الفائق لمجابهة الكوارث الطبيعية والاجتماعية، وقد أظهرت حرفية عالية مقارنة بباقي دول العالم في التعامل مع المشكلة التي خلقها تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين خلال الأعوام الماضية. كما تعاملت بنفس الحرفية مع الزلزال الذي ضرب الأراضي التركية، حيث كان تدخلها سريعاً وفعالاً في عمليات الإنقاذ والمساعدة، وهو ما أكسب المؤسسات التركية خبرة كبيرة. واليوم أيضاً كانت فرق المساعدة التركية أول الواصلين إلى لبنان، وهو ما يعكس مدى عمق العلاقات التاريخية والثقافية بين البلدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق