الأحد، 1 أكتوبر 2023

حل الدولة الواحدة.. متى سيدقّ الفلسطينيون جدران الخزان؟

حل الدولة الواحدة.. متى سيدقّ الفلسطينيون جدران الخزان؟

قبل 60 عاما، اختتم الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني روايته الشهيرة "رجال في الشمس" بقوله: لماذا لم تدقّوا جدران الخزان؟.. لماذا لم تقرعوا جدران الخزان؟.. لماذا.. لماذا.. لماذا؟..

أستهل مقالي بهذا الاقتباس، وتحركات الدول العربية باتجاه تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني تتوالى، وتدق ناقوس الخطر مرة بعد مرة في الوجه الفلسطيني الدامي، وتهزّه بغضب شديد، ليستيقظ ويخرج من حالة الفشل التي يعيشها، ويبحث عن طرح سياسي مختلف يتناسب مع المتغيرات المستجدة، والتحديات التي تفرضها عليه، ويوقف نافورة الدم العبثية التي يصرّ على تركها مفتوحة مجانا ليؤكد فيها حضوره السلطوي ويداري عقمه السياسي.

فهل سيدق الشعب الفلسطيني جدران الخزان؟ أم سيستمر في حالة الموت العبثي التي يعيشها، مستظلاً بهالة البطولة والفداء التي تخيم فوق رأسه المهشّم، وجسده الذي أنهكته المعاناة؟ فمتى سيدق الفلسطينيون جدران الخزان؟

الركود الفسطيني

الشيء المؤسف والمحزن أن الشعب الفلسطيني لا يرزح تحت الاحتلال فحسب، وإنما يرزح بصورة أشد تحت وطأة الانقسام السياسي وما يترتب عليه من ازدواجية القيادة، وغياب الوحدة الوطنية، وغياب المشروع المشترك للتحرر من الاحتلال، والتشبث بوهم حلّ الدولتين، وانهيار آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني.

ويبدو أن هذا الانقسام السياسي الذي يجثم كالكابوس المرعب على صدر القضية الفلسطينية منذ أكثر من 15 عاما، لا أمل في إنهائه، بعد الفشل المتكرر بين طرفي الانقسام، رغم الثمن الباهظ الذي يتكبده الشعب الفلسطيني نتيجة لذلك، ورغم كون الوحدة الوطنية هي الأولوية القصوى التي تحتاجها القضية الفلسطينية قبل مقارعة الاحتلال. وأعتقد أن على الشعب الفلسطيني ألا يتأخر أكثر من ذلك، وأن يشرع في طرق جدران الخزان بكل قوة، باحثا عن السبل والآليات التي تمكنه من التغلب على هذا الواقع المرير، ويواجه التحديات التي يفرضها الواقع المتغير.

السبيل الوحيد للمواجهة

ولكن، كيف يتسنى للشعب الفلسطيني مواجهة هذه التحديات؟ في ضوء انهيار النظام العربي المشترك، وصعود الدولة الوطنية وتطلعاتها الأنانية العليا، وفي ضوء تعقيدات الأزمات العربية التي أعقبت ثورات الربيع العربي، وفي ضوء هيمنة الاستبداد وتغلغل الفساد في معظم الدول العربية، وفي ضوء عملية المتاجرة العربية المستمرة بالقضية الفلسطينية لأسباب داخلية سياسية أو اقتصادية؛ فإن إمكانات وظروف الشعب الفلسطيني أقل بكثير من أن تواجه هذه التحديات، خصوصا في ظل استمرار الانقسام السياسي وازدواجية القيادة.

ومع ذلك، يبقى أمام الشعب الفلسطيني سبيل وحيد للمواجهة، وهو السبيل الذي يقلب فيه الطاولة على رؤوس جميع اللاعبين، ويُخرِج القضية الفلسطينية من مسارها الوهمي المستحيل القائم على حل الدولتين، إلى المسار الواقعي القائم على حل الدولة الواحدة للشعبين الفلسطيني واليهودي.

الدولة الواحدة في نظر الفلسطينيين

وبالنظر إلى الموقف الفلسطيني من هذا الحل، فإنه يتفاوت في عدة اتجاهات، في مقدمتها:

  • الموقف المؤيد مبدئيا والرافض قسريا، وهو موقف السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، فهم يؤمنون بأن هذا الحل هو الأمثل، ولكنهم ملتزمون مع الكيان الصهيوني والمجتمع الدولي بتبنّي حل الدولتين.
  • الموقف المؤيد مطلقا، وهو موقف التيارات اليسارية والليبرالية خارج إطار السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ولكنه موقف ضعيف جدا ليس له أي تأثير على مسار القضية الفلسطينية. وهو أشبه بموقف جماعة "ناطوري كارتا" اليهودية الرافض لقيام دولة الكيان الصهيوني في فلسطين.
  • الموقف الرافض مبدئيا، وهو موقف قوى المقاومة، الإسلامية وغير الإسلامية، وفي مقدمتها حركة فتح وحركة حماس والجهاد الإسلامي. ويرجع الرفض عندهم إلى أسباب فكرية وسياسية وفقهية خاصة. ومع ذلك فإن عددا من منتسبي حركة حماس يقبلون الفكرة من حيث المبدأ، ويبررون رفضهم بأن الكيان الصهيوني والمجتمع الدولي لا يقبل بهذا الحل.
  • الموقف المتشكك، وهو موقف بعض النخب الفلسطينية التي تؤيد الحل، لكنه يتشكك في النتائج التي قد ينتهي إليها، ويميل في نهاية حساباته إلى الاستمرار في حل الدولتين، باعتباره الحل الواضح الذي يحظى بقبول جميع الأطراف.
  • الموقف المتردد، الذي يؤيد الحل، لكنه يتردد في الحديث عنه أو تبنيه لاعتبارات تنظيمية أو فكرية أو اجتماعية، وينتظر انطلاق كرة الثلج وردود الفعل عليها حتى يحجم عنها أو يشارك في تقاذفها، وهو موقف قسم واسع من النخب الفلسطينية على اختلاف أنواعها، وكذلك موقف السواد الأعظم من الشعب الفلسطيني. وهو موقف ليّن، يسهل تغييره وتسخيره لصالح أحد الحليّن عن طريق المنابر المختلفة الرسمية والحزبية والإعلامية.

وتشير هذه المواقف إلى أن الكفّة في صالح حل الدولة الواحدة، وخاصة في ضوء الفشل الذريع لحل الدولتين، ودوره في تفاقم معاناة الشعب الفلسطيني وارتفاع فاتورة الدم والدمار.

على النخبة الفلسطينية أن تتحرر من ترددها، وتأخذ بزمام المبادرة لتعمل على إنقاذ الشعب الفلسطيني من وهم حل الدولتين، وتقوم بإطلاق كرة الثلج الخاصة بحل الدولة الواحدة ودحرجتها لتكبر مع مرور الأيام.

مسؤولية النخبة

قد تناولت في أكثر من مقال سابق عبثية الاستمرار في حل الدولتين، والضرورة الحتمية للانتقال إلى حل الدولة الواحدة، وأعتقد أنه آن الأوان لإطلاق كرة الثلج الفلسطينية حتى تكبر وتكبر إلى أن تسد المشهد، ولا يجد الكيان الصهيوني وشركاؤه العرب والمجتمع الدولي أمامهم سوى حل الدولة الواحدة. وحيث إن القيادة الفلسطينية المنقسمة غير قادرة على اتخاذ هذه الخطوة، فإن الجهة المسؤولة عن القيام بها هي النخبة الفلسطينية بكل تخصصاتها ومجالاتها ومستوياتها.

إن على النخبة الفلسطينية أن تتحرر من ترددها، وأن تأخذ بزمام المبادرة، لتعمل على إنقاذ القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني من أتون وهم حل الدولتين، وتقوم بإطلاق كرة الثلج الخاصة بحل الدولة الواحدة ودحرجتها لتكبر مع مرور الأيام.

لن يخسر الشعب الفلسطيني شيئا إذا أعاد ترتيب أوراق اللعبة السياسية وسط التحديات التي يواجهها، فيوقف كرة اللهب، ويعمل على تطويرها، وتحويلها إلى داعم أساسي لكرة الثلج حتى تنجح في فرض نفسها وتصحيح المسار السياسي للقضية الفلسطينية، دون أن يتنازل عن شيء من حقوقه، أو يفقد شيئا من مكتسباته.

لقد آن الأوان أن تتقدم النخبة الفلسطينية بكافة انتماءاتها الفكرية والسياسية كي تدق جدران الخزان برأسها وأيديها وأقدامها، وتعلن رفض الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج الاستمرار في مؤامرة حل الدولتين التي لم تعط له سوى الويلات تلو الويلات والأحزان تلو الأحزان. وإنني لأرجو أن يكون مقالي هذا بمثابة إطلاق لكرة الثلج هذه، وأن تبدأ بالتدحرج حتى تصل إلى مبتغاها، وتنجح في تحقيق أهدافها.

أما كيف، فهذا ما سنتناوله في وقت قادم بحول الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق